لاتلمني فأن اللوم أغراء .. وداوني بالتي كانت هي الداء
لاتزال صدمة العراقيين تجاه داعش تدور في حلقات مفرغة , ولازالت الحكومة غير قادرة على تجديد نفسها ومضمونها , فهي كالطائر الذي يحاول أن يطير ولكن يمنعه ثقل ربط بأجنحته , فأجنحة الحكومة ليست طليقة ولا تتمتع بالحرية , ولذلك شاهدنا تكرارا لآسماء لايمكن أن تكون رهانا لمستقبل واعد , مثلما رأينا تعيينات جديدة ينطبق عليها المثل المعروف ” أن تسمع بالمعيدي خيرا من أن تراه “
وتطبيقات هذا المثل رافقت كل ماسمي بألآحزاب والحكومات القومية والوطنية في العراق واالمنطقة , ومع وجود مثل شعبي عراقي ظل ينتقل عبرألآجيال نتيجة خيبات ألآمل وتهميش ألآنسان في دولة ” الرعية ” وفي دولة ” الجماهير ” وذلك المثل القاتل والمعطل هو ” اللي ياخذ أمي أيصير عمي ” والخلط بين المفهوم الشرعي في الزواج ومايترتب عليه من مفاهيم النسب والقرابة والمصاهرة ونتائجها يوازيه الخلط في مفهوم السياسة عن التحالفات وألآتفاقيات والمعاهدات ومتى تكون أمانة وطنية ومتى تكون خيانة وطنية .
لقد كانت مرحلة مايسمى بألآحزاب القومية والوطنية بنوعيها ألآشتراكي والديمقراطي , وكذلك مايسمى بالدولة القومية والوطنية وهي بنفس أصطلاحات ألآحزاب هي منطقة ومرحلة فراغ عقائدي روحي , ولكنها قدمت للناس على أنها بديلا للفراغ وأستمرارا للولاء العقائدي ولكن على مستوى الشكل وليس المضمون , وعلى مستوى المقاربات الدعائية دون التحقق من مصداقيتها ومدى مطابقتها للواقع أن ألآحزاب والدول القومية والوطنية لم تتحقق تحققا فعليا على أرض الواقع , وأنما كانت لعبة مفبركة من قبل صناع القرار الذين دخلوا للعراق والمنطقة بظاهر براق وخادع ” مساعدات , أصلاحات , صداقة وتعاون ” ولكنهم يضمرون باطنا يختزن الكثير من الخطط التي تجعل من العراق مثلا ومعه المنطقة أشبه بالرجل المريض الذي لايقوى على شيئ دون مساعدة من هم حوله , أو كالرجل ” المجبوب ” الذي لايستطيع الزواج , وأن تزوج لايستطيع ألآنجاب , وهذا النموذج ” المريض ” و ” المجبوب ” في العراق والمنطقة هو الذي قيل له : كن قوميا أو وطنيا , وكن حزبيا على نفس الشاكلة , وأعمل بحرية , وغادر الماضي الى المستقبل , فقبل ألآمر , وأراد السير فوجد نفسه كما قال الشاعر العربي :-
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة .. ورجل رماها الزمان فشلت
ورجل من هذا الحال يظل طريح الفراش , أو يمشي على عكازة , وهكذا ظل العراق مريضا طريح الفراش , وظلت أحزابه القومية والوطنية والدينية بأسمائها الكثيرة الطنانة والرنانة كجعجعة بدون طحين , وظل سؤال يدور على شفاه الناس الذين أرتضوا بمقولة ” اللي ياخذ أمي يصير عمي ” والذين عرفوا بعد فوات ألآوان : أن الذي تزوج أمهم ” وطنهم ” لم يكن عمهم الحقيقي بل هو مستغلهم وبائعهم وصانع المكائد لهم مما جعل حالهم ينطبق عليه قول الشاعر الشعبي الذي أصبح أغنية عراقية تستدر العطف والعواطف بأسم الحب الزائف :-
