اظهرت بحوث ودراسات كثيرة ان العراقيين لديهم خصوصية ثقافية ودينية واجتماعية تختلف عن باقي شعوب المنطقة ، وتبرز هذه الخصوصية من خلال شخصياتهم المتناقضة القلقة التي لا تستقر على حال ، يتقلبون بسرعة البرق من نقيض الى نقيض ، وكأنهم يخفون في انفسهم عدة شخصيات وبوجوه واقنعة متعددة ، وقد تجد احدهم طائفيا متشددا يعمل على نشر فكرته ولكنه وفي الوقت ذاته يدعو الى الفكر العروبي الشوفيني ، وقد تراه منظرا ديمقراطيا كبيرا لا يكل ولا يمل من الدعوة الى الحرية وتطبيق الدستور وممارسة الديمقراطية ولكنه يمارس الدكتاتورية والقمع على ارض الواقع ، يدعو الى الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي ولكنه عمليا يفعل كل ما من شأنه تقسيم البلاد وتمزيقها ، كما لمسنا ورأينا ذلك من رئيس الوزراء السابق”نوري المالكي”واعضاء من حزبه حزب الدعوة الاسلامية طوال سنوات حكمهم ، يدعون لشيء ويعملون لشيء اخر .. وايضا لمسناه من رئيس النظام السابق”صدام حسين”، عندما غزا الكويت عام 1991وهي دولة عربية ذات سيادة وعضوة في الجامعة العربية ، غم ادعائه العروبة والاخوة العربية ورفعه لشعارات الوحدة العربية وتأكيداته المستمرة على حرمة الدم العربي .. وقد تكون للاحداث التاريخية التي مرت على العراق والعراقيين ، دور كبير في ترسيخ هذه الصورة الانفصامية المعقدة في الشخصية العراقية ، وخاصة حادثة مقتل”الحسين”في كربلاء ، وتداعياتها الخطيرة على فكر وثقافة العراقي على مدى عصور طويلة ، والقصة التي ما زالت تتفاعل وتؤثر في الواقع ، هي ان العراقيين بعد ان دعوا”الحسين”الى العراق لمبايعته غدروا به وقتلوه ، وقبل ان يلقى”الحسين”حتفه وهو في طريقه الى مدينة الكوفة العراقية جرى بينه وبين الشاعر المشهور”الفرزدق”حديث كما ترويه كتب التراث ، سأله”الحسين”عن احوال اهل الكوفة وموقفهم منه ، رد عليه الشاعر بقولته المشهورة ؛ قلوبهم معك ولكن سيوفهم مع بني امية ! ..
هذه الحادثة تظهر مدى وله العراقي بلعب دور شخصيات مختلفة ومركبة في آن واحد ؛ المجرم والبريء والقاتل والضحية والصالح والطالح ، الشرير والخير والفاسد والنزيه وغيرها من الصفات المتناقضة ، وقد تراه مثقفا ثقافة واسعة واكاديميا ملتزما بالمناهج العلمية الصارمة ، متفوقا في مجال عمله ، يدعو الى التقدم والتحضر ، ولكنه مع ذلك يؤمن حد التطرف بالخرافات والاساطير والطقوس والشعائر الطائفية التي ما انزل الله بها من سلطان ، وقد شاهد الناس من على شاشات الفضائيات الدكتور”حسين الشهرستاني”وهو عالم ذرة عراقي عمل باحثاً علمياً في مراكز البحوث النووية لفترة ونائب سابق لرئيس الوزراء ووزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة”العبادي”الحالية ، كيف كان يتلو قصة مقتل”الحسين”بصوت شجي في مجلس عزاء اقامه”المالكي”في مكتبه بحضور العديد من مسؤولي الدولة المهمين وهم يلطمون صدورهم ويبكون على نبرات صوته !! هذا النوع من الانفصام النفسي الحاد الموجود داخل اكثر العراقيين هو الذي ميزهم عن غيرهم وجعلهم يتميزون بشخصية فريدة من نوعها ، يصعب التعامل والتعايش معها في ظل مجتمع واحد ودولة واحدة ، وربما لهذا السبب المهم ، لم يستطع الكرد الاندماج مع المجتمع العراقي العربي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وظلوا يرفضون هيمنتهم عليهم وعلى بلادهم على مدى عقود ولا يستسلمون لهم رغم كل الفظائع والجرائم التي ارتكبت بحقهم ..
وقد قام العديد من العلماء العراقيين وغير العراقيين بتحليل هذه الشخصية المعقدة ، الصعبة المراس التي يقول عنها العالم السيوسولوجي العراقي الكبير الدكتور”علي الوردي”بانها تجمع بين البداوة والتحضر ، ان اقتربت منها تجدها كريما شهما يأبى الضيم على نفسه وعلى جيرانه ولكن ما ان تندمج معها وتعرفها اكثر ، تراها تتمتع بدرجة عدائية عالية ، ولايتوانى من الغدر و القتل بطريقة قاسية جدا يصعب على العقل في بعض الاحيان تصورها ، كما في المقابر الجماعية التي ملأت العراق و عمليات “الانفال”التي حصدت 182 الف روح بريئة في غضون ايام معدودة والقصف الكيمياوي على مدينة”حلبجة”الكردية ، والحرب الاهلية الدموية التي جرت بين السنة والشيعة عامي 2006 و2007 والتي ذهب ضحيتها مئات الالاف من الابرياء ومازالت الجرائم التي ترتكبها الميليشيات المسلحة على الهوية والانتماء الطائفي والعرقي مستمرة ، ولا احد يستطيع ايقاف الماكينة العراقية المرعبة من حصد المزيد من الضحايا .. بالامس كان العراقيون يقتلون بدعوى الدفاع عن العروبة والعرق العربي ، والذود عن حياض الوطن ! واليوم يقتلون من اجل رفع راية الطائفة والمذهب وسيستمرون في مسلسل الموت غدا وبعد غد لتحقيق هدف اخر ، ماداموا يجدون في النهاية من”يفشون”عقدتهم المعقدة عليه !!