لقد بالغ سيجموند فرويد كثيرا في نظريته عندما تحدث فيها عن الدافع الجنسي الذي اعتبره المحرك الوحيد للإنسان أو لجهازه النفسي بتعبير أدق . فاعتبر فرويد النفس البشرية وكل ما تحتويه من طاقات ومكامن مخفية لا يمكن ان تقوم دون الدافع الجنسي وهو بهذا التحليل درج الشعور (الواعية) واللاشعور (الخافية) في هذا الاعتبار وهنا مكمن الخطأ . فيجب علينا ان لا نغفل السلسلة الطويلة التي تنبثق بموجبها التفاعلات السيكولوجية التي من ضمنها (الواعية) و(الخافية) لا ننكر ان الدافع الجنسي وما يولده من نتائج وانعكاسات يحتل موقعا مهما في هذه السلسلة , وهذا الأمر لا يختلف عليه إثنان بالتأكيد , لكن هذا لا يلغي في ذات الوقت وجود دوافع أخرى في النفس البشرية لا تقل أهمية عن الدافع الجنسي , فإذا أخذنا مثلاً (الأنا) الذي يصنف ضمن الجانب السلوكي للإنسان حيث تكمن أهمية هذا الأخير في رسم وتحديد ملامح الشخصية- الفردية بكل ما تحمله من أفكار, وميول, وعقد, وانفعالات …. الخ , وهذا يعني أنه قد يوجه الدافع الجنسي أو بالأحرى يتفاعل معه أثناء (المواجهة الجنسية) ولا يعتبر منفصلا عن الأخير كما أشارت مدرسة فرويد .
ولا ننسى أيضا (الأنا الأعلى) و (الهو) اللتان تمثلان جميع المعادن المخفية التي تشترك مع (الأنا) في تكوين شخصية الفرد كما أشرنا .
كل ما ذكرناه للقارىء الكريم ليس هو النهاية بالنسبة للنفس البشرية ذلك العالم المجهول الرحب الذي لا يقف عند نقاط محددة كما هو الحال عند بقية العلوم , أما بالنسبة الى الدافع الجنسي فيمكن ان نقيمه من الناحية العلمية عامل غريزة و تواصل داخل هذا العالم المجهول الرحب ( النفس البشرية) , ولا ننسى أيضاً الخطأ الآخر الذي وقع فيه فرويد يمثل بحد ذاته لب موضوع الجنس , ففرويد لم يبالغ في حديثه عن هذا الجانب عندما درج جميع حركات وسلوكات الأطفال ضمن الإطار الجنسي وحسب , وإنما كان يشير في نظريته الى الهاجس الجنسي الظرفي الذي قد يحدث في حالات شبيهة بالكبت والهستيريا , وهو في ذلك يتحدث عن الشحنات الجنسية التفريغية التي يمكن ان نشبهها بطاقات تتراكم خلف سد منيع لكنها سرعان ما تنكفىء عند تفريغها وتعود لنسبها الطبيعية , طبعا هذا الاستنتاج يشكل عاملا ذا صلة جزئية بموضوع السيكسولوجي (علم الجنس) الذي يمثل علما كبيرا له حوانب وأصول متشعبة لا تقتصر فقط على الشحنات التفريغية المذكورة أعلاه .
أما بالنسبة للعامل الديني الذي في رأي العلماء يمثل علاقة مد وجزر بينه وبين الدافع الجنسي خصوصا في المجتمعات الشرقية , ففرويد هنا تغاضى عن هذه العلاقة عن عمد أو غير عمد عندما هاجم جميع الأديان في كتابه (مستقبل الوهم) واعتبرها ناشئة من قبيل الطوطمية والتمنيات وما شابه .
نحن لا ننكر ان سيجموند فرويد عالما كبيرا لا زالت مؤلفاته تشهد له بعمق التحليل وعظمة الاكتشاف , لكن إفراطه الغير مبرر في الدافع الجنسي وإسقاط هذا المفهوم على النفس البشرية بشكل كلي دون الالتفات
لبقية الجوانب , يعتبر خطأ كبيرا يمثل اليوم موضع نقد وتصحيح من قبل العلماء الذي أثبتوا في تجاربهم الحديثة عدم معقولية هذه النظرية قبل خطئها !.