كلنا مع رئيس وزراء العراق الدكتور حيدر العبادي الذي كان بلا جدال الحل والنافذة الوحيدة للخروج من الأزمة بعد انتخابات نيسان الماضي وصعوبة تشكيل حكومة جديدة في ظل النتائج المتقاربة والمتجاذبة والهلامية للكتل السياسية المكوناتية حينها, مع الطموحات الدكتاتورية الهدامة لرئيس الوزراء الافشل والافسد تاريخيا المتمسك بالحكم وقتها وصاحب نظرية مننطيهة! فكان اختيار العبادي وفي اللحظات الاخيرة منقذا للجميع من الوقوع بمتاهة لايمكن لاحد ان يعلم ما يمكن ان تؤول اليه الامور لو استمر المالكي ولم تتشكل حكومة جديدة.
ولاننكر ان حيدر العبادي هو خريج نفس المدرسة التي خرجت صخيل وزرعت الفتنة والفساد بكل مفاصل الدولة الرسمية والشعبية وعمقت الانقسام الطائفي والقومي بالعراق واستباحت بأسم الدين والمذهب كل منكر في الحكم يمكن ان يتصوره الانسان من قتل وسرقة ومؤامرات ومليشيات وتحزب ومحسوبية وطائفية وفضائية وتفتيت لكل مكونات البلد بلا اي وازع من ضمير او اخلاق او دين.
لكن مع ذلك بدا حيدر العبادي للكثيرين منا المؤمنين بالعملية السياسية, كنوع من الاستبشار بالمستقبل, الصفعة المطلوبة والمناسبة لكل التاريخ الاسود لحكم مابعد 2003 الذي جاء بعد ظلامية واجرام ماقبل التغيير, وخاصة لتفرعات وتفرعنات ومافيات الحكم الجديد والتي اثبتت ان لارادع لها قانوني او شرعي او وطني, بل وسفهت كل ذلك حتى ظهرت داعش بيننا ليتقبلها البعض كبديل بعد اعدام وانعدام كل الثوابت والخيارات.
بهذا الاستشراف الايجابي تقبل الجميع ولاية العبادي الجديدة لرئاسة الوزراء وحصل على اغلبية اصوات نوابنا في البرلمان وتمنى له معظمنا النجاح. واللطيف ان اكثرية الشعب التي تطبل لكل مزمار وترقص على كل لحن استطاعت اغلبيتها بسهولة ان تنقل اتجاه بوصلتها نحو العبادي في زمن قياسي قصير بعد ان توقع كثيرون مغلوطين انها اكثرية محسومة ابديا للمختار.
وبهذا الامل والاستشراق والاستشراف والنية المخلصة الصادقة ايضا دعمنا وندعم, بل وسندعم مستقبلا, حكومة الدكتور حيدر العبادي. فلم نر بعد مساوئ صميمية فيها بل ولم نجربها كفاية. واتحدث هنا بأسم النخبة العراقية ودعاة التغيير والمؤمنين ببناء وتطور العراق والمعارضة الايجابية البناءة. لا بأسم العوام والغوغاء ورجال دين القرى والارياف, ولا حتى نظرائهم باطراف المدن والحواضر العراقية الكبرى التي تم مأسسة تخلفها. فالعبادي شئنا ام ابينا شخصية ارستقراطية مثقفة واعية متحضرة بالاسلوب والكلام والتصرفات وقلة التكلف وردود الفعل وفي المقابلات والاستجوابات وحتى في التشجنات, ليس بالاسم واللقب والشهادة والايحاء والتناول فحسب, بل حتى في خيال المواطن الاعتيادي البسيط الذي لاتفوته فائتة. وهذه من ناحية اخرى قد تحسب عليه كمنقصة في بلد لم ينتخب ولم يصوت ولم يهتف الا للاراذل والاسقط والاتفه والاجرم خلال عقود سابقة. ربما, بل على الأغلب لان معظم الشعب متخلف نتيجة تخاذل الاعلم والاثقف فيه وانا لاأستثني حتى نفسي من المقصرين في ذلك بحق توعية وتطوير ومساندة الجهلاء بيننا.
وبنفس الوقت لاننسى ان بقايا وفلول راعي الفساد ومختار الفشل وامام الجريمة والطائفية والمستفيدين منه والمطبلين له كرمز طائفي او عقائدي لازالوا في مرحلة نكران الحقيقة وديدنهم هو وضع العصي في عجلات النظام الجديد املا باسقاطه واستعادة الحكم. حالهم حال فلول الديكتاتور الذي سبقه.
مشكلة العبادي الكبرى التي يبدو انه شخصيا لم يستوعبها بعد بل ولم تخطر جديا على باله ربما كما نلاحظ من كل تصريحاته وتسريباته وتعليقاته, انه ضد التدخل الاجنبي على الارض العراقية لمساعدتنا في طرد داعش. فلا جيشنا ولا اقتصادنا اللذان انهارا بالتزامن قادران على صد داعش او هزيمته وتحرير الارض العراقية المغتصبة وعلينا الاعتراف بذلك. وهذه ليست فقط مشكلة مع دولته وانما مع اطراف اخرى في حكومته تبلغ حد التخاذل والجريمة بحق البلد وعليه ان ينتبه سريعا لنتائج ما يحاول بثه وترويجه من شعارات لاتسمن ولا تغني عن جوع مثل: رفض القواعد الاجنبية والتواجد الاجنبي على الارض العراقية والاعتماد على ابطالنا وما الى ذلك مما سئمنا ترديده. فمن العاقل الذي يرفض مساعدة برية مجانية من اقوى دول العالم يقدمون فيها دماءهم واسلحتهم وخبراتهم وتقدمهم لتحرير اراضبنا باسرع وقت وبما يقلل من ماسي اهلنا المهجرين والنازحين ولو كان لاشهر او اسابيع معدودة اقل, ليستعيد العراق صحته وينهض.
هو ربما يؤمن ان في ذلك مساس بالسيادة العراقية وبالقرار المستقل لحكومته. ولكن عفوا. عن اي سيادة نتكلم وثلث العراق بيد اجنبية ومجرمة وثلث شعبه يعاني وفقد قراره وطموحه الشخصي نتيجة التهجول والاحتلال. بل ان المبادرة العسكرية انتقلت مؤخرا من يد قواتنا المسلحة الوطنية الى اخواننا في البيشمركة. ومع اننا لانقلل من دور وبسالة الاخوة الكرد ولانغار من انتصاراتهم وندعو للتنسيق المستمر معهم, لكن تحرير الموصل وكركوك بايد قوات اجنبية صديقة سيكون اقل ضررا وكلفة على العراق ووحدته واقتصاده على المدى البعيد مما لو تم على يد اخوتنا البيشمركة الابطال وحتى بمساعدة متطوعي الحشد.
اما موضوع المليشيات والحشد الشعبي وتفرعن بعضهم على سكان القرى السنية المحررة فهي ايضا ستحسب على حيدر العبادي مستقبلا مع انها من التركة الثقيلة لسلفه الارعن وان كان يبدوا العبادي للكثيرين ضعيفا امامها.
الحكومة العراقية ملزمة بكشف ضعف امكاناتها العسكرية امام الشعب وصعوبة تسليح الوحدات وشراء طائرات ودبابات متقدمة وان هناك حاجة ماسة للاستعانة بالاصدقاء مرحليا, ودعوة هؤلاء الاصدقاء علنيا ورسميا ووطنيا للمساهمة الفعلية المشكورة في تحرير ارضنا, فكل مساهماتهم حتى الان كانت شكلية وجوية محدودة ومن باب رفع العتب او انتظار دعوة واضحة وصريحة من كل الاطراف وعلى رأسها الحكومة في ظل اجماع ومصالحة وطنية. وسيتقبل الشعب بكل اطيافه ذلك ويقف مع رئيسها ويدعم خياره. فهناك رغبة دولية حقيقية هذه الايام في دعم العراق وسحق داعش تمتد من الصين واستراليا وكل اوروبا وحتى كندا ومن الغباء عدم استغلالها على الارض. وكما نستدعيهم بالمعروف وليس في ظل انهيار كامل للاوضاع, سنطلب منهم لاحقا الرحيل بالمعروف.