وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق – 27- الحج –
المناسك هي : البيت الحرام , والبلد الحرام , والشهر الحرام , والمسجد الحرام , فثلاثة للمكان وواحدة للزمان , وهناك من قال أن الشعائر هي دين الله وهي المناسك والمناسك هي أفعال عبادية تقع في مكان معين محدد , وفي زمان معين محدد ” في أيام معلومات ” فالشعائر ومناسكها وأماكنها هي حرمات الله وتعظيمها من تقوى القلوب , فالهدي للحج محله ” منى ” وأن كان للعمره المفردة فمحله ” مكة ” قبالة الكعبة , والمناسك في أوسع معناها هي المنهاج والشريعة , ولذلك كل ألآمم كان عندها منهاجا وشريعة , ولكن الدين واحد , وعلى هذا لم تكن الذبائح مختصة بالمسلمين , وأنما كل ألآمم التي نزلت عليها الشرائع كانت تذبح من بهيمة ألآنعام وهي ألآبل , والبقر , والغنم , والتسمية على الذبح كانت مقرة عند ألآمم قبلنا ” فألهاكم أله واحد ” ” فله أسلموا ” وهؤلاء الذين أسلموا لله من ألآولين وألآخرين وهو ألآيمان العام الموحد لهم صفات منها ” وبشر المخبتين ” والمخبتون هم المتواضعون المطمئنون الى الله والذين لايظلمون , وأذا ظلموا لاينتصرون , وداعش والعصابات ألآرهابية بهذا المعنى لايمكن أن تنتصر لآنها ظالمة تتعمد الظلم , ومن يتعمد الظلم لايؤمن بيوم الجزاء , والمؤمن بيوم الجزاء هذه صفته ” الذين أذا ذكر الله وجلت قلوبهم ” أي أذا خوفوا بالله خافوا ” والصابرين على ما أصابهم ” من البلاء والمصائب في طاعة الله , وهذا مايحل في العراق وسورية والمنطقة ” والمقيمي الصلاة ” أي في أوقاتها كما أمرهم الله ” أن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ” ” ومما رزقناهم ينفقون ” أي يتصدقون من الواجب وغيره عن أبن عباس – والبيت العتيق هو الكعبة و له معاني منها : أنه أعتق من أن يملكه أحد , ومنها أنه أعتق من أن تصله الجبابرة قبل ظهور دين ألآسلام على يد محمد بن عبدالله “ص” وماقصده جبار قبل نبينا “ص” ألآ وأهلكه الله , ولم يهلك الحجاج حين نقضه وأعاد بناه ثانيا ببركة نبينا محمد “ص” فأن الله تعالى أمن ببركته هذه ألآمة من عقاب ألآستئصال , وقيل سمي عتيقا لآنه أعتق من الطوفان فغرقت ألآرض كلها ألآ موضع البيت , وهذا خلاف مايذهب اليه البعض معتمدين على أراء بعض علماء الغرب الذين قال بعضهم أن الطوفان لم يشمل كل ألآرض ويستندون الى علم الجيولوجيا وهو غير حجة في هذا ألآمر , وخلاف ظاهر ماتوحي به ألآيات القرأنية قال تعالى ” قال سأوي الى جبل يعصمني من الماء قال لاعاصم اليوم من أمر الله ألآ من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ” – 43- هود – ” وقيل يا أرض أبلعي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقضي ألآمر وأستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ” – 44- هود – ومن معاني البيت العتيق لآنه قديم سمي به لآنه أول بيت وضع للناس بناه أدم عليه السلام , وجدده أبراهيم عليه السلام الذي طبق المناسك عمليا بأيحاء من الله بواسطة جبرئيل عليه السلام , فكان أبراهيم ابو الحنفية ألآولى , ونبينا “ص” خاتم ألانبياء والمرسلين , ولذلك أبتدأت سورة الحج بالتذكير بزلزلة الساعة والتقوى ” يا أيها الناس أتقوا ربكم أن زلزلة الساعة شيئ عظيم ” -1- الحج – يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ” -2- الحج – وأنتهت سورة الحج بالتأكيد على حق الجهاد , وليس على مسميات الجهاد دون معرفة حقه ومضمونه وقواعده وشروطه كما تفعل داعش والعصابات ألآرهابية التي تمسكت بالقشور وتركت اللب , وهذا يذكرنا بالذين تمسكوا بالعناوين وتركوا المضامين , وأخذوا بالقشور وتركوا اللب في دعوة محمد بن عبد الله “ص” الذي قال تعالى بحقه “ص” : أن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” ولذلك قال “ص” : لاتصلوا علي الصلاة البتراء ؟ قالوا وما الصلاة البتراء يارسول الله ؟ قال “ص” أن تقولوا اللهم صلي على محمد فقط ولا تصلوا على أهل بيتي , وأهل بيته هم المطهرون من الرجس بنص القرأن , وبذلك أخرج النص بلغته العربية وبمعناه ألآصطلاحي أهل البيت المطهرين عن بقية أزواج النبي “ص” حيث يتبادر الى الذهن بصورة عامة أن أهل بيت الرجل هم أزواجه وأولاده , ولكن حيث وجد النص المخصص ينتفي المعنى العام , وحيث ثبت عدم أمكان سريان نص التطهير عمن وقع في المعصية وتظاهر ضد رسول الله “ص” من بعض أزواجه كما في سورة التحريم فلايمكن عقلا سريان مفهوم العصمة والتطهير على من ثبت أنه دون ذلك , ثم مما يعضد هذا المعنى ماقاله القرأن الكريم من تثبيت الكفر بحق بعض زوجات ألآنبياء مما يعني أن زوجات ألآنبياء غير معصومات وقد ظهر الخطأ جليا لبعضهن لاسيما في معركة الجمل , على أن مفهوم مهات المؤمنين هو أجراء أحترازي لمنع ماتسول به بعض النفوس المريضة المنافقة والذين كشفوا عن خبث نواياهم وقالوا : لماذا يتزوج محمد نساءنا ولا نتزوج نساءه أذا مات ؟ ثم أضافوا : والله لنمشي بين خلاخيلهن ؟ ولذلك نزل التشريع المبارك بحرمة زواج نساء النبي من بعده وأعتبرهن أمهات المؤمنين , وهي كرامة للنبي “ص” , وأم المؤمن يمكن أن تكون كافرة , ويمكن أن تكون مشركة أو من مرتكبي الذنوب والمعاصي , بخلاف أب وأم النبي وألآمام فهم من أرحام طاهرة مطهرة , والذي يذكر عن شرك أبي أبراهيم أنما هو عمه وليس أباه , فالقرأن الكريم يعتبر العم أبا كما في قوله تعالى على لسان أبناء يعقوب ” قالوا نعبد ألهك وأله أباءك أبراهيم وأسماعيل وأسحاق ألها واحدا ونحن له مسلمون ” ومعلوم أن أسماعيل هو عم يعقوب , ولكن القرأن سماه أباه , وكذلك حال عيسى عليه السلام فقد أعتبر من ذرية أبراهيم , وهو ينتسب لآبراهيم من لجهة ألآم فقط لآن مثله كمثل أدم خلقه من تراب , والحسن والحسين هم من ذرية رسول الله “ص” من جهة أبنته فاطمة عليها السلام على القاعدة القرأنية , ومن يقول غير ذلك مخالف للنص , ومن يخالف النص ناقص المناسك , وطواف النساء من مناسك وشعائر الحج , والبعض أسقطه لآنه لم يأخذ عن الراسخين في العلم وأهل الذكر وأولي ألآمر , مثلما أسقط البعض البسملة وهي رأس كل أية وأفتتاح كل كلام للله تعالى أدبا وخلقا , ومثلما أختلط على البعض كيفية الطلاق , وعلى ماذا يسجد المصلي , وكيف يتوضأ رغم وجود النصوص التي لايخطئها من يفهم العربية , ووقع البعض في شراك المرويات ألآموية التي نفت العصمة حتى لايبقى لآهل البيت عليهم السلام من خصوصية في قيادة ألآمة بعد رسول الله “ص” ونفوا أن يكون للرسول وصيا وهو ماموجود لكل ألآنبياء فحرموا رسول الله “ص” من أمتداد أرثه الرسالي , ونفوا أن يكون للرسول أرثا ماليا وهو خلاف صريح القرأن ” وورث سليمان داود ” ولم يفرقوا بين وراثة المال ووراثة العلم , فوراثة العلم هبة من الله وهي الولاية ” العلم اللدني ” التي لاتقوم ألآ على العلم ” لاينال عهدي الظالمين ” ووراثة المال والعقار هي لجميع الورثة على أختلاف مراتبهم في الفضيلة وألآلتزام , فالنبي شرعا مشمول بالتوريث لآهله وأقربائه لعموم النص قال تعالى ” كتب عليكم أذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين وألاقربين بالمعروف حقا على المتقين ” – 180 – البقرة –
فمناسك الحج أدائها الصحيح يؤدي الى الخلود ,وممارستها هي سياحة الوجود , فالسياحة اليوم يهتم بها الناس يصرفون مالهم ووقتهم من أجلها , ولكن قليل من الناس من يعرف مفهوم السياحة بمعناها الوجودي ” قل سيروا في ألارض ” وليس كل السير في ألارض هو سياحة , لكن يمكن تحويل السير في ألآرض سياحة حتى وأن لم يكن عنوانه ” السياحة ” فحركة ألآنسان لآي عمل بشرