5 نوفمبر، 2024 5:42 م
Search
Close this search box.

غياب المعايير في القصة القصيرة جداً

غياب المعايير في القصة القصيرة جداً

قراءة في المجموعة القصصية ( خَلِيْط متجانس) للكاتب علاء مشذوب
في ظل التحولات الكبيرة التي  يشهدها عالم السرد بكل أجناسه بات من الضرورة الفنية وُضِع بعض المعاييرالتقنية التي تحفظ لهذه الأجناس خصوصيتها الأدبيّة والثقافية ، لكن  الجدل الواسع في الأوسط  النقدية والأدبية في الرواية والقصة والقصة القصيرة والقصيرة جدا ،وضبابية المشهد الأدبي الذي يعاني من الفوضى  والتداخل مابين هذه الأجناس، أفقدها خصوصيتا وجمالياتها الفنية والبنائية ، لذلك تعالت الأصوات النقدية والأدبية بضرورة وضع معايير  ادبية و فنية وعلمية عامة تحفظ للأجناس الأدبية بعض المعايير  الغوية والتقنية التي  تميزها عن باقي الأجناس الغير ادبية  .لذلك ان اي جنس ادبي لا تتوفر فيه  سمات  التوجه /الاثارة ،الفعل /وردالفعل،النص /القارء ، لايمكن ان نطلق علية أدب جيد وناجح ، فالإبداع والتوهج في العمل الأدبي او النص يعتمد بالدرجة الأساس على هذه السمات الأصيلة في الأجناس الأدبية ، وهي خاصية ناجمة عن التجربة الصادقة والبناء المرصوص والمكثف في النص ،وأي نص ادبي يفقد هذه الخاصية لا يمكن ان يدخل ضمن جنس الأدب ،

وبالتالي تعتبر هذه المعايير  جزء مهم يجب توفرها في تقنيات الكتابة الأدبية ،ومن هذه الأجناس القصة القصيرة جدا ،التي ستكون محور اهتمامنا في هذا الموضوع النقدي ، حيث تبداء القصة القصيرة جدا ، بالمفارقة وتنتهي بالخاتمة مرورا بالحدث والإحالة فضلا عن ذلك اشتراكها مع باقي الأجناس السردية بحركتي الداخل والخارج ، فبناء القصة القصيرة جدا مثل باقي الأجناس يعتمد على علاقات داخلية نفسية انفعالية يقابلها الخارج المؤسس لموضوع القصة والحدث والعلاقات التبادلية بين اللغة القائمة على الإيجاز والتكثيف فتفاعل الداخل مع الخارج او نفورهما يشكل عامل أساسي في استنهاض النص الأدبي ومركز الفعل في بنية القصة القصيرة جدا .ومن الافت جدا في السرد،ان هناك مستويان من النصوص القصصية التي تطغى وتؤثر في مستوى  السرد وهما :المستوى السطحي الهش والمستوى العميق الإبداعي .
مانقصده بالمستوى الهش : اي السرد العادي والذي يشبه في الكثير منه فن الخاطرة او المقال النثري ،اما المستوى العميق الإبداعي :اي السرد الذي يعتمد المعاير  الفنية لغة وبناء يضاف لها تمتع القاص بذائقه فنية عالية تساعده على الانفعال في الموضوع الحدث او يوغل في تلافيف النص  للكشف عن ماهيته ، وكي لا نقع في فخ التنظير او إسقاط التهم دون دليل واضح او اجراء عملي لذلك عمدنا الى تطبيق هذه المعاييرعلى المجموعة القصصية للكاتب الدكتور علاء مشذوب ( خليط متجانس) والتي صدرت سنة ٢٠١٢في طبعتها الاولى عن دار فضاءات -عمان .تحتوي على ١١٧ أقصوصة مختلفة ففي صفحة( ٣١) أقصوصه بعنوان ( حقيقة) نقراء(سافر احمد الى دول الجوار ضمن دائرته التي يعمل فيها وبعد ان استأجر شقة لم تكن الكهرباء تنطفئ هناك أبدا فاتفق مع البواب أن يطفئ الكهرباء على شقته كل اربع ساعات مقابل ساعة كذلك الماء الصاعد لشقته فما كان من البواب

الا أن اتصل بمستشفى المجانين يخبرهم عن شخص يمثل خطرا على سكان العمارة ) وفق هذا المستوى من السرد العادي للحداث لايمكن ان يقدم لنا قصة قصيرة جدا لانه ببساطة لايملك غير لغة نثرية تحاكي اطياف القصة القصيرة كما انها لاتحتوي اي المعايير المهمة التي سبق ذكرها ، حيث نجد ان الواقعية الإخبارية تطغى على النص اكثر من جوانبه الفنية والجمالية حتى لغة السرد لغة عادية جدا . في مقابل ذلك   نجد ان هناك مستوى عميق في البناء والطرح  في نفس هذه المجموعة استوفى شروط القصة القصيرة جداً ففي أقاصيص رقم (٤) (علق باقة الثوم في باحة البيت الخلفية لاعتقاده انها تطرد الجن ، في الليل عادت الكوابيس  اكثر ، أيقن  ان الخوف هو الترياق الوحيد الذي يجعلنا نحرص على الحياة ) كذلك في أقاصيص حاسوبية ص ٢٦( أرسل سقراط مسجا يخبر الآخرين بتجرعة السم فرد عليه البو عزيزي بحرق نفسه ، بعد ان سبقها بديباجة ان في وقته ضيق العقل وفي وقتنا ضيق الدين )في هذه النصوص تتضح العناصر الفنية والتقنية للقصة القصيرة جدا فحركة الداخل تتفاعل مع حركة الخارج فالقاص تمكن عبر لغة السرد من الوعي بجزئيات الأحداث على مستوى الداخل النفسي وحركة تحول الفعل على المستوى الخارجي اضافة اعتماده نسق قصصي مشبع بالإيحاءات الفكرية والفنية تثير في المتلقي حالة إدهاش تنهض بها لغة خاطفة تحمل ابعاد إنسانية وفنية ونفسية تنسجم مع معاير القصة القصيرة جدا .

ان اي عمل ادبي لايخلوا من القوة والضعف في بعض أجزائه وهذا ليس تبرير للقاص او الكاتب بقدر ماهو كشف عن بعض الاختلالات في بناء القصة القصيرة جدا وما نود التاكيد عليه او لفت الانتباه صوبه عبر هذا الموضوع  هو ان بعض كتاب القصة القصيرة جدا يكتب دون وعي او فهم حقيقي بهذا الجنس الأدبي وهذا راجع الى استسهال وتسرع الكاتب في هذا المجال الأدبي متناسيا في الوقت نفسة ان هناك أسس ومعايير  يجب مراعاتها لاتختلف عن باقي الأجناس الأدبية لذلك نجد ان البعض يكتفي بتحقيق مستويات هشه  تدخل في حقل السرد العادي لا اكثر .

أحدث المقالات

أحدث المقالات