صحيح أن سوق الصحافة والمجلات في العراق الجديد غير مرتبط بجودة المطبوع أو بعكسه، إنما هو مرتبط بجملة من الشروط والعوامل والأسباب المبهمة، التي ليس فيها شرط فني إبداعي واحد، وهذا لعمري أمرٌ عجيب وغريب لا مثيل له في غير السوق الصحفية العراقية.. إذ قد تجد في البورصة الصحفية اليوم صحيفة بسيطة، ليس فيها ما يقرأ غير الصفحة الأولى، وبعض الصفحة الأخيرة.. بينما صفحاتها الآخرى لا تستحق أكثر من ان تجعلها “سفرة” صغيرة للفطور، أو أن تمسح بها زجاج نوافذ البيت.. فأوراق هذه الجريدة لا يتجاوز نوعها المستوى الثالث، ودرجة طباعتها أقل من العادية، بينما بقية صفحاتها جمعت من الإنترنيت. لكن العجيب أن هذه الجريدة البائسة تطبع عشرين الف نسخة، دون مرتجع!!
بينما في المقابل ثمة جريدة راقية، فيها جهد إبداعي مميز، وفيها تصميم وألوان وموضوعات “طازجة”.. وأسماء محترمة في الميدان الصحفي.. لكنك ستفاجأ حين تعلم أن هذه الجريدة تطبع خمسة آلاف، ومرتجعها خمسة آلاف ومئة!!
لقد أردت أن أشير الى حقيقتين مرتين، الأولى.. أن لا مرتكزات جمالية ومعرفية ومهنية معروفة للنجاح في البورصة الصحفية يمكن الإعتماد عليها اليوم، في تقدير المطبوع الأفضل والأحسن..
والثانية.. أن لا مقاسات ثابتة، بل لا مقاسات بالمرة، يمكن الإعتماد عليها في تقدير نجاح أو فشل رواج هذا المطبوع، بعد أن ضربنا مثلاً بالجريدة التي تطبع عشرين الف نسخة دون مرتجع، والجريدة التي تطبع خمسة آلاف نسخة، بواقع مرتجع خمسة آلاف ومئة..!!
والسؤال؛ كيف إذن..! نقيس نجاح المطبوع، أو فشله.. إذا كانت البورصة عكس الواقع، والرواج لا يمثل النوع؟
والجواب؛ نحن في مجلة (كل الناس) مثلاً إعتمدنا في قياس مستوى العدد الأول على جملة مقاسات وليس على مقاس الرواج والكم وحده.. فقد إعتمدنا على آراء المثقفين الحقيقيين الذين لا يجاملون في مثل هذا الأمر.. وذهبنا الى حيث يكونون لنسألهم -بواسطة أشخاص محايدين من خارج الجريدة- عن مستوى العدد الأول من مجلة (كل الناس).. كما وزعنا أيضاً كمية كبيرة في شارع المتنبي، ثم رحنا نزرع آذاننا هنا وهناك لنسمع ما يقوله الناس في جلساتهم الخاصة، وهم يتصفحون المجلة.. فضلاً عن حجم الطلب الكبير على المجلة في بغداد، ولاسيما المناطق الشعبية.. ففي مدينة الصدر وحدها نفدت (400) نسخة في اليوم الأول والثاني فقط، حتى وصل الأمر بأحد الباعة الى أن يتوسل بنا من أجل تزويده بنسخ إضافية.. أما الإتصالات والرسائل التي تردنا من المحافظات فحدث بلا حرج، وكلها تريد المزيد من نسخ العدد الأول.. وبطبيعة الحال، فإن آراء أساتذتنا الكبار أمثال؛ كاظم الحجاج.. فاضل ثامر.. الفريد سمعان.. ابراهيم الخياط وغيرهم بمستوى المجلة، تضعنا في منتهى الثقة لنجاح تجربتنا. ومثال آخر.. فقد طلب مني الموزع الرئيس أن أتفق معه مسبقاً حول سعر المجلة، وقد كان الرجل يحكي وقتها بلغة متشائمة، لكني -ومن باب الثقة بالنفس- رفضت الإتفاق معه قبل أن ينزل العدد الأول الى الأسواق، ويرى مستواه بشكل كاف، وبالفعل فقد جاءني الرجل مسرعاً، بعد أن صدر العدد بيومين، راجياً عقد الإتفاق معه بسرعة، قبل أن يعقد مع غيره.. لقد لاحظته وقد تغير تماماً بعد أن رأى حجم الإقبال على المجلة في الشارع..
لذا فإني أظن أن مجلة (كل الناس) ستعيد رسم الخارطة الصحفية من جديد.. وستتعدل بها كفتا الميزان، فتصبح منظومة العرض والطلب متساويتين في البورصة الصحفية، فلا ينجح سوقياً بعد اليوم مطبوع يحمل شكلاً سيئاً، ومضموناً سيئاً.. وهذا واحد من النتائج الباهرة التي ستفرزها مجلة (كل الناس) بعون الله..