رغم حساسيتي المفرطة من الإنتحار ثقافةً وممارسةً ولغةً، ووسيلة، ومعنى أيضاً. ورغم إشمئزازي الشديد من مجرد ذكر كلمة (الإنتحاري)، لكني اليوم أضطررت لإستخدام هذه المفردة بحق جنود كتيبة مسلسل (دولة الخرافة) في عنوان مقالي هذا .. بعد أن عجزت عن إيجاد كلمة مناسبة لتوصيف فدائية هؤلاء الجنود الشجعان، وبعد أن فشلت في العثور في أبجدية اللغة على ما يفي حق هؤلاء الأبطال، ويترجم سمو شجاعتهم العالية بدقة. فهذا الإندفاع الوطني الكبير من جميع المشاركين فيه، كان شيئاً غير طبيعي بالمرة، لذلك أعتذر الكثير من الفنانين العراقيين من المشاركة بشكل مباشر، أو غير مباشر، وأظن أن إعتذارهم ليس جبناً منهم قط، إنما هو قصور في مدى الشجاعة.. بمعنى أن الفنان الذي إعتذر عن المشاركة في مسلسل دولة الخرافة، يمتلك شجاعة محدودة قد توصله الى نقطة معينة، لكنها لا تصل به الى نقطة المشاركة في هكذا عمل مجنون يصل حدود المغامرة، وليسمح لي جنود هذه الكتيبة الفنية الوطنية لو قلت أن إندفاعهم قد تخطى المغامرة، ووصل حد (التهور)!!
صحيح إننا شاهدنا مسلسلاً فنياً يحتوي الكثير من المتعة، والكوميدياً، والسخرية المعقولة، والتندر الذكي الواعي، والضحك على أرجوزات داعش، وصحيح أن العمل أشرف عليه واحد من أهم المثقفين العراقيين الجادين، والواقعيين، الذين يحسبون على الثقافة الرصينة بكل تأكيد.. ويقيناً أن هناك الكثير من الذين يشاركونني الرأي في أن الأستاذ محمد عبد الجبار الشبوط شخص مسؤول بكل معاني المسؤولية.. أي أن الرجل لا يمكن أن يمضي بهؤلاء الفتية الى هذا المدى البعيد من الخطورة، لو لم يكن قد حزم أمره هو الآخر، وبصم على وثيقة التحدي الأبلغ والأشد والأقصى، وإلاَّ لما وضع الرجل إسمه على تايتل المسلسل!!
ومع الشبوط كان هناك في هذا العمل رجل شجاع آخر، هو ثائر چياد – كاتب سيناريو المسلسل – وأحد مديريه المشغولين برسالته ونجاحه ووصوله الى الناس.. وهذا الرجل هو معاون الشبوط في إدارة أكبر مؤسسة إعلامية ليس في العراق فحسب، إنما في المنطقة كلها أيضاً.. وأقصد بها شبكة الإعلام العراقي – الجهة المنتجة لهذا المسلسل الباسل – ومع كل هذا، فإننا يمكن أن نقول بأننا صحيح شاهدنا عدداً من نجوم الفن المسرحي الكوميدي، والجاد في العراق يشاركون في هذا العمل، وصحيح أن الكاميرا دارت أياماً وليالي لتصوير ثلاثين حلقة من مسلسل كوميدي، لكن في الحقيقة – ومن وجهة نظري – فقد كان هذا المسلسل عملاً عسكرياً حربياً فنياً وطنياً كاملاً.. وقد كان بكل ثقة، أشبه بغارة جوية من غارات صقور الجو العراقي على أوكار داعش، وأشبه بهجمة من هجمات الفرقة الذهبية على مناطق الإرهاب، إنه عمل إنتحاري قاتل للأعداء.. وقد تمكن من تدمير مرتكزاتهم القيمية الكاذبة التي أوهموا فيها الناس، وأزال كل خرافاتهم، وأكاذيبهم، ودجلهم المغطى بالخزعبلات، ليس في مجال الدين، والفقه، والوعود الزائفة فحسب.. إنما في الشجاعة الخادعة التي أدعوا بها.. ولهذا المسلسل فضل كبير برأيي، فهو أسقط والى الأبد صور الرعب والترهيب والتخويف التي كان الداعشيون يبثونها من مواقعم على النت.. وعبر إشاعاتهم التي تروجها لهم وسائل معادية في الداخل والخارج .. نعم لقد أسقط هذا المسلسل (خاروعة الوهم) التي وضعها تنظيم داعش في طرق الناس وشوارعهم !! والفرق بين إنتحار أبطال مسلسل (دولة الخرافة) وبين إنتحار مطايا دولة الخرافة أن ( جماعتنا) يحمون رأس الحياة من القنص، ويجملون الكون بألوان المحبة، ويعطرون صباحات الوطن بياسمين الجمال، بينما إنتحاريو داعش، يسعون لهدم بيت الحياة، وذبح عصافير الطفولة، وسفك دم الأزاهير .. هم يقتلون، وجماعتنا الممثلون يعالجون، ويدافعون، ويحمون ..
أيها الشعراء الكبار الذين شاركتم في كل حلقات هذا المسلسل الكبير وطنياً .. أيها الممثلون الكبار، والمخرجون الكبار، والفنيون الكبار، والكومبارس الكبار أيضاً.. أيها الذين سهرتم من أجل نجاح هذا المسلسل الباسل.. يا أنتم جميعاً .. أنحني أمام شجاعتكم العراقية، وأمام حرصكم الباهر على روعة الحياة .. وأمام توقيعكم على المشاركة في هذا العمل دون ثمن .. عفوا ( شلون دون ثمن!) أقصد بثمن كبير: هو انتصار الجمال، مقابل هزيمة القبح.. إنتصار الوطن، مقابل هزيمة اللا وطن !! عاشت مواهبكم، ومواقفكم، وشجاعتكم، وليذهب النقاد، والأكاديميون، ومن ينتقدكم حسب الشروط والمسطرة الأكاديمية القياسية الى شواطئ دجلة، ليشرب النهر كله إن إستطاع اليه شرابا !!
ملاحظة: سجل البطولة ضم: المشرف العام محمد عبد الجبار الشبوط، وكاتب السيناريو ثائر جياد الحسناوي والمخرج علي القاسم تساعده هبة صباح، والمخرج المنفذ معتز قصي، مدير التصوير الفنان ياسر عمران ومعه المصورون مؤيد جاسم وعلي قاسم، مدير الانتاج هادي شريف، يساعده اسماعيل حمود واسرار الشامل ووليد هاشم، المدير الفني حسين كريم، يعاونه احمد الرسام، منسق الاكسسوار الفنانة صبيحة عبد الستار، يعاونها ماجد الشيخ، فيما قام بتنفيذ الديكور خالد حميد، وقام بتصميم الاضاءة علي غني ومجيد عبد النبي ورياض جمعة وايوب خالد وكيتا، أما (الشاريو كرين) فقد كان بقيادة هشام خزعل ومضر الزبيدي، ومساعد مخرج (راكور) الفنان علي دبدب، وكاظم شيرازي (كوافير) العمل .
اما الممثلون فهم (طه علوان، خليل ابراهيم، عواطف السلمان، مازن محمد مصطفى، ثامر الشطري، وسام عبد الواحد، سولاف جليل، عدي عبد الستار، الشاعر الكبير جبار صدام، والمبدع الشاعر رحيم مطشر، والشاعر الكبير رياض الوادي، وستار اللامي، اسرار الشامل، كاظم الجنوبي، سيف جبار، حيدر جبار، ايهاب جبار، وغيرهم الكثير).. فصفقوا للبواسل المضحين..