نبهني خال أولادي (السنّي) العراقي الأصيل ، وكما هي الأصالة التي صبغت ضمائر وجباه معظم العراقيين ، الى احد الأقلام وهو يوسم موضوعه بعنوان (وفود السنّة الى واشنطن..الخ) .. حقيقة استفزتني طريقة صياغة العبارة رغم مقاصد الكاتب الواضحة في التوجيه ومحاولة ايجاد مخرج ما ، في جزء مهم من بعض المصائب المهلكة التي اصابت العراق كدولة وكأمّة .. وتسارعت الأفكار في عقلي وتصاعدت في قلبي (فوبيا) الهلع من التشابه المهول مابين معظم تصرفات من قاد العراق أمس ، ومن يقوده اليوم .. رغم الفارق الجلي الذي يؤكد ان العراق كان في تلك الأيام دولة ذات مؤسسات و(علم) واحد وولي أمر واحد .
وبمقارنة منصفة بعيدا عن الطائفية التي صبغت بعض اخلاقنا واحلامنا وحتى طعامنا ، والتي كانت الملف الأول في حقيبة السمسونايت التي جلبها معه منبوش الصفحة برايمر .. سنجد ان نفس هذه الشكولات الزفرة كانت تذهب بل (تحج) الى واشنطن بوفود متواصلة قبل عملية (تحرير) العراق ، مع الفارق الوحيد ان تلك الوفود كانت (شيعية) بامتياز .. وسنتذكر بكدر وسهد كبيرين سياسة ولي الأمر الأسبق بضرب المدن العراقية بالمدفعية والطائرات واستخدام القوات المسلحة في قمع شعبه ، وتجريف البساتين والأراضي الزراعية وحرق البيوت والممتلكات وسرقة مدخرات عوائلنا الكريمة والأعتقالات العشوائية والأغتيالات والأعدامات الفورية التي لم يسلم منها طفل او امرأة او شيخ مريض ، وكان هو صاحب الأمتياز الحصري في صنع المقابر الجماعية ، تحت مسميات وتبريرات التآمر ومعادات النظام وتنفيذ مخططات الأمبريالية والصهيونية .. وقد نجح البعض في حينه ، كأشخاص وكدول واجهزة مخابرات حاقدة بتوجيه الرأي العام الداخلي المغلوب على امره الى ان صدام كان يستقصد الشيعة حصرا ، رغم ان وقائع التاريخ تقول انه حتى صهريه (السُنيّان) لم ينجوان من دمويته وظلمه .. وهكذا الآن ، وبعد ان دارت الدائرة ضمن سياق التاريخ العجيب لهذه الأمة ، نجد ان كل ما فعله المذكور كان مطابقا من ناحية تسلسل الأحداث وبشكل غريب لما يفعله الآن ولي أمرنا الجديد (الشيعي) المؤمن الورع بأهل العراق من اولائك الذين حسبوا ظلما وبهتانا على نظام صدام الدموي ، سواء كان شخص أم حزب أم كتلة برلمانية .. مع فارق بسيط ان مقابر صدام الجماعية كانت تحت الأرض .. أما مقابر (الولي الفقيه) الآن فهي فوق الأرض ، حيث يتم رمي الجثث في المزابل وفي العراء .
السنة والشيعة في العراق كدجلة والفرات .. فهم موجودون في مدن السنة والشيعة على حد سواء .. وان كانت المبررات التي اوجدها المحتل قد انطلت على بعض الجُهال السُرّاق الخونة من اجل اقتتال الأهل والأخوة والأقارب فيما بينهم .. فمن المؤكد انها لن تنطلي على السواد الأعظم من هذا الشعب النبيه اللماح الصابر المحتسب ، الذي ايقن بوطنيته المشهودة ان القيادات الموتورة التي تهيمن على المشهد السياسي الآن لا تمثل الشيعة ، مثلما كانت القيادات الدموية الصدامية لا تمثل السنة ، وأن بقاء دوران تلك الدائرة بنفس اسلوبها الدموي السابق سيعيد الكرة من جديد لكي يظهر علينا ظُلام ومجرمون جدد ومن ألوان واطياف جديدة ، لكي يستمر الدمار والموت البطيء لهذا الشعب العظيم .
المؤلم في الأمر ان دكتاتورنا السابق (الأرعن) رغم حصار العالم له لم يسمح باحتلال مدن العراق إلا بعد أن تكالبت عليه جيوش ثلاثين دولة وأكثر .. أما (جماعتنا) الأشاوس من قيادات العهد الجديد ، ورغم مليارات التسليح والتجهيز التي اغدقها الزمان عليهم ، فقد سلموا مدننا الكبيرة بسرعة غريبة مشبوهة الى عصابات ارهابية داعشية دموية كافرة لم يكن تسليحها عند سقوط الموصل يتجاوز العشرون عجلة وعدد قليل من بنادق الكلاشنكوف وسبعة درنفيسات وثلاث سكاكين أم الياي .. لك الله يا عراق .