اللافت في لعبة البوكر بين واشنطن وإيران، بأن الورقة السورية، اصبحت مع العام الرابع، ورقة ثقيلة الوزن على الطاولة، فقد امتلئت بكل أنواع ” المجوقلات الدينية البشرية”، أو اذا اردنا أن تكون الصبغة امريكية أكثر، قلنا ” عصابات الغوريلا الدينية”، فهي مجوقلة، لأنّ لها قابلية الظهور فجأة في أي بقعة، كأنها عبارةٌ عن إنزالٍ مظلي، لاتكلّف واشنطن والكِبار الاوروبيين، سوى فكّ ازرار الحدود في بلدانها، رغم أننا نعلم كم أنها مُزنّرة وبحشمةٍ فائقة، امام مهاجرين بسطاء من العوالم الثالثية النائمة، وكلّ الزنوج والهنود الحمر في القرن الواحد العشرين، ليستمر الرجل الأبيض بالبحث عن “فرايديّ” روبنسون كروزو، ليعلّمه ويجعلهُ ينطق بلغة الديلفري الآلهية.. العولمة.
بغدادايات بين واشنطن وطهران
أمّا الورقةُ العراقية، فتبدو شائقة أكثر، لأنها ثقيلة بالامكانيات، فمرحلة المجوقلات البشرية للقاعدة، أنتهت تقريباً بإعطاب سُرفتها.. أغتيال الزرقاوي، وكل الخلفاء الذين جائوا بعده، ماهم إلّا وقودٌ، يُذكّر الانبطاحيين من السياسيين العراقيين.. ماأقلّهم ! بأن بدروم ريّا وسكينة مازال يصرخ: الدور.. الدور.. يلي عليك الدور، فيضطرُ اولئك الانبطاحيون الى التسلل الى داخل مخادعهم، ليطمأنوا على جنسياتهم الثانية.. تأشيرة الوطن الحقيقي الذي لايشبه جمهورية الموز التي تعاونوا على تأسيسها في العراق، المهم بأن القاعدة الأم، باضت أخر بيوضها من المجوقلات البشرية الدينية، تحت أسم ” داعش”، وحصل الذي شاهدناه ومازلنا نشاهدهُ، لكن تلك المجوقلات الدينية المسمّاة داعش، باتت تهرول الى مصير الزرقاوي، وربّما كما تنبأ الكاتب العراقي الكوردستاني المحترم،أمين يونس، وبروحٍ تهكمية، بأننا بانتظار جماعة جديدة من المجوقلات الدينية، تحت مسمى ” خُراسان”.
المهم، وقبل الإنطلاق في عالم المجوقلات الدينية الاقليمية.. الجيش الاقليمي الذي سيكون قوامهُ 100 ألف من المنتمين الى المذاهب الأربعة الإسلامية أو ” السُنّة” حسب التوصيفات المذهبية، فأننا يجبُ أنّ نُذكّر بالموضوع الذي كُنّا قد نشرناه في الـ 17 من تشرين الثاني الماضي، تحت عنوان ( قراءة في أسباب تأجير أثيل النجيفي لعضلات لوبي تشارتويل)، والذي بيّنا فيه بأن محافظ الموصل،والفريق السياسي الذي يقف خلفهُ، ائتلاف متحدون، بات يسعى لتأسيس ” سنستان” ! إذ يبدو بأن الصعود اللامفهوم حسب تصوراتهم لجِناح سليم الجبوري، المهتم بالتأسيس للحقوق بمحررات رسمية، تبيضُ قوانيناً لاشعارات للمذاهب الأربع الإسلامية في العراق، ليس مماثلاً لطعم الـ ” كي أف سي” المطبوخ في واشنطن، وهو مشابهٌ لصراع الاجنحة، داخل ائتلاف دولة القانون، مابين الحرس القديم الذي مازال على ولائهِ لرئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، والجناح الذي يرفرف بهدوء.. أقصد رئيس الحكومة الحالي، حيدر العبادي، وبين الجِناح القوى في التحالف الوطني.. المجلس الأعلى الذي أختار حالياً كما يبدو لناظري ، التخلي عن فكرة ” الفريق القوي المنسجم”، مقابل لذة الطموح بالتحكم بالأوزّة النفطية الحقيقية للعراق.. البصرة، وكنتيجة منطقية تأسيس ” شيعستان”.
