تعد الولايات المتحدة الاميركية واجهزتها الخاصة احدى المطابخ العقلية لهذه النظرية ( المتلاعبون بالعقول ) ، وما يجري في منطقتنا العربية والعراق على وجه التحديد احد ضحايا تلك اللعبة القذرة التي راح العالم الغربي برمته يهرول وراء سرابها ليعزف مع السمفونية الاميركية والاسهام في ترويض العقل العربي وتشتيت رؤاه وتحويله الى كائن استسلامي لقدره لاحول له ولا قوة.
وقد كنت قد اشرت في العام الماضي الى طبيعة ( المتلاعبون بالعقول ) وحظي الموضوع انذاك باهتمام كبير من قبل المتابعين لهكذا موضوعات ذات طبيعة ستراتيجية وتدخل في ثنايا علم مهم من علوم الاعلام وهو الحرب النفسيةوهو ما يسمى في احيان أخرى ( حرب العقل والمعرفة ) أو ( عمليات غسل الدماغ ).
واود الان وضع هذا المفهوم امام القراء والمتابعين الاعزاء ، لكي تكتمل امامهم صورة مايجري الان من محاولات ترويض للعقل العربي وغسل دماغه واخضاعه للمشيئة الاميركية ولحملات الغرب المساندة لهذا التوجه الخطير في الحملات النفسية للحرب الظالمة التي يشنها الغرب على عموم منطقتنا وفي العراق الذي تعد حربهم على داعش احدى بوابات انطلاقات هذه الحرب غير المقدسة، كونها صنيعة امريكية اسهمت فيها ايران ودول وأنظمة في المنطقة، أرادوا تضليلنا وتأجيج الانقسامات الطائفية والمذهبية الى اقصاها واختلاق جماعات مسلحة غير معروفة الولاءات من مختلف المذاهب الاسلامية وتطعيمها بمقاتلين اجانب تحت شعار ( الدفاع عن المذهب ) وايصالنا الى قناعة باستحالة قدرة الانظمة العربية على مواجهة التحديات بدون الاستسلام القدري للغرب عموما ولامريكا على وجه الخصوصعلى غرار النظرية البريطانية في الحربين العاميتين الاولى والثانية في سياستها المعروفة ( فرق تسد ) .
فالمتلاعبون بالعقول، هم من يتحكمون بتوجيه عقول البشر ، بإتجاه أهداف محددة لغاية في نفس يعقوب، وأغراضها في الأغلب غير أخلاقية، إذ انها ربما في عملية إستخدامها تجري تزييف الحقائق وتشويهها، وتستخدم إسلوب الاستدراج والتوريط ، في قدرتها على جعل أذهان الآخرين ينساقون معها ، كونها تداعب شيئا دفينا في مخيلتهم أو أحلاما أو رؤى أو توجهات مرغوبة داخليا ، لكن المجتمع لايستسيغها أو تنفر منها الأغلبية الشعبية الواسعة ، كونها لاتلتقي معها في الاهداف والتوجهات إذ إن ( التلاعب ) صفة ملازمة لهذا التوجه ذات الطبيعة الفكرية والايدلوجية والمعرفية ، أي ان الموجه، يقوم بعملية ( تضليل وخداع ) لعقل المتلقي ، ولهذا فهو يمارس عملا دعائيا ، من خلال التلاعب بمقدرات البشر وتوجيهها الوجهة التي تخدم أغراض هذا المخطط ، أي (المتلاعبون بالعقول) ،وهو مايجري الاعداد
له في مطابخ الدعاية والحرب النفسية الاميركية واجهزة ومراكز بحوثها الستراتيجية وهو يجري من خلال عمليات تهيئة جماعات مسلحة يتم تدريبها لغايات تخدم خطط الغرب في الوقت المناسب واضفاء اسماء ثورية وجهادية على توجهاتها وما ان تاتي اللحظة المناسبة حتى يتم تعبئتها ضد الانظمة من اجل ايصالها الى قناعة بانها تواجه خطر جماعات مسلحة ليس بمقدورها الدفاع عن نقسها بوجه تحديات خطيرة فتضطر لطلب مساعدة امريكا والغرب تحت غطاء مواجهاتها بالرغم من انها صنيعة امريكية شاركت بها دول اقليمية لابقاء الدول العربية مشتتة القوى تعيش حالة الانهزام بداخلها وليس بمقدورها ان تلتفت الى الداخل لاعادة بناء نفسها والهائها باخطار وتحديات داخلية وخارجية من نفس فصيلتها لكي لايكون بمقدور هذه الانطمة تحقيق مطالب شعوبها وبالتالي تبقى اسيرة تخضع للغرب وتبقى تحت رحمته وليس بمقدورها ان تعيش بدونه، وهنا اتفق مع الرأي الذي طرحه قبل أيام رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني من ان (داعش ) قد تكون بالونة أو ( نفاخة ) ما ان تنفجر حتى يكتشف العرب الخديعة، كما ان كتابا عراقين من ذوي العقول المتفتحة أشاروا بصراحة الى نفس المعنى، واخرون انساقوا وراء الترويج الاميركي بلا نقاش!!
والأخطر ان المتلاعب بالعقول شخصية تحتل ربما مكانة فكرية أو معنوية أو أدبية كبيرة في المجتمع، وقد يكون مؤسسة فكرية أو صحفية أو شخصية سياسية أو ادبية أو دينية أو فلسفية يختفي خلف رؤى وتوجهات، تكون أحيانا غير واضحة المعالم، واحيانا فيها من المصداقية والمقبولية ما يمكن ان تعبر عن إتجاهات الرأي العام في البلد او في النطاق الإقليمي والدولي، وهي تعمل وفق اطار من التضليل وخداع العقول على ايصال المتلقي لأن يتناغم مع توجهاتها أو ان يقبل بها او يتكيف معها، وبالتالي قد يقع أسيرا لتوجهاتها.
ربما كان الكاتب الأميركي ( هربرت شيللر ) محقا حين ألف كتابا ضخما في السبعينات من القرن الماضي ، بهذا العنوان أسماه ( (The Mind Managers اي ( المتلاعبون بالعقول ) وهو كتاب لايوضح الكثير من الحقائق عن عمليات التلاعب بالعقول، لكنه يقف عند الكثير منها وبخاصة في الجانب الاعلامي والدعائي ، وهو لا يخوض فيما هو أخطر وهو الجانب الفكري او العقائدي، الذي يفوق الاعلام والدعاية خطورة ، ويتمثل هؤلاء برجال الدين والشعراء والكتاب الكبار وأصحاب العقائد والاستاذة والمفكرين ومن هم ضمن مدارس الثقافة والفكر، هؤلاء هم الاخطر في التوجيه والاعداد لستراتيجية ( التلاعب بالعقول ) كونهم أصحاب خبرة ودراية وحنكة ولهم مؤسسات تدعم توجهاتهم وأنشطتهم ، وفقا لغايات واهداف لها إضفاء صبغة وتلوين وتزييف للحقائق والرؤى بما يؤدي الى تكريسها في العقل البشري، وليس كما حاول الكاتب الاميركي هربرت شيللر ان يوضحه في كتابه المشار اليه ( المتلاعبون بالعقول ) إذ ان موضوعنا هذا أشمل واكثر عمقا واتسأعا ، وهو يحتاج فعلا الى مجلدات كتب وليس مقالات توضح حقيقة اهدافه والمخاطر الناجمة عنه، وبخاصة في مجتمعنا العراقي ومنطقتنا العربية ، التي راح العقل العراقي والعربي يخضع الى عمليات ( غسيل دماغ ) وغرس رؤى وتوجهات تخريبية تؤذي الشخصية العربية وتحاول الحط منها وتسفيه رؤاها وتوجهاتها ومسخ شخصيتها القومية والانسانية وتشتيت توجهات ملايين البشر الى عشرات الرؤى والمنطلقات المتضاربة المنقسمة على نفسها والمتمردة على مجتمعها ، والتمرد الثقافي والفكري هو الاخطر كون من يقوده مثقفون على مستوى عال من الحرفية عن وعي أو عن غير وعي، لاستدراج العقول ومن يلتقون معهم في الاهداف والتوجهات ، ويتناغمون معهم فيما يطرحونه بين ثنايا الافكار لتصبح حقائق ملموسة تخرض في أغلبها على الكراهية للآخر، ومحاولة افراغ الشخصية من طابعها الجمعي الاجتماعي لتنضم الى أقلية اجتماعية أو فكرية أو فلسفية تنحصر في اطار جماعتها او المحيط الذي تعمل فيه، ليكون بمقدورها ايصال رسائل التضليل بين ثنايا لغتها الشعرية أو القصصية أو السرد التاريخي للوقائع الذي يحتل أي السرد التاريخي العامل الاكبر في تشويه وقلب الحقائق وتزييف صفحات التاريخ وفقا لرغبة المتلقي في التلاعب بالمقدرات وممارسة عملية التضليل انطلاقا من دوره في كسب العقول من خلال مايطرحه على الجمهور بين ثنايا قصائده او مؤلفاته الشعرية والفكرية والادبية عن رؤى يريد تكريسها وهي رؤى موهومة لاوجود لها عمليا الا في أذهان من يريدون تكريسها كحقائق رغم انها تحمل من التزييف الشيء الكثير، طالما يخدم هدف الداعية في خلق جمهور موال له متناغما مع ما يطرحه بين ثنايا أفكاره وبما يريد ان يكرسه في الاسماع من اباطيل ليست حقيقة أو ليست اساسا في البنيان الفكري والأجتماعي العام ، وتجد ربما نفورا من كثيرين او تخلق حالة من الفرقة والانقسام والمعارك الفكرية تحت دعوات الحداثة والتوجهات الفكرية ذات الطبيعة الطائفية ، وتحت اطار الثقافة والتوجه الفكري الحر والتعددية السياسية ، التي كثيرا ما يختبء خلفها ( المتلاعبون بالعقول ) في اغلب الاحيان . وفي مقال آخر سأوضح الكثير من خفايا هذا التوجه ومخاطره على الاجيال العراقية العربية، لأن أبطاله عراقيون من ذوي الثقافة وضالعين في الأدب والصحافة، هذه هي خطورة عملية ( التلاعب بالعقول ) فهي صناعة عقلية تعتمد ( التضليل والخداع ) في غرس مفاهيمها أو تكريسها بين فئة من البشر ينتظر ان تحول الى رأي عام ( جمعي ) وهو ما يشكل خطورة على العقل العربي العراقي ومحاولة تشتيت هذا الوعي وحرفه عن مساراته، او تحويل الشخصية العراقية الى شخصية تشعر بالانطفاء والانعزال من الداخل، وتستخدم أطر ( المظلومية التاريخية ) أو ( الشعور بالنقص ) لدى الآخر للامتثال الى الرغبات والأفئدة والتوجهات، يقودها شخصيات عراقية على حرفية عالية من التوجهات ومن المكانة الثقافية والفكرية تنبش بين ثنايا الماضي او تعبث بحقائق التاريخ وتعمل على تزييفها وحرفها عن مسارها، وتحاول ايصال العقل الجمعي الى اليقين بها رغم انها أباطيل أو مجرد وجهات نظر سطحية ليس لها أساس في الواقع، الا في نفوس من يحلمون بتغيير صفحات التاريخ وفقا لما يشتهون، أو وفقا للجهات التي تدعم توجهاتهم وغالبا ما تكون من خارج محيط البلد على أكثر تقدير.
ولا يتسع هذا الموضوع الحيوي لمقال ، بل يحتاج الى العديد من المقالات، وربما كتاب موسوعي كامل، للإستدلال الى هذا العلم الحيوي ( المتلاعبون بالعقول) من علوم الحرب النفسية،وهو ما سأسعى الى توضيح الكثير من الحقائق عن خفايا توجهاته ومضامينه ، بشيء من التفصيل في مقالات لاحقة.