شكل اعدام تنظيم داعش للطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا صدمة كبيرة للعالمين العربي والاسلامي عموما وللشارع الأردني خصوصا ، تلك الصدمة لم تكن نابعة من اقدام التنظيم المتطرف على قتله فهو أمر مفروغ منه ولاتسعفني ذاكرتي برهينة وقع في أيدي المتطرفين وخرج منهم سالما معافى باستثناء الرهائن الأتراك !!! وانما بسبب الطريقة المريعة التي اتبعت في قتله والتي تبين ان لها أسانيد شرعية !!! فقد وحدت الجريمة الشعب الأردني وقواه السياسية في ادانتها والمطالبة بمعاقبة مقترفيها وأفاقت الأردنيون من غيبوبتهم المرضية المزمنة والمتمثلة في التعاطف مع الحركات الأصولية والمتطرفة بزعم دعم مسيرة الجهاد والمقاومة في مواجهة القوى الغربية ! .
عندما نتحدث بهذه الاسلوب فهو خشية منا على الأردن الدولة الشقيقة والتي تربطها بالعراق أواصر تاريخية ومصيرية وعلى شعبه المفعم بروح العروبة والمتمسك بالثوابت الاسلامية والميال بطبعه لمساندة كل تحرك عربي واسلامي للتصدي لاطماع القوى الغربية واسرائيل حيث ما تورط بلد ما مع هذه التنظيمات حتى تمكنت من اختراق بنيته الاجتماعية وتدميره ، غير ان حديثنا هنا لاينصب على دعم العراق في مواجهة حصار ظالم أستمر لمدة 13 عام أو التعاطف مع حركات المقاومة في فلسطين ولبنان في مواجهة العدوان الاسرائيلي وانما عن ما يلمسه كل زائر للمملكة من تعاطف حقيقي ومساندة كبيرة على المستوى الشعبي مع التنظيمات التكفيرية ابتداءا بتنظيم القاعدة مرورا بالتوحيد والجهاد وانتهاءا بالدولة الاسلامية وجبهة النصرة خصوصا في أوساط التيار السلفي الجهادي والذي أقتبس هنا عن تغريدة للسيد أياد جمال الدين بانه يعد وبحق طابورا خامسا للدولة الاسلامية وجبهة النصرة في الأردن وتعزز هذه القناعة ان مايقارب من 1500 جهادي اردني يخوضون الى جانب تلك التنظيمات الصراع السوري والذي وقفت فيه عمان مع المعارضة التي تساهلت بادئ الأمر مع
المتطرفين الأجانب قبل أن تدفع ثمن ذلك غاليا ناهيك عن العشرات من أقرانهم ممن قدموا للعراق في فترات مختلفة لغرض “الجهاد” .
وهنا تعود بي الذاكرة للسنوات الأولى للاحتلال الامريكي في العراق عندما تزعم الأردني أبو مصعب الزرقاوي مايسمى بقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين حينها كان يبدو الرجل بمثابة بطل شعبي في بلاده وهو يكفر ويقتل العراقيين بالجملة تحت شعار الجهاد ضد الصليبيين ! وكانت سرادق العزاء تتوالى للتعزية “باستشهاد” رجاله في أرض الرافدين (الذين زرعوا الموت في شوارع وأحياء المدن العراقية) بمختلف المناطق الأردنية دون أدنى خجل ومراعاة لصرخات وأهات الضحايا وعدم احترام لمشاعر ذويهم لكونهم فقط من جنسية أخرى !!! قبل أن يتحول الرجل ( أي الزرقاوي ) فجأة لارهابي ومجرم وتتبرأ عشيرته منه علنا بمجرد وصول ” أعماله الجهادية” الى الأراضي الأردنية على أثر تفجيرات فندق راديسون في عمان عام 2005 ، ذات الأمر تكرر مع تنظيم داعش الذي لقي تعاطفا بحجة دعم الثورة السورية وثورة العشائر السنية في مواجهة نظامي دمشق وبغداد ولدرء الخطر الايراني !!! مع تغاضي حقيقي عن المأسي والآلام التي سببها للعراقيين شيعة وسنة وكرد وتركمان وشبك ومسيحيين وأيزيديين ليتحول التنظيم بعد جريمة حرق الكساسبة الى عدو ارهابي يجب قتاله حتى الرمق الأخير ووصل الأمر الى حد عرض رجل أعمال أردني مبلغ وقدره مليون دولار أمريكي لمن يأتيه بزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي حيا !!
جريمة الكساسبة واعدام ساجدة الريشاوي وزياد الكربولي أوصلت الأمور الى نقطة اللاعودة وفتحت فعلا فصل جديدا من المواجهة بين المملكة الهاشمية والتنظيم المتطرف وأكدت على ضرورة البدء بتحرك فعلي لعملية الاصلاح الديني بتطهير المكتبة الاسلامية من الأراء الشاذة والروايات الضعيفة ليستعيد الاسلام سماحته ووسطيته التي تدين القاتل وجريمته بصرف النظر عن انتماء المقتول الوطني أو الأثني أو الديني أو المذهبي مع ضرورة التأكيد على توحيد الجهود الدولية والاقليمية في محاربة ظاهرة الارهاب وتجفيف منابعه والسعي لمعالجة الأسباب المؤدية لنشوئه وانتشاره ، وأن تكون رسالة بأن الارهاب لادين له ولامبدأ وانه سرعان مايرتد حتى على داعميه ومناصريه والمتعاطفين معه لانه أدمن القتل والاجرام وأمتهن الابتزاز قد وصلت للأردن ملكا وحكومة وشعبا.
رحم الله معاذ فقد مضى الى الدار الأخرة شهيدا صابرا ومظلوما ورحم الله شهداء العراق ممن ضحوا بحياتهم ليثبتوا للعالم بأسره بان داعش لاتمثل سوى الزاوية المظلمة في الاسلام فقط وان ارادة الحياة عند العراقيين ومسيرتها لايوقفها القتلة ، ومع ذلك لم يكن لهم ذلك القدر من الاهتمام والاحترام والمواساة والتعاطف والحقوق لا من قبل الساسة العراقيين الغارقين في مصالحهم الخاصة وتقسيم كعكة السلطة ولا من المجتمع الدولي ولا حتى من وسائل الاعلام التي أمتنع غالبيتها عن مجرد وصفهم بالشهداء !!!