بطة وصدتني بين الجرف والماي .. يلماردتني تكسر جناحي ليش ؟
والذين هاجروا الى أوربا بسبب فشل الدولة القومية والوطنية وفشل ألآحزاب بأقسامها العلماني والديني , هؤلاء وجدوا أنفسهم مكسوري الجناح , فلم يندمجوا مع المجتمع الغربي الذي صنعت حكوماته ديمقراطيتين واحدة للداخل ألآوربي تناسب ثقافة المواطن ألآوربي وأخرى للخارج ألآوربي ألآمريكي سموها بالديمقراطية التوافقية مثل العراق وهي ديمقراطية مزيفة غير حقيقية , ولآن الديمقراطية ألآوربية منحت شيئا من الحرية لشعوبها , فأصبحت ألآباحية وضمور ألآسرة من نتائجها , والمهاجر اليائس من الدولة القومية والوطنية وجد في مناخ حرية الرأي النسبي في أوربا فرصة اللقاء بخطباء مساجد يكررون ثقافة الكراهية والعنف وهي خزين ثقافة طائفية تاريخيا وجدت من المال الخليجي بعد ظهور ثروة البترول معينا لطبع الكتب الطائفية ورصيدا ماليا يساعدها على ألآغراء وأستمالة النفوس الطامعة بالمال والتي حرمتها الدولة القومية والوطنية منها , ونتيجة لذلك تم أسترجاع بعض المهاجرين الى أحضان الفكر الطائفي الذي تقوقع أصحابه على أنفسهم وأصبحوا أعداءا للجميع : للآباحية ألآخلاقية , ولآنعدام ألآسرة ولنفاق الديمقراطية ألآوربية , مثل حقدهم ويأسهم من الدولة القومية والوطنية وأحزابها الفاشلة بكل مسمياتها , لذلك عندما عمدت الدول ألآوربية على تجديد خريطة سايكس بيكو بأملاءات جديدة من خلال ماسمي بالربيع العربي المسبوق بثقافة الشرق ألآوسط الجديد وأفكار الطوق النظيف الرامية الى تفتيت العراق وسورية ومصر , وعندما بدأ التداعي , وجد المتربصون من حملة الثقافة الطائفية والذين أصبحت مشايخ الفتوى الوهابية تمدهم بالمزيد من الكتيبات والمطبوعات التي تشوه حقائق التاريخ وتزور الحاضر وتدفع بالتطرف والغلو نحو المواجهة , وعندما أنفجر الصراع وجدت بعض ألآحزاب الدينية نفسها أمام قيادات عنف جديدة بأسم ألآسلام فسكتت والساكت عن الحق شيطان أخرس , بينما وجدت ألآحزاب القومية والوطنية نفسها في حالة فشل ذريع ومضاعف لاتملك جمهورا ولا تملك دولة , وتيار العنف هو تيار تسوده الفوضى وتكثر فيه المدعيات لذلك تقاتل أمراؤه وأضطرب الكثير من أتباعه وبقي المهاجرون الى أوربا يحملون سلاحهم وغضبهم كأنتقاميين وأنتحاريين تقطعت بهم السبل وبقاؤهم هو ليس نتيجة قوتهم وحسن تخطيطهم كما يتصور البعض , وأنما هو نتيجة ضعف الدولة وهشاشتها وضعف ألآجهزة ألآمنية الحكومية وفساد بنيتها , ولذلك ستطول المراوحة حتى تستعيد الدولة عافيتها ويعاد بناء جيش عقائدي بمؤازرة حشد شعبي لايخونه أحد بمزاج طائفي , ولا يقلل من أهميته من هم من فئة ” الياخذ أمي يصير عمي ” وحتى نبلغ تلك الدرجة من الوعي الوطني والثقافة التأسيسية لابد من مراجعة متون ألآفكار ومرجعيتها , وخير مرجعيات ألآفكار ماكانت تستهدي بهدي السماء التي لن تجعل ألآرض تمضي وتدار بأهواء ورغبات قاطعي الرؤوس ولاقاطعي ألآصول ومنكري حتمية علاقة ألآرض بالسماء التي تعلو على كل حتمية أخرى.