لقد بشرت دولة الاحتلال الأمريكي بالحرية, والديمقراطية, فصفق لها من صفق, وهتف من هتف, ومن لم يجد ذلك فَرِحَ وفي داخله حزمة شكوك, لم تكن الدبابات والطائرة المجوقلة إلى بغداد الدمار والخراب تحمل صواريخ أو قنابل, أو عمائم فحسب, وإنما جاءتنا بساسة ما زالوا لا يجدون تعريفاً واحداً لمفهوم السياسة, أو ما زالت عندهم مفاهيم الوعي والثقافة عصية على عقولهم المرتبطة بمعركة الجمل والفتنة الكبرى!
وليس بغريب من امر على ان يخلف لنا هذا الوضع طبالون من الدرجة الرديئة, وان يحلو علينا ضيوف لحلقات سياسية وهم يتذرعون بإنهم دعاة حق ومصداقية وانهم ضد الفساد والمفسدين, وانهم عازمون على الفضيحة (فضيحة فساد المؤسسة السياسية والأمنية والخدمية), والغريب ان نجد من يدعي انه يهدف ويسعى الى تعرية الحقيقة وفضح الفاسدين, هو من عمالقة السراق وشيخ و(مُفتي الديار الحرامية المدنسة) بشهواته, والمرجع الديني للصلصه, فيتقافز, كالشمبانزي على اشجار المنطقة الخضراء, ومن منبر الى اخر بكل طفرات التناقض, يتناقل على قفازات (إلتوائيه) من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
بالأمس القريب كان السيد النائب السابق “سين صاد” يتظاهر لنا بالعروبة _ البريئة منه _ ويتشمر بسواعد القومية والقوميين, فنراه يدافع حد “الاستماتة” عن صدام حتى اُعدم, ثم لم يجد ما يعتاش عليه سوى القذافي فهرج له ورقص على سيرك العروبة حتى سقط مدير دائرة السيرك من اعالي حبال المشنقة, فعاد “بخفي حُنين” منضوي وراء ستار الرئيس بشار الاسد وهو يُزمر لبعثه, و”شبيحته”, ويطبل ويغني ويؤلف “زهيري” و”ابوذيه” و”عتابة” بحياة القائد الاسد (الضرورة) عن طريق قناته الفضائية أو بالأحرى قناته الفضائحية (!) التي كانت هي الاخرى “شمبانزي الكتروني” تتقلب من شجرة لشجرة, ومن موجة إلى موجة, ومن قمر إلى أخر, بما في ذلك قمر الهوت بيرد للأغاني الكاولية الرادحة (!) والهابطة منها والرخيصة بثمن خبز الأبرياء, من قناة ثورة للتعرّي والردّح العربي الاصيل الى ثورة ضد المحتل (!) ومقاومة واعمال مسلحة, حتى افلس وافلس الاخرون, مثله, لأن المال الحرام لن يدوم يا أولي الالباب, فلماذا تسطون على البنوك وتسرقون اموال الشعب ان كنتم بهذا الكم من القيم والنزاهة التي تتشدقون بها.
كانت قناته الفضائية, مثله هو الفضائي الاول في العراق (!), موجهه ضد سياسات ايران والخطر المجوسي على المنطقة على حد خطاباته أو هراءاته, وكشف حقائق التدخل الفارسي الفاضح بالمنطقة, وبين عشية ضحاها نجد ذلك السياسي (سين) يكمم فمه لقاء صفقة مع السيد الاسد, على عدم التهجم على ايران بأعتبارها حليفه لراعي القومية والعروبة (نظام الأسد البعثوي), وبالفعل لبى ذلك السياسي مطالب الاسد, فلم تكن ايران ضمن سياساته وبرامجه سوى صديق لدود أو عدو حميم (!), يرى في شخص السيد نجاد انه بطل قومي!
فأي عروبة تلك التي تتحدث عنها وانت حليف مشترك ضد المشروع العروبي النهضوي في سوريا ولبنان, وفي العراق ايضا, فليس هذا مغزى السياسة يا ساسة, صحيح ان السياسة لعبة قذرة ولكن ليس لهذا المستوى من القذارة !!
اين ذهبت صرخات السياسي البطل وميكروفوناته واهازيجه وعويله الصاخب ضد الخطر الايراني, صرنا نجد الغضاضة ونحن نفتش عن برامجه كل يوم يتحول تحويلتين في آنٍ واحد, فضائية (اغاني غجرية) ثم (مقاومة وجهاد) ثم اخيرا (اغاني من الماضي) هل حن السياسي لماضيه الوضيع, أم ناخ لعصر السرقات الجميل !
فأي تحول ايديولوجي هذا قد أفسد سمعة السياسة وأخل بشرف الأيديولوجيا, من معارض من الطراز الاول ورافض ومتهجم بأبغض الالفاظ النابية التي مست سمعتها وتجاوزت رموزها الدينية والسياسية فلم يسلم احد من خطاباته البهلوانية البالونية, ثم بقدرة قادر يتحول الى عراب من الحجم الصغير للحكومة ومدافعاً عصياً إستشهادياً لها, فما هكذا تورد الأبل يا سياسيي العراق!!
وأي ضحك على الذقون, حتى الشمبانزي يخجل من مقافزة الأشجار, وأنتَ لا تخجل من التنقل بين سراديق وطوابير وأغصان اشجار المنطقة الخضراء ببلل الهزيمة, بالأمس القريب الاقرب كنت تسمي مسعود بارزاني بالسيد الرئيس واليوم تتهمه بالعمالة والهرطقة والخيانة, من انت كي تتهم الناس جزافا, فاللعب في السياسة ضمن مبادئ وقواعد خاصة بالعبة, وإياك ان تثق بالمقولة الغربية لنيقولا ميكافللي (أن الغاية تبرر الوسيلة) ان السياسي ممكن ان يكون بطلا محترما, كغاندي, كنيلسن مانديلا, عندما يكون هناك قدرا متواضعاً من الانسانية في خطابة الفكري, أما انت فلم تبق من الانسانية سوى ما يضمن تداول الدولار أو التومان أو الليرة أو الريال في بورصة جيبك الشخصي !
يجب ان يدرك السياسي ومن لف لفه في هذا المعترك ان الحقيقة لا غبار عليها, وان المبدأ مطلوب حتى في السياسة, ولو بالحد الادنى, فالإنسان بلا مبدأ يعني انسان بلا كرامة, بلا احترام, فإياك أن تلعب مع جراحنا دور الطبيب وأنته عليلٌ!
وإن ما يحصل بالعراق من عمليات سرقة منظمة وموجة نهب وسطو, فهو أمر لا يعني لك شيئاً أيها السياسي الفاضل, .. فمن غير المنطقي أن نُعيب الزمان والعيب فينا, .. فينبغي عليك ان تنكفئ للتخصص والتفرغ والاهتمام بالشأن (الفنزويلي) أفضل من الاهتمام بقضايا العروبة والمواطن والخدمات وثروة البلد, فعد لحضيرتك, لم تعد بغداد بحاجة ماسه لخطاباتك الملونة, كأكواخ افريقيا, فإن الشمبانزي لا بد ان يسقط يوما ما من أعالي الشجرة وهو مثقل بسرقاته الضخمة, وبقيح هزائمه, فليس كل الأشجار تصلح للقفز أو التنقل ايُهّا السياسي الكريم!