مانود الوصول أليه، وكي نختم الحديث هنا في هذه الفقرة على طريقة أبجد هوز، بأن امريكا غير مستعدة لتكريس وقتٍ ثمين لمتابعة ملف المجوقلات الدينية البشرية، وسأكتفي بذكر رأس الأسباب هنا بدون تفاصيل، لأنها اصبحت معروفة.. الدب الروسي والتنين الصيني، ولهذا سمحت لمحافظ نينوى، بأن يكون ” حصان طروادة”، واضحية عيد الشكر الكبير بين واشنطن وطهران، حيث تسعى الأولى الى تكرار بناء جدارٍ عازلٍ كما في الأرض العربية المحتلة.. فلسطين، لكنّهُ ليس كونكريتياً وإنّما بشري، قوامهُ ضُبّاط ومراتب من مختلف أصناف التشكيلات الأمنية والعسكرية السابقة، أو ماأطلق عليه عموماً بـ “الجيش المنحل”، وبالتالي ستنتهي صلاحية الجواز الدبلوماسي الديني لما عُرِف بـ ” تصدير الثورة الإيرانية”.
النووي الإيراني..أول حروف أبجدية المفاوضات بين طهران وواشنطن
اوضحتُ سابقاً وفي مقالات عديدة، بأن الثمن الذي يجب أن تدفعهُ إيران، حسب تصورات واشنطن، يجب أن يكون جيوستراتيجي، فالمسائل النووية مهما تعقدت، عبارةٌ عن أمورٍ فنّية، ولهذا يظل الباب بين الأثنين، دواراً، ليس فيه فتحٌ أو إغلاق ! اذاً يجب أن نغامر قليلاً بتدبيج سيناريو ما حقيقي، بعيدٌ بشكلٍ جوهري عن مفردات الخطاب الإعلامي السائد، ونبدأ بإعادة السؤال : ما الذي تريدهُ واشنطن من طهران ؟
احد كتّاب الواشنطن بوست، ديفيد إغناتيوس، لفت في احدى المقالات التي دبّجها استناداً على انطباعات زيارة سابقة لإيران.. قبل سنة ! بأن البيضاوي يريد من طهران .. مرشد الثورة الإيرانية، خامنئي، التخلي عن تصدير إيران لنفسها بمسوح الثورية، مستنداً على مقولة لخامنئي، بعد نتائج المباحثات الأخيرة في الـ 24 من الشهر الماضي،يقول فيها : “أنا لستُ دبلوماسياً .. أنا ثوري”، رغم أنّ خامنئي بيّن في وقتٍ سابق، بأنّهُ ليست هنالك مشكلة عقائد بين الاثنين وإنّما مصالح !
باختصار، إنّ ” الدولة الثورة” التي يسعى النظام في طهران للمحافظة عليها، تعني الحفاظ على شرعية وجود ذلك الطابق العلوي في هرم النظام.. فكرة وجود المرشد، فالثورة تحتاجُ دائماً وأبداً الى معلّمٍ روحي، يقوّم الاعوجاج الحاصل في سير تلك الثورة، ويحمل بريقاً يخطفُ أبصار التابعين، وبالتالي نفهم بأن المطلوب من إيران التخلي أو بدقة أكثر تجميد مجوقلاتها الدينية البشرية في المنطقة، لكن هنا ستصطدمُ إيران بنفس الحقيقة التي دارت بين موسى بن نصير وسليمان بن عبد الملك بعد التمكن من الاندلس، ورغبة الخليفة باحتلال اوروبا، بأن بيّن له القائدُ العسكري، مامفادهُ، بأن جيش المسلمين ليس فيه العدد الكافي للقيام بتلك المهمة، ففي كل منطقة يجب ترك بضعة من الجيش لتأمين الخلفيات، وتأكيد السيادة، وبالتالي، فأن الجيش سيضمحل في جغرافيا اوروبا ! بأختصار أن تجميد إيران لمجوقلاتها الدينية البشرية، يعني ضياع المزيد من الراغبين بالانضمام الى الفرق المجوقلة الدينية، وربّما توجه المجوقلات الممأسسة بشكلٍ جيد كما في حالة لبنان حصراً ( حزب الله) الى الانغماس في لعبة التوازنات السياسية، والتي من المؤكد بأنها ستنتج إنشقاقات.. على الأقل في الأجيال اللاحقة.
الثمن باهظ جداً، وإيران لاتوجد لديها بدائل حالياً، ولهذا فأن الباب الدوار بين واشنطن وطهران، يشبه نهر هيراقليطس.. لن تستطيع أن تسبح في نفس ماء النهر مرتين، كلّ مرّة تتغير المعادلات، وربّما فقط مزاج الكاتب والمراقب والمصالح التي يمثّلها، هي من تغامر بتحديد وجهة ذلك الدوران.. هل هو الى امام أم الى وراء !!
الفضائيون .. قارب نجاة العراق !
ماكشفهُ رئيس الحكومة الحالية، حيدر العبادي عن وجود 50 ألف فضائي في تشكيلات الجيش العراقي، وربّما أكثر من هذا العدد، يعني بأن العراق اصبح قادراً على تعويض الفضائيين، بجنودٍ واقعيين، وبناءاً على ما اثبتتهُ تجربة مواجهة إيبولا القاعدة.. داعش، فأن اولئك الجنود حاضرون.. الحشد الشعبي والصحوات الذين لم يتلوثوا بقضايا سرقة وخطف ، وإهراق الدماء العراقية الزكية، وبدون محاولة لـ اللعب في المساحات الآمنة ونيل رضى جميع القرّاء، فالشرفاء من هؤلاء أكثر وأنزه من محاولات التسقيط الجارية بحقهم، خاصة تلك التي تحاول المسّ بالحشد الشعبي، فهي محاولة لتأسيس إيمانٍ، بأن العراقيين المنتمين الى المذهب الجعفري الإسلامي ” الشيعة” حسب التوصيفات المذهبية، هم من أضاعوا العراق.. يعني بعد تأسيس ” سنستان” ! بينما نرى أنّ اللواء الركن وفيق السامرائي، أكّد بأن تشكيلات الحشد الشعبي، يقعُ على عاتقها اليوم حماية العراق.
اذاً وحسب الجملة السابقة، وكي لانناقض السياق الذي اوردناه فيه، رؤيتنا ، بعد أنّ ذكرنا، بأن كلاً من واشنطن وإيران ، لديها مجوقلاتها الدينية البشرية !؟ أقول لهم، بأن طهران ستربح وتحوّل الحشد الشعبي الى مجوقلات دينية بشرية، اذا ما اراحت واشنطن رأسها من طهران على حسابنا، باعطاء الشرعية لما يسمّى بـ ” الجيش الاقليمي”، فمن المؤكد إنّ ذلك الجيش سيكون منتخباً على أسسٍ مذهبية، والسؤال هنا: هل من المعقول أن نستبدل المن والسلوى بالقثاء والثوم.. أن نترك مؤسسة الجيش العريقة ونستبدلها بتشكيلات غير نظامية ؟
الفرصة كذلك تبدو سانحة للخلاص من دوار قوات البيشمركة الذي أصبح ممكناً، ادخال أعداد لابأس منها في تشكيلة الجيش العراقي، بعد “الفضيحة الفضائية”، وبالتالي أعيد وأكرر: بأنّهُ ليس من المعقول أن نترك مؤسسة الجيش، ونساهم في مؤامرة تحويل ابناء العراق الى مجوقلات دينية!! ولكي نغلق الباب بالشمع الأحمر على الطائفيين الذين يصفون أنفسهم بـ “الشيعة والسُنّة “، فأن بالامكان أن يتموضع المنتمون الجُدد الى مؤسستنا العسكرية من التشكيلات المذكورة في المناطق التي ساهموا بتحريرها من براثن مجوقلات داعش البشرية على شرط أن تكون خليطاً من المكونات المذهبية، كذلك باتت هنالك ضرورة ملحة ووطنية لعودة التجنيد الالزامي، أمّا الضرورة القصوى، فهي تقليل آليات الطائفية السياسية، ولو بخطوات صغيرة، فدخول الجنّة يحصل في العالم الآخرـ حتى في تلك الجنّة كان هنالك أبليس !!