23 نوفمبر، 2024 12:36 ص
Search
Close this search box.

نعثل الكافر

( اقتلوا نعثل فقد كفر ).. شعار اطلقته عائشة بنت ابي بكر، أصغر زوجات نبي الاسلام ومدللته ومعشوقته, بوجه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، الذي رد عليها بــ( لن انزع ثوبا اكساني الله ) .
تعددت الروايات الواصلة الينا حول اسباب هذه الدعوة، بين من يرى انه لم يعطها إرث زوجها او انه أخر بعض ارزاقها، لكن الاخطر من تلك الروايات ما يشير الى ان سبب اطلاق الدعوة هو ترتيب واعادة جمع القرآن في خلافته وحرقه المباشر لمصحف حفصة بعد ذلك، واتهام عائشة له بأنه أبلى دين وسنة محمد اضافة لتقريبه أبناء عشيرته واقاربه من الامويين وتمكينهم في ادارة الدولة الصاعدة. كان هذا الوضع يتناسب مع بزوغ نجم الارستقراطية العربية الصاعدة، مع بدء ما يسمى بالفتوحات الاسلامية وبالذات العراق، الذي سبب فتحه وثراء ارضة وثقافة اقوامه المتنوعة وعمق تاريخه وحضاراته في تغيرات هامة وكبيرة في الاسلام آنذاك، وفتح ينابيع الثراء على المسلمين واظهر المخفي والمكتوم.

يبدو ان هذا الرأي هو الاقرب للواقع، حيث يسقط الاحتمالين الاخرين، بسب ان عائشة تعرف ان ابيها ابي بكر وعمر لم يسمحا لفاطمة بان تَرث ابيها في القضية المعروفة تاريخيا بـ(فدك) بتأويلهما بان الانبياء لا يورثون، إضافة الى انها لم تكن بحاجة لأموال عثمان فقد كان طلحة بن عبيد الله وهو أحد المغرمين بها والعاشقين لها يجهزها بما تحتاجه طوال السنة. قتل ذو النورين وخليفة المسلمين الثالث عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن ولم يجد له مأوى الا في مقابر اليهود حيث دفن فيها. لم يحد مقتل عثمان من صعود هذه الارستقراطية وواصلت طريقها على جثث اربعة من الخلفاء الراشدين ( عمر، عثمان، علي، الحسن بن علي ). كانت عائشة شخصية طموحة ارادت ان تلعب دورا سياسيا هاما في كيان الدولة الجديدة الصاعدة وللأسف انها لم تنل ما تستحقه من الدراسة والاهتمام خارج اطار المنظور الديني والصراع الطائفي. بمقتل طلحة في معركة الجمل الذي أرادت من خلاله ان يكون جسراً لها فيما اذا تولى خلافة المسلمين، انتهت احلامها وبالنهاية كانت عائشة هي احدى قتلا هذه الارستقراطية حين رفضت تورث الخلافة من معاوية لابنه كما في بعض الروايات. من يسعى للتعمق بما ذكر من ملخص، فالمصادر التاريخية عديدة وسهلة بوجود الانترنيت.

يبدوا اننا شعباً غير معني بإعادة قراءة التاريخ بما يخدم حاضرنا ومستقبلنا، رغم ان كل صراعتنا وانتحاراتنا اليومية الحالية او منذ مئات السنين تستند حتى لو ظاهرياً الى هذا التاريخ المغبر . نحن امة او شعب ولود ومنتج لـلـ(نعاثل).. ،ما تولى او ولينا امرنا لاحد حتى سعى للتمسك برقابنا الى يوم الدين. اخر هذه النعاثل وليس آخرها هو مختار الحرامية نوري المالكي. لقد ترك المالكي ارثا من الخراب وعلى كل المستويات، اضافة الى ان الإصطفافات ، التي اوجدها أو ساهم في تعمقها كفيلة بإجهاض اي مشروع وطني يسعى للنهوض بواقع الحال. لقد قاد المالكي وحزبه وكل حلفائه المتنوعين موجة الخراب الثانية، بعد ان قاد صدام وحزبه موجة الخراب الاولى. المالكي هو راية اصحاب النعم الجديدة ومهندس طريقها في ابقاء العراق يدور في فلك الطائفية والفساد والخراب والتخلف وفي كل ما يحط من قيمة وقدر العراقيين شعبا وارضا. اُبعد نوري المالكي ولكنه لم يخرج من اللعبة وهو امر منطقي في ظل العمل من اجل انقاذ نظام المحاصصة واعادة ترميمه. هذا النظام الذي جر البلد من ويلات الى اخرى وفي دوامة يبدو أن ليس من نهاية لها. هذا هو منطق كل القوى الجديدة والقديمة بكل الوانها، نمت وترعرعت في ظل هذا النظام البائس وتحكمت من خلاله بمصائر العراقيين.

في اخر جولة له اصدر المالكي 370 قرار في صالح حاشيته من ضمنها القرارات في تعيين اعوانه في مواقع هامة وحساسة. جوهر الامر في كل هذا، هو أن رئيس الوزراء الجديد لا يستطيع اختراق هذا الاخطبوط الذي يمد اذرعه في كل مفاصل الدولة وان يتقدم بنا خطوة إلى أمام، هذا اذا افترصنا حسن النية وقوة الارادة. يبدو إن هذا الامر معقد جداً، فبعيدا عن اللعب البهلوانية للأطراف الاخرى المتنفذة في نظام المحاصصة، فهي شريكة المالكي فيما حصل وحاصدة لنعم سيادته وحين يجد الجد في حفر قبر هذا النظام فأنها ستكشر عن اسنانها الحقيقية وتسعى لحقنه بأنواع العلاجات المختلفة لبعث الحياة فيه. تعقيد الامر لا يجعله مستحيلا ومن تابع تجربة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور بوتين من احشاء نظام يلتسين المتخم بالفساد واللاوطنية وتبني اعادة هيبة روسيا الاتحادية وبنائها على اسس حديثة والطريق الذي سلكه، ربما يجد املا للخيبة التي نعيشها.

لا يستطيع العبادي او غيره واكرر فيما اذا افترضنا مرة اخرى حسن النية وقوة الارادة الوطنية الصادقة، ان يحقق جزءً هاماً بما يحلم به العراقيون

في ظل التوازن الذي خلقه المالكي وكل شركائه من الالوان الطائفية والقومية المختلفة. فأية خطوة بهذا الاتجاه تتطلب تغير ميزان القوى الحالي او اجراء تغير هام فيه وبالذات في مفاصل الدولة الاساسية والحساسة والتي ترتبط بحياة الناس. من الضروري خلق قاعدة هذا التغير وتجميعها وهي بالتأكيد موجودة ولكنها متشظية. الخطوة الاهم في هذا الجانب هي التهيئة لمستلزمات لانتخابات نزيهة وشريفة سواء مبكرة كما دعوت في مقالة سابقة بعد الانتخابات او في موعدها الثابت. هذه المستلزمات معروفة وقد كتب الكثير عنها . إن ترافق هذا الامر بإنهاء الطاعون الاسود القادم مع داعش بوجه السني او الشيعي والتخفيف عن هموم الناس ودفع البلاء عنهم واعادة الهيبة للروح الوطنية وغيرها من الامور ستشكل قاعدة هامة لمشروع كهذا. العراقيون حين يتلمسون هذا الخيط، سيكونون رافعي المشاعل من اجل نسج حبل النجاة .

أخيرا فاني لا ادعو لقتل أحد سواء نعثلا سنياً او شيعياً ولكني ادعو لدفن مشاريع النعاثل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات