كان من المؤمل ان تكون الدراسة ( الاستعراض ) استكمالا لحالة حقوق الإنسان في العراق المقدمة للمؤتمر الثاني لجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان العراقية في برلين 8/9- 11-2014 ، ولتعذر ذلك ولضيق الوقت وانشغال اللجنة التحضيرية ولجنة المتابعة ب ( مهام اخرى ) ومن اجل فتح الحوار والنقاش حول ماهية حقوق الإنسان العراقي.. نورد الاستعراض :
(الحروب والاحتلال وتأثيرها على واقع حقوق الإنسان في العراق )
موجز تطور مفهوم حقوق الإنسان
لقد اصبحت موضوعة ( حقوق الإنسان وحرياته ) اليوم من الموضوعات التي تحظي بالاهتمام الكبير سواء من جانب الباحثين او الدارسين في نطاق العديد من فروع العلم او من جانب الممارسين للعمل التطوعي ( الاجتماعي / السياسي / الثقافي ) العام، كما استحوذت هذه الموضوعة على اهتمام متعاظم من قبل الدول والانظمة السياسية المختلفة والهيئات والمنظمات الدولية والناس عموما .
ويمكننا ارجاع هذا الاهتمام المتزايد بحقوق الإنسان والحريات الاساسية الى اعتبارات كثيرة من بينها، تنامي الافكار والقيم الديمقراطية سواء على الصعيد الداخلي للدول او على مستوى العلاقات الدولية وادراك حجم المخاطر التي بات يتعرض لها الإنسان في الوقت الحاضر جراء نشوب العديد من الحروب والصراعات الداخلية والاقليمية والدولية. وقد تجسد هذا الاهتمام المتزايد بحقوق الإنسان وحرياته الاساسية ( الطبيعية والمكتسبة ) على مستوى التطبيق العملي في صور شتى، منها تضمين الدساتير الوطنية احكاما عديدة بشان وجوب احترام حقوق الإنسان وتعزيزها. واصبح القضاء الوطني في العديد من الدول يضطلع بدور لا ينكر في مجال توفير الحماية لهذه الحقوق وتلك الحريات. ومن صور الاهتمام التوسع في تدريس هذه الحقوق وادخالها ضمن المقررات الدراسية في مختلف مراحل التعليم .
ان التطور الهائل الذي نشهده الآن في ما يتعلق بتعزيز حقوق الإنسان وايجاد السبل المناسبة لتعزيز وضمان احترامها، هو التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها مناطق عديدة من البلدان حيث تبلورت فكرة الدولة – الامة والفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسية. وقد وجدت هذه التحولات انعكاساتها على مستوى الافكار بحيث ظهرت اجتهادات المفكرين والفلاسفة على امتداد التأريخ الإنساني، وفي التاريخ الحديث على وجه الخصوص.
و يعتبر (الاعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن) الصادر في عام 1789 نقطة الانطلاق لصياغة ملامح نظرية عامة ( شبه متكاملة ) للحقوق والحريات العامة. اذ جاء الاعلان بسبعة عشرة مادة تضمنت مبادئ في الحقوق والحريات ما زالت الكثير من شعوب العالم، وخاصة في ” العالم الثالث ” تطمح في تطبيقها على ارض الواقع. وفي صلب الاعلان نلاحظ العبارة الشهيرة: ( يولد الناس ويعيشون احرارا متساوين في الحقوق .. والفوارق الاجتماعية لايمكن ان تبنى الا على اساس المنفعة المشتركة ). وبعد هذا الاعلان اقر دستور سنة 1793 للثورة الفرنسية، والذي تألف من 124 مادة تناولت 35 مادة منه ما له علاقة لبمختلف الحقوق الخاصة بالإنسان في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، التي تتلخص في التأكيد على حق العمل والمساعدة الاجتماعية والثقافية وان الاعانة دين مقدس .
وقد سبق الاعلان الفرنسي لحقوق الإنسان، اعلان الاستقلال الامريكي في 4 تموز 1776 وتعديلاته الذي اكد على ان الحرية والمساواة حقان طبيعيان من حقوق الإنسان ومبدأ السيادة للشعب وتأمين الوسائل القانونية لتطبيقه وباعتقادي ان الاعلان والدستور الفرنسي اكثر اهمية من الاعلان الامريكي .
جهود الامم المتحدة في مجال حقوق الإنسان !
جاء إنشاء الأمم المتحدة ليستكمل كل تلك الافكار والمضامين الإنسانية ويجسدها في ميثاقه، الذي يعتبر معاهدة جماعية توافقت فيها ارادة الدول الاعضاء في المجتمع الدولي، على تحديد قواعد القانون الدولي التي تحكم العلاقات بينها، في مواضيع مختلفة، من بينها موضوع حقوق الإنسان وهو من قبيل المعاهدات الملزمة التي تفرض على الاطراف المتعاقدين الالتزام بنصوصها وتحتم تفوقها على قواعد القانون الوطني لاية دولة متعاقدة بما ذلك القواعد الدستورية.
لقد عني ميثاق الامم المتحدة عناية خاصة بحقوق الإنسان تجسدت بما ورد في ديباجته: ( نحن شعوب الامم المتحدة وقد آلينا على انفسنا : ان ننقذ الاجيال من ويلات الحرب … وان نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الاساسية للانسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والامم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية … وان ندفع بالرقي الاجتماعي قدما وان نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية افسح …. ).
وقد وردت الاشارة الى تلك الحقوق في مواقع مختلفة من الميثاق وبنفس الصيغ والاسلوب، فأشير اليها في المادة الاولى من الميثاق باعتبار انها تشكل هدفا من الاهداف التي انشات المنظمة من اجل تحقيقها:. فالمادة الاولى في النقطة الثالثة في مقاصد الامم المتحدة هي :
(تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والانسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك اطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس واللغة او الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء).
كما اشير الى تلك الحقوق في الفصل الرابع من الميثاق المذكور ، اذ ذكرت المادة (13) ان من وظائف هذه ( … الاعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الاساسية للناس جميعا بلا تمييز … ) .
اما في الفصل السابع الخاص بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي حيث فقد نصت المادة (55) على ما يلي: ( رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة وودية بين الامم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة بالحقوق بين الشعوب وبان يكون لكل منها حق تقرير مصيرها تعمل الامم المتحدة على : أ-….ب -….
ج- ان يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية للجميعه.. ومراعاة تلك الحقوق فعلا ..) .
ويعتبر ميثاق الامم المتحدة اللبنة الاساسية الاولى التي كان لها فضل الاسهام في بلورة جهودها في مجال بلورة القيم القانونية الإلزامية لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان تمثل في الدعوة الى اصدار عدد من الاعلانات والمواثيق الدولية ذات طابع عالمي عام ومستوى ثاني تمثل بحرص المنظمة على اقرار جوانب معينة من حقوق الإنسان وذلك في صورة ابرام اتفاقات دولية خاصة في هذا الشأن. فكان صدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/ديسمبر/1948. وتلت هذه الخطوة خطوات اخرى كان من اهمها اصدار (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية) عام 1966 و (العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) في العام نفسه. وكانت الخطوة االاخيرة في هذا الخصوص انعقاد (مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان) في حزيران عام 1993 .
وعلى الرغم من أهمية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) في حركة العمل من اجل احترام حقوق الإنسان والحريات، الا انه مجرد إعلان له قيمة ادبية كبيرة، ولكن ليست له قوة الزام قانونية و انه مجرد توصية صادرة من الجمعية العامة للامم المتحدة، بعكس العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية و للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قوة الزام قانوني للدول الاطراف فيها .
اما اهم الاتفاقيات الدولية التي تعرضت لموضاعات خاصة ذات صلة بحقوق الإنسان هي :
1- الاتفاقية الخاصة بمكافحة جريمة ابادة الجنس البشري والمعاقبة عليها ( 12/1/1951 ) .
2- الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة اشكاله ( 21/12/1965 ) .
3- الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الاساسية ( 5/11/1950 ) .
4- اتفاقية جنيف بشأن العناية بالجرحى والمرضى للقوات المسلحة في الميدان اب 1949 .
5- اتفاقيات جنيف الخاصة بحماية الاشخاص المدنيين وقت الحرب 12 اب 1949 .
وهناك اتفاقيات واعلانات مهمة اخرى منها (اعلان الامم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة) و (اتفاقية مكافحة جريمة ابادة الجنس البشري) وغيرها. وجميع هذه الاتفاقيات والاعلانات والعهود توصف حقوق الإنسان في مجملها بانها حقوق اساسية مدنية وسياسية تشمل :
– الحق في الحياة وفي السلامة والامن .
– الحق في ممارسة الحرية الدينية .
– حرية الرأي والتعبير .
– حرية الاجتماع وحق التجمع .
– الحق في حماية الحرية الشخصية. ويندرج تحت هذا العنوان حقوق فرعية عديدة : الحق في احترام الحياة الخاصة والاعتراف للفرد بشخصيته القانونية؛ الحق بالمعاملة الجنائية العادلة، والحق في الحماية القضائية، والحق في طلب اللجوء السياسي، والحق في التنقل واختيار محل الاقامة، وتحريم التعذيب والمعاملة القاسية غير الانسانية.
– الحقوق السياسية وتشمل: حق الانتخاب والترشيح؛ الحق في المشاركة في ادارة الشؤون العامة، الحق بتولي الوظائف على قدم المساواة مع الاخرين من بني وطنه، الحق بالجنسية .
اما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد شملت حق الملكية والعمل؛ وتكوين النقابات العمالية والمهنية، وحق الاضراب، والضمان الاجتماعي، ومستوى معيشي مناسب، والحق في التعليم ، وتحريم التمييز لاي سبب كان، والحق في الامتناع عن ممارسة اي شكل من اشكال السخرة او العمل القسري، واخيرا الحق في تقرير المصير .
كرس (مؤتمر هلسكني) الذي انعقد في عام 1975، حقا جديدا من حقوق الإنسان الا وهو الحق للجميع بمعرفة حقوق الإنسان من خلال تعليمها وتحليل مضمونها وتبيان حدودها وعرض موقعها القانوني، واصبح ذلك واجبا ملقى على عاتق الدولة ومؤسساتها.
وتتويجا لما اوردته هذه المواثيق والاتفاقيات الدولية من حقوق وحريات جاءت مبادرة الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1984 باصدار خاص بحق الشعوب في السلام والحق في ان يحيا الإنسان في بيئة نظيفة وصحية والحق في التنمية واخيرا الحق في تداول المعلومات .
ان مشرعي وواضعي المواثيق والعهود الدولية يكتفون في غالب الاحوال بالنص على المبادئ والاصول وحدها، تاركين تحديد السبل والاساليب للتشريع الوطني في الدول التي تعهدت باحترام هذه المبادئ والعمل على اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة من اجل ذلك، وهي ملزمة وواجبة التطبيق على الدول الموقعة عليها، ولا يجوز لهذه الدول تأويلها بحيث تهدف الى هدم هذه الحقوق والحريات الواردة فيها .
ان مهمة الدوله تقتصر على مجرد حماية الحقوق والحريات الفردية. وهذه الحماية تتحقق بمبادرة الدولة الى حماية الافراد من الاعتداءات الخارجية ومن اعتداء بعضهم على البعض الاخر في الداخل، أي تنحصر وظيفة الدولة بالدفاع والامن واقرار العدل وتنتفي أي وظيفة اخرى، فحقوق الافراد وحرياتهم تشكل حدودا لايمكن تجاوزها من قبل اجهزة الدولة وسلطاتها .
وتحاول الدول الديمقراطية الاعضاء في الامم المتحدة وحكوماتها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية تعديل دساتيرها وقوانينها وبما يتفق ويتكيف مع اغراض الامم المتحدة ومبادئها في مجال حقوق الانسان، حتى ان بعضها يتجاوز هذه المبادئ لينشئ حقوقا وحريات اضافية كالحق في التمتع باوقات الفراغ. علما ان هذه الدول تجاوزت مرحلة الدولة الشرطي والدولة التدخلية / التسلطية لتصل الى مرحلة الدولة الراعية والضمانة التي تهتم بمختلف شؤون الحياة .
الدولة العراقية بعد سقوط النظام الديكتاتوري
لم يوفر سقوط النظام الديكتاتوري في 2003، بواسطة الحرب والغزو والاحتلال، لم يوفر للمواطن العراقي حقوقه وحرياته الأساسية، لا بالعكس ترتب على وفق ذلك السقوط انهيار ما تبقى من الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وفوضى أشاعها الاحتلال سهلت له أن يفرض رؤيته ومشروعه وشروطه لاعادة تأسيس دولة جديدة على وفق هذه المقاييس !!.
لقد أضاف هذا التحول الجديد، واقعا أخر لمشهد أكثر تشوه وإيلاما، تراكمت فيه أعداد الضحايا إضافة لما خلفته فاشية النظام السابق من كوارث إنسانية واجتماعية واقتصادية، نتيجة حروبه الداخلية والخارجية وأساليب القمع والاضطهاد التي رافقت مسيرة حكمه.
ان الاحتلال وما رافقه من شعارات روج لها عن الحرية والديمقراطية، قد أشاع الفوضى والخراب. وقد انعكس هذا المشهد على الأوساط السياسية والاجتماعية ومنها منظمات حقوق الإنسان التي ظهرت ونمت مثل الفطر في الوضع الجديد. هذا مع العلم ان كثيرا من تلك المنظمات كانت تفتقد الى الشفافية والمهنية مع قصور في التجربة والخبرة المطلوبتين. كما ان البعض منها كان مجرد واجهات لأغراض ومصالح مالية شخصية وحزبية تستفيد من المنح والإعانات المالية التي خصصتها سلطة الاحتلال.
ولكن بالمقابل وارتباطا بالانتقال من المجتمع الشمولي والدولة الدكتاتورية الى الوضع الجديد الذي نشأ بعد 2003 اتسعت دائرة الاهتمام بماهية حقوق الإنسان في العراق. وحاولت وتحاول بعض الجمعيات والمنظمات ومراكز الدراسات الحقوقية والمهنية وحتى بعض الأحزاب السياسية تسليط الضوء على واقع وحال حقوق الإنسان ومناقشة القوانين المقترحة واقتراح السبل من اجل تنمية وتطوير هذا الحقوق ونشر الوعي بها .
ولكن بعد اكثر من سبعة سنوات على رحيل النظام الدكتاتوري تفاقم الوضع الإنساني سوءً في مختلف نواح الحياة ليعود العراق ليأخذ الحيز الأكبر من اهتمام المجتمع الدولي وقدمت وتقدم تقارير ودراسات دورية تضع العراق في مصاف الدول التي تنتهك فيها حقوق الإنسان والحد من حرياته الأساسية .
ورغم ان الدولة العراقية ومنذ تأسيسها وعضويتها في (عصبة الامم) ومن ثم في (الامم المتحدة) ورغم توقيعها على اغلب العهود والمواثيق الدولية للامم المتحدة والاخذ ببعض القرارات والتوصيات وادراج بعضها في دساتيرها المختلفة، رغم كل ذلك لكنها لازالت الدولة الاكثر عرضة للانتقادات والملاحظات من خلال التقارير الدورية للجان حقوق الإنسان في الامم المتحدة والعفو الدولية وغيرها من الوكالات المختصة بالرصد والتدقيق المتعلقة بحقوق الانسان الفردية والجماعية. ويعد العراق الان من أكثر البلدان خطورة لفقدان الأمن فيها ومنطقة تتسم بتوتر عالٍ يسودها اللا الاستقرار. و قد اكدت الامم المتحدة ومن خلال بعثتها في العراق ( يونامي )، ان العراق يحتاج الكثير لتطوير حقوق الإنسان وسيادته اولوية قصوى في عمل المنظمة الدولية داخل العراق .. وقالت البعثة ان: ( واقع حقوق الإنسان لايتطور بالتقارير بل بالافعال على الارض ) ردا على تقرير للسلطات العراقية المقدم لمجلس حقوق الإنسان في جنيف .
إن الدولة العراقية والتي من المفروض ان تكون ضامنة وحامية لحقوق وحريات مواطنيها، واجهت وتواجه تحديات واشكالات معقدة وصعبة افقدتها دورها و شكل وماهية الدولة ذاتها. ومن الناحية الفعلية، ونتيجة جملة عوامل في مقدمتها طبيعة التغيير الذي حدث من خلال خيار الحرب واستحقاقاته ونشاط قوى الارهاب … الخ، فهي خارج العلاقات الدولية الطبيعية. كما ان سلطاتها المختلفة اضعف من ان تحمي وتضمن الحياة الطبيعية للمواطنين العراقيين وضمان حقوقهم وحرياتهم.
ويمكن تلخيص العوامل التي تحد من حقوق وحريات المواطنين العراقيين فيما يلي :
1- على الرغم من صدور قراري مجلس الامن 1511 و 1546 وتوقيع الاتفاقية الامنية بين الولايات المتحدة والعراق فان الدولة العراقية ما زالت في حالة حرب وسيادتها منقوصة نتيجة القرارات المتخذة سابقا من طرف مجلس الامن باعتبار العراق كان في زمن النظام الدكتاتوري يشكل ” تهديدا للامن والسلم الدوليين “. فمنذ غزو النظام المذكور للكويت في 2/8/1990 , خضعت الدولة العراقية لقرارات ملزمة لمجلس الأمن الدولي ( 687- 660 ) لما شكلته من خطر في المنطقة وعدم استقرارها وعدم ايفاءها بالالتزامات التي حددتها تلك القرارات بما يتعلق بالتعويضات وترسيم الحدود بين العراق والكويت. واتخذت تلك القرارات في اطار المادتين 39 و40 من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة والمادتين 41 و42 الخاصتين بالاجراءات العقابية والالزامية من قانون الامم المتحدة. واغلب هذه القرارات تتعلق بمصير الشعب العراقي ومستقبله. ولرفع العقوبات عنه يحتاج الى قرار جديد من مجلس الامن يلغي القرارات السابقة بعد ان تنتفي عنه صفة ” تهديده للامن والسلم الدوليين “. وبمقتضى هذه القرارات فالامم المتحدة ومن خلال بعثتها ( يونامي ) تفرض نظام وصاية على الدولة العراقية وتشرف وتشارك في رسم سياسة الدولة العراقية ومواردها النفطية وشؤونها الداخلية كتنظيم الانتخابات التشريعية والتوسط بين الاطراف السياسية والسلطات المختلفة حول المناطق المتنازع عليها وغيرها من امور ذات شأن داخلي, .
2- احتلت الدولة العراقية و فرض المحتل شروطه وجدولة انسحابه وانهاء حربه على وفق مشيئته ، بالاضافة لابرامه لاتفاقية شراكة طويلة الامد لضمان مصالحه في العراق والمنطقة بالضد من رغبة المواطنين العراقيين بالحرية والاستقلال والسيادة الوطنية .
3- الدولة العراقية الجديدة, كيان ناشئ لم تتوضح معالمه, تتجاذبه أطراف داخلية وإقليمية ودولية ومحكوم بعوامل اللا استقرار نتيجة هذا التجاذب، وحتى دستور هذه الدولة الجديدة يتضمن العديد من المواد والفقرات المتناقضة التي حاولت تطمين مصالح الجميع حيث تمت كتابته في ظروف صعبة للغاية كان تمر بها البلاد. يوحي ويوضح وبشكل جلي هذا التنازع والارتباك بين معالم دولة ( ديمقراطية ) ودولة دينية او اللادولة اصلا , وهذا ينعكس وبشكل مباشر على حقوق وحريات المواطن العراقي الذي يطمح بالاستقرار والحياة الطبيعية .
4- ما يمثله الارهاب الدولي من خطر مباشر على حياة وامن المواطنين وممتلكاتهم و استقرارهم، اضافة لتواجد الميلشيات والمجاميع المسلحة للعديد من الاحزاب والقوى الدينية والعرقية .
5- تنظيمات حزب البعث الفاشي وسعيها وبدعم إقليمي واطراف عراقية بعضها مشاركة بالعملية السياسية للعب دور في الحياة السياسية العراقية. وهنا علينا ان نتذكر ونستحضر ما خلفه هذا الحزب ونظامه الفاشي من جرائم بحق الإنسانية وما الحرب والغزو والاحتلال والصراع الطائفي والمذهبي الا شواهد على ما خلفه البعث الفاشي ونظامه .
6- تدخل دول الجوار والاعتداءات في الشأن العراقي واحتقارهم للسيادة العراقية وعجز الاخيرة على الرد و اذ غالبا ما تكتفي بالاحتجاج الدبلوماسي . وهنا تجدر الاشارة الى ما تقوم بعض دول الجوار من تسهيل عبور المجاميع الارهابية ( القاعدة، فلول البعث ) وما تقوم به العديد من تلك الدول من تمويل للفئات الطائفية والميليشيات المسلحة والإرهاب المعادية للتغيير.
7- الطائفية والعرقية السياسية وأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية إلا بما يحقق اغراضها ومصالحها.
8- الصراع بين الاحزاب السياسية المتنفذة على وجه الخصوص على السلطة والثروة؛ وتهميش الإرادة العامة العراقية، وتغيب الهوية الوطنية العراقية لصالح الطائفية والعرقية والعشائرية والمناطقية، وإضعاف السلطة القضائية وخرق الدستور .
9- الفساد المالي والاداري وغياب المسؤولية الوظيفية وعجز السلطات القضائية عن ملاحقة قضايا الفساد المالي نتيجة قرارات عفو بين الحين والاخر أو علاقات حزبية وشخصية تمنع الملاحقة القضائية .
ما ترتب على وضعية حقوق وحريات المواطن العراقي بعد الحرب :
1- لازالت انتهاكات وجرائم النظام الدكتاتوري ماثلة و حاضرة باثار لايمكن تجاوزها لفضاعتها وبشاعتها ولما تركته من واقع انساني مأساوي يتمثل بمئات الالآف من القتلى والمفقودين والاسرى ضحايا حروبه الداخلية والخارجية و من ضحايا القمع السياسي وعمليات التهجير و ( الكرد الفيلية مثالا ) والمفقودين منهم ورهنت مستقبل العراق وثرواته لعقود قادمة. وبسبب سياسة النظام السابق وغزوه لدولة الكويت في العام 1990 ، شنت الولايات المتحدة وحلفائها في العام 1991 حربا عدوانية بشعة راح ضحينها اكثر من 155 الف قتيل بينهم 45-35 الف مواطن عراقي مدني اضافة لتدمير البنية التحتية للدولة العراقية وبمختلف الاسلحة الحديثة بينها اليورانيوم المنضب وبما يعادل 141000 الف طن من المتفجرات. وعقب انتهاء الحرب ساهمت الولايات المتحدة وحلفائها بحماية للنظام الديكتاتوري واستمراه بالسلطة والسماح له ان يستخدم مروحياته وآلته القمعية لاخماد الانتفاضة الشعبية في اذار 1991. واضافة للحرب المذكورة فقد فُرضت على الدولة العراقية والشعب العراقي قرارات الحصار الاقتصادي الدولي ليزيد ويضاعف من انتهاك للقيم الإنسانية ويدوس على حق وحرية الشعب العراقي بالحياة .
2- الحرب على العراق 2003 التي وصفها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش بانها ( واحدة من اسرع الحملات العسكرية واكثرها انسانية في التأريخ (7/9/2003 ). وكان من نتائج هذه الحرب العدوانية التي امتدت خلال الفترة (19/3 الى 9/4 /2003) كارثية بكل المقاييس حيث انتهكت فيها كل القيم الإنسانية والاعراف والمواثيق الدولية. وادت هذه الحرب الى جملة من الاثار والتداعيات من بينها :
– خسائر مدنية بالغة لم يتم حصرها ولم يعرف الرقم الحقيقي لعدد الضحايا لحد الان. واخر تقرير نشرته الغارديان البريطانية نقلا عن (لجنة تشيلكوت)، ان عدد الضحايا المدنيين كان بين 97 و106 الف مواطن عراقي مدني .
– تدمير كامل الجهد العسكري العراقي وبنيته التحتية اضافة لعشرات الاف من القتلى العسكريين .
– تدمير البنية التحتية ( الصناعية، الخدمية، الصحية و التربوية ) للمجتمع .
– استعمال الاسلحة المحرمة دوليا، كالذخائر العنقودية والتي تحتوي قنابل اصغر لازالت ولحد الآن تعرض حياة المدنيين للخطر، وذخائر اليورانيوم المنضب كما في حرب 1991 والتي تسببت بتلوث بيئي وانتشار لانواع الاورام السرطانية مما جعلت العراق على رأس الدول لانتشار مرض السرطان ويشير تقرير وزارة الصحة الى اصابة اكثر من 7000 اصابة فقط لعام 2010 .
– استغلال دول الجوار العراقي لحالة الحرب وكل حسب مصلحته واغراضه واستغلال الفراغ الامني لسرقة الممتلكات العسكرية والصناعية والاليات والمركبات المختلفة وادخال المجاميع الارهابية للقيام بعمليات القتل والتخريب. ان تأثيرات الحرب ستكون لها بتبعات خطيرة وتديم حالة انتهاك حقوق الإنسان وحرياته، وتصحيح الحالة سيأخذ وقتا وجهدا لا قدرة للسلطات العراقية و الاحزاب الحاكمة المتنازعة على السلطة للسيطرة عليه
3- احتلال العراق وما ترتب على الواقع الإنساني :
جاء في المادة الاولى من العهد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ( لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، ولها استنادا الى هذا الحق ان تقرر بحرية كيانها السياسي وان تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ) .
ترتب على الحرب العدوانية غزو للاراضي العراقية وبالتالي احتلاله عسكريا، واعلان سقوط النظام الفاشي رسميا في 9/4/2003 وحل الجيش العراقي واجهزته الامنية والمخابراتية، وتوج ذلك كله بشرعنة الاحتلال بموجب قرار مجلس الامن الدولي 1483. وتوقفت عن العمل مؤسسات الدولة الرسمية الخدمية والصحية والتربوية مما شكل وضعا ماساويا على حياة المواطنين العراقيين واعباءاً جديدة لتضاف على ماخلفه النظام الفاشي . ادى الاحتلال الامريكي :
1- فقدان السيادة والاستقلال للدولة العراقية .
2- الاحتلال لم يوفر فرصة الامن وتواصل الخدمات بل ساهمت قوات الاحتلال باشاعة الفوضى والتحريض على التخريب وسرقة ممتلكات الدولة وفتح الحدود البرية مع دول الجوار ليتم تهريب ما فكك من بنية عسكرية وصناعية وثقافية ودخول المجاميع الارهابية والقوى المناهضة للتغيير .
3- فرض الاحتلال رؤيته بتقسيم الشعب العراقي الى طوائف وفصم وحدته الوطنية وتهميش الارادة العامة من خلال مبدأ المحاصصة وتقاسم السلطات بين مكوناته الدينية طائفيا ومذهبيا ( سنة وشيعة )، وقوميا (عرب واكراد وتركمان وغيرها) . والعمل على تأسيس دولة وفق المنظور والمصلحة الامريكية في العراق والمنطقة .
4- الاحتلال لم يف بالتزاماته، كسلطة احتلال، بحماية المدنيين وقت الحرب وكما نصت عليه (اتفاقية جنيف) الصادرة في 12/8/1949 بل بالعكس ساهمت قوات الاحتلال الامريكي – البريطاني بهدر دماء العراقيين، واخر احصائية حسب تقارير بريطانية غير مؤكدة لعدد القتلى المدنيين يتجاوز 655 الف مواطن عراقي مدني.
5- إذكاء الطائفية والعرقية وكان من نتائجها الصراع الطائفي بين عام 2006 و2007 راح ضحيتها عشرات الالاف من المواطنين العراقيين. وفي ظل هذا المشهد القاسي نشطت (القاعدة) والمجاميع الارهابية الاخرى وفلول البعث وميلشيات بعض الاحزاب والعصابات الاجرامية المنظمة ( خطف، قتل، مخدرات، تهريب، سرقة ) .
6- اهدار المال العام العراقي ومن خلال عمليات التهريب المنظم للنفط العراقي واسناد المناصب والوظائف الحكومية لاشخاص غير مؤهلين، واشاعة الفساد المالي والاداري بكل مفاصل الدولة ومؤسساتها. وقابل ذلك العجز عن تقديم الخدمات الصحية والخدمية ووسائل الحياة من ماء وكهرباء رغم الواردات النفطية والميزانيات الضخمة طوال السبعة سنوات المنصرمة. فالدولة العراقية تحتل المركز السابع في قائمة ” الدول الفاشلة ” بسبب هشاشة الوضع الامني وسوء الادارة والفساد والعجز عن توفير الخدمات الضرورية. ومازال العراق يحتل المرتبة الثالثة في الفساد الحكومي حيث لا تسبقه الى في ذلك سوى بورما والصومال ! وطبقا للمفوضية الاوربية فان هشاشة الدولة العراقية ترجع الى هيكليتها وترى المفوضية المذكورة ان العراق قد كسر ( العقد الاجتماعي ) كدولة لها القدرة على توفير الحد الادنى من الخدمات الاساسية لشعبها واتمام تعهداتها والتزاماتها .
7- فرض الاجراءات التعسفية والقمعية من قتل متعمد واعتقالات عشوائية وسياسة العزل والتقسيم الطائفي والمذهبي للمناطق داخل بغداد والمحافظات العراقية الاخرى واعتماد (المخبر السري ) وتقاريره مما يشكل عقبة في قضاء عادل ونزيه وتجاوز على السلطة القضائية واجراءتها .
8- في ظل الاحتلال وقواته العسكرية انتهكت الاراضي العراقية بشكل سافر ومتكرر من قبل ايران وتركيا مما اضطر الالاف من المواطنين العراقيين المقيمين قرب الحدود من مغادرة قراهم ومدنهم .
9- عسكرة المجتمع من خلال
– تضخم الجهاز العسكري والامني والمخابراتي فعدد الجيش اليوم يتجاوز حدود 250 الف عسكري يضاف لهم 35 الف عنصر حمايات للمسؤولين والدرجات الخاصة، وعدد الشرطة يتجاوز 900 الف، ومنتسبي الجيش والشرطة هم ناتج دمج الميلشيات للاحزاب الدينية والعرقية وحسب مبدأ المحاصصة، كما ان اغلب العناصر تفتقد الخبرة والمهنية والكفاءة
– العسكرة فرضت اجراءات امنية تعسفية من خلال التواجد في الشارع واشاعة الخوف وعرقلة الحياة الطبيعية للمواطنين وفرض اجراءات حظر التجوال ليلا و الذي لازال ساريا منذ سقوط النظام وعزل المناطق بعضها عن بعض .
10-الترحيل والتهجير والاجبار على الهجرة لاسباب دينية و طائفية وعرقية. واستنادا لما سجلته المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة ان ما لايقل عن نصف مليون مهجر من اصل مليون ونصف مهجر عراقي في داخل البلاد قد اجبروا على السكن في مخيمات عشوائية غير قانونية تفتقد وسائل العناية الصحية او الخدمات العامة ويضيف مراسلوا معهد الحرب والسلام ان غالبية اللاجئين الذين عادوا من خارج البلاد انتهى بهم المطاف في هذه المخيمات .. ويقول وزير الهجرة والمهجرين عبد الرحمن صمد بأن (هؤلاء الاشخاص ينتهكون القانون فقد استولوا على الاراضي العامة بدون موافقة الحكومة) ويضيف السيد الوزير ان المهجرين ليسوا وحدهم العراقيين … فعلينا تخيل وضع المليون الباقي لتتوضح صورة المعاناة والاستهانة بحق المواطنين العراقيين وحقهم بالحياة الكريمة من توفير حق السكن والعمل والحياة او القدرة عليها .
11-والعامل المباشر والاهم الذي يؤثر على حقوق المواطنين واستقرار اوضاعهم الحياتية هو الوضع السياسي والتجاذب بين مختلف الكتل والكيانات وصراعهم على السلطة والثروة والاستخاف بنتائج الانتخابات وتهميشهم للارادة العامة وخرقهم الفاضح للدستور والارتهان والاستقواء بالعامل الخارجي ، والعملية الديمقراطية السياسية عند اغلبهم وسيلة وليس غاية . واغلب الاحزاب المشاركة بالعملية السياسية والتي تتمسك بالسلطة احزاب بهويات طائفية ومذهبية واحزاب وكتل عرقية غير ديمقراطية ببنيتها الداخلية وهو ما يستدعي اعادة كتابة الدستور العراقي او على الاقل التغيير في المواقع والمواد التي تثير النعرات الطائفية والعرقية. علما ان المادة 142 من الدستور تشير الى اهمية التعديلات الضرورية على الدستور الحالي ولكن مع الاسف انتهت دورة البرلمان ولم ينجز امر التعديلات .
12-واقع الخدمات الصحية ( النقص الحاد بعدد المستشفيات والاختصاصات الطبية والعراق بحاجة الى اكثر من 100 الف طبيب وسرير لكل 1000 مواطن ) والاجتماعية ( الامومة والطفولة ورعاية الارامل واليتامى والقضاء على الفقر ) والاقتصادية ( البطالة وضرورة اعادة البنية الصناعية الوطنية وتوفير العمل وتعديل الرواتب بما يتوافق ويتناسب ومستويات المعيشة المعقولة ) والخدمية الاساسية ( الماء الصالح للشرب والكهرباء )
هذا غيض من فيض للعوامل التي تؤثر سلبا على واقع حقوق الإنسان وحرياته في العراق وهناك عوامل معيقة :
– غياب الديمقراطية بمفاهيمها ومؤسساتها ومقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي كل لا يتجزأ. والانتخابات ليست بالضرورة تعبر عن الماهية الشمولية لمفهوم الديمقراطية .
– عدم التفريق بين مفهومي الدولة ( الثابت ) والسلطة ( المتغير ) ، بالاضافة الى تهميش دور السلطات التشريعية والقضائية لحساب السلطة التنفيذية وانعدام استقلالية كل منها .
– شيوع استخدام التأويلات الدينية واستخدامها من قبل الاحزاب السياسية ( الدين المسيس ) وخاصة تلك المتناقضة مع حقوق الافراد واستقلالية إرادتهم .
– الإبقاء على سريان الكثير من منظومة التشريعات السابقة والحالية وخاصة ما يتعلق بالمرأة ونقابات العمال .
– دور المؤسسة العسكرية والامنية وممارساتها الكابحة للتوجهات الديمقراطية ولاشاعة مفاهيم حقوق الإنسان .
– غياب الارادة السياسية لدى الكثير من الأحزاب وعدم رغبتها في العمل على تعميم مفاهيم وثقافة الحقوق والحريات .
– شيوع منظومة التقاليد والمعايير الاسرية والتربوية التقليدية، والعشيرة واعرافها وتقاليدها وتعارضها مع المفاهيم الحديثة للعلاقات الاجتماعية وتجاوزها على سلطة القانون .
لكن في الوقت نفسه نرصد هنا جملة من الايجابيات لسقوط النظام السابق وتحقيق التغيير التي افرزتها المرحلة الحالية ومن اهمها :
– القبول بتداول السلطة سلمياً ونبذ الانقلابية العسكرية .
– شيوع وانتشار حرية الراي , حرية تكوين الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني , حرية التجمع والتظاهر , حرية الاعلام المقرؤ والمسموع والمرئي , ( رغم ما نسجله من خروقات وشوائب ونطرحه من التحفظات والإدنات ).
– تطبيق النظام الانتخابي والضمان النسبي لحرية المشاركة بالانتخابات والتصويت والترشيح .
– التحسن النسبي في مداخيل الافراد وان كان بنسب متفاوتة بين الطبقات .
الذي يهمنا ممن قدمناه من استعراض هو حرية الفرد في اطار المجتمع المنظم سياسيا , الخاضع لقوانين ناظمة ,أي الحرية المعاشة اجتماعيا وسياسيا والخاضعة لضوابط واطر قانونية ,وكيان الإنسان لايتحقق كما – يقول ارسطو – إلا بمعيشته في دولة , إن لم يكن عضوا في دولة ولا صالحا لآن يكون عضوا في دولة , فهو اما إله واما حيوان , اما فوق الدولة او تحتها ! .. ولا يمكن لمجتمع يأن من هول الفواجع ان يستوعب اهمية حقوقه وتنميتها وتسيد مؤسساتها وسط غياب الدولة وحضور السلطة .
وكاستنتاج ووجهة نظر شخصية اخيرة للاستعراض , اقول ان الدولة العراقية وبهكذا مأزق وظروف واشكاليات متعددة ومريرة , ستكون اضعف من ان تضمن حقوق وحريات مواطنيها , واضعف من ان تستطيع معالجة واصلاح مواقع الخلل بسبب أن اغلب المشاكل هي بواقع كارثي وبالاخص ان السلطة ومعظم الاحزاب السياسية تحاول التمويه وتعويم التجربة السياسية كحل اخير وكأنها الديمقراطية بعينها , وبنفس الوقت تتغاضى عن مقومات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لانها عاجزة وغير مؤهلة لصياغة مشروع الدولة المدنية , فحقوق الإنسان وحرياته لاتنمو ولا تتطور إلا في بيئة سياسية سليمة ومؤسسات تشريعية وتنفيذية مسؤولة .
خلاصة لهذا الاستعراض ومن اجل تنمية وتطوير حقوق الإنسان لابد :
– ان تتحمل الولايات المتحدة التزاماتها تجاه العراق حسب المعاهدات الدولية ( جنيف 1949 ) كدولة محتلة وانسحاب قواتها من العراق لا ينفي ولا يلغي التزامتها تجاه العراق , على الولايات المتحدة العمل على اعادة اعمار البنية التحتية وتعويض المتضررين من الحرب والاحتلال وضمان سيادة الدولة العراقية والطلب من الامم المتحدة ومجلس الامن رفع العقوبات المفروضة على العراق وحماية اموال وارادته النفطية واسقاط الملاحقات بشأنها والمساعدة على اسقاط ديون النظام السابق وعدم تحميل الشعب العراقي تبعات سياساته ونتائج حروبه واقامة علاقات متكافئة اساسها التعاون والمصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة والعراق .
– ضرورة اتفاق الاحزاب والكتل والقوى السياسية على الغاء مبدا ومنهج المحاصصة الطائفية والعرقية والاخذ بالوطنية العراقية كمنهج اساسي لعملها وبرامجها وعدم تغيبها والاخذ بالديمقراطية بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعدم تهميش الارادة العامة والاحتكام الى الارادة الحرة للشعب العراقي .
– اعادة كتابة الدستور او تعديله وحسب المادة 142 من الدستور المختلف عليه وبما يضمن اعلاء شأن الوطنية العراقية و تأكيد مبدأ الفصل بين السلطات و التأكيد على تحريم التمييز العرقي والطائفي .
– حل اشكالية المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى والموصل وحسب الماددة 140 من الدستور , وضمان استقرار المواطنين العراقيين وممارسة حياتهم الطبيعية دون خوف من ترحيل قسري .
– العمل على اعادة المرحلين والمهجرين داخل العراق الى مناطق سكناهم مع ضمان حياتهم وامنهم ومعيشتهم وعدم القبول بواقع حال التقسيم الطائفي والعرقي وبالاخص في بغداد وديالى وصلاح الدين والموصل وكركوك والعمل على اعادة المهجرين خارج العراق وبالاخص ممن يفتقد حق الاقامة في سوريا والاردن وايران واعادة ممتلكاتهم .
– العمل على حماية امن وسلامة الاقليات الدينية وضمان استقرارهم في مناطقهم ومحاربة القوى السياسية والتكفيرية التي تحاول تهميشهم او اجبارهم على الهجرة و مغادرة العراق .
– مكافحة الفساد المالي والاداري وملاحقة الفاسدين وتفعيل مؤسسات الدولة الرقابية والتفتيشية .
– تشريع واقرار قانون الاحزاب ومجلس الخدمة و تشريع واقرارالقوانين التي اقرها الدستور وبنفس الوقت الغاء قوانين وتشريعات النظام السابق وبالاخص قرارات مجلس قيادة الثورة , وضرورة ان تتوافق التشريعات والقوانين مع العهود والمواثيق الدولية التي وقعتها وصدقتها الدولة العراقية .
– توفير العمل وضمانات للعاطلين واعادة البنية التحتية للصناعات الوطنية , وتوفير الخدمات الضرورية ( الماء , الكهرباء ) .
– مساعدة الفئات الاشد فقرا ( الارامل , اليتامى , المهجرين والمرحلين داخل العراق ) .
– العمل على نزع سلاح الافراد , وسلاح الميلشيات والمجاميع التابعة للاحزاب المختلفة ( دينية وعرقية ) ما عدا سلاح الدولة ( الدفاع والداخلية ) .
– التخفيف من المظاهر المسلحة واستباط وسائل وآليات اخرى غير هذا الكم الهائل من الحواجز والمفارز و الحد من اجراءات حماية المسؤولين واستفزاز المواطنين .
– اعادة ممتلكات الدولة المصادرة من قبل شخوص العملية السياسية واحزابهم ومنظماتهم .
– ملاحقة المجاميع التكفيرية والتي تعمل على فرض افكارهم و رؤيتهم على المواطنين العراقيين .
– على مجالس المحافظات التمسك بسياسية الدولة العامة وعدم فرض اجراءات تعسفية بحق المواطنين .
– على القوى الوطنية والتيار الوطني الديمقراطي تكثيف حملات التوعية بحقوق المواطنين العراقيين والمطالبة بها ( تظاهرات , احتجاجات , اعتصامات , حملات اعلامية , زيارات ميدانية ) والدستور العراقي يوفر ويضمن هذه النشاطات والفعاليات وعدم الاكتفاء باجتماعات مغلقة بقاعات لا تستوعب الكثير من اصحاب الحاجة للخدمات الضرورية ( العمل , الصحة , خدمات الماء والكهرباء) فاعتقادي ,ان الخروج الى الشارع سيحرض المتضررين ويدفعهم للمشاركة وزيادة الضغط على السلطات لايجاد الحلول .