تتكاثر هذه الأيام التصريحات الدافعة باتجاه تحقيق المصالحة الوطنية في العراق ، لكن على الأرض لا يوجد سوى رذاذا متطايرا في فضاء مشحون بكل أشكال التشدد، فالكثير يعتبر التقرب من قانون المسائلة و العدالة جريمة بحق المظلومين، و يذهب الغلو بآخرين الى وصف ذلك باستهانة بدم الشهداء، وكأن الضحايا العراقيين يجب التعامل معهم وفق الهوية المذهبية أو العقيدة القومية و ليس الأنتماء الوطني.
مضت 11 سنة على تجاذبات اللاوعي و لم يعتبر اي طرف بالنتائج التي أوصلت العراق الى حافة الافلاس و وضعت سيادته بين قوسين كبيرين، و مع ذلك نسمع جعجعة بلا طحين و ثرثرة بلا ترتيب أو صاحب قرار، فالأمور متداخلة مع بعضها و التوافقات تزيد الخنجر ايلاما، لأن استعادة الشارع العراقي لهويته الوطنية سيرمي الى حافة النسيان عناوين كبيرة في الفشل لا الاصلاح.
ماذا تحقق للعراق من تحشيد الشارع المحلي طائفيا و عقائديا؟ ولماذا الاصرار على وضع المصالحة في خانة الاتهام؟ و الى متى تبقى الارادة مهزوزة بتأثير خارجي؟ و من يتصالح مع من في العراق؟ هذه بعض من تساؤلات أكثر تعقيدا عن الجهات المستفيدة من شحن النفوس خارج مصلحة الوطن، وما اذا كان الاحتلال قد جلب معه شعبا مكان أبناء العراق، رغم قناعتنا بأن الطائفية هي مزاج السياسيين و بعيدة عن المواطنين، الذي يوحدهم فريق من 11 لاعبا و تفرقهم طروحات الأحزاب و سلاطين الأقوال لا الأفعال.
لا يحتاج الشعب الى مصالحة فهو ابن البيت و صاحب النخوة، فالذي ينفخ في الفتنة هي المواقف السياسية المتشنجة و الارادات الخارجية المراهنة على ذبح أخوة العراقيين، لا سامح الله، فما زال علي صديق عمر و مازالت عائشة شقيقة الزهراء، بينما يطمأن أبو حنيفة على آخوه الكاظم صباح مساء، فحتى المكان الذي يتربعان ينطوي على مضامين كبيرة من تجانس آخوة العراقيين، لذلك سيحصد هواءا في شبك كل الغارقين في الفتنة الطائفية بعيدا عن المقامات و الدعم الخارجي.
وعلى أساس هذا الفهم يحتاج العراق الى قرار جريء و ملزم للجميع بطي صفحة الماضي و المباشرة الميدانية برفع الحواجز عن استعادة الهوية العراقية عافيتها، بحيث تنتهي مؤامرة ” خصخصة الاتهامات” فلا يجوز مثلا تبرئة متهم بفكرة الحاجة اليه، مثلما لا يجوز محاسبة الأخرين لأنهم اجتهدوا فأصابوا أو أخطأوا في النظام السابق، ثم أن الموظفين في الدولة لايؤاخذون بجريرة سوء تقدير صانع القرار في مرحلة ما، حيث لم تتكرر تجربة العراق حتى في أقسى مراحل القهر العنصري، ما يستدعي اعتبار المصالحة الوطنية خيارا لا شعارا، ورفع القيود المفروضة بقوة الحقد و الضغينة عن عسكريين و مدنيين، لأن تحويل هذا الفهم الخاطيء الى سياسة حكومية يضع أيضا أنصار العهد الحالى بمواجهة مسائلة جديدة، و بما يؤسس لفتنة مفتوحة، وعليه فان طي صفحة الماضي مسؤولية كبيرة تحتاج الى متسامح أكبر، خاصة و ان غالبية مطلقة متهمة بتأويلات و عقد شخصية لا علاقة لها بمزاج العراقي المتسامح عن طيب خاطر!! المصالحة حق مغتصب لا تستقيم الأمور بدون انصاف ضحاياها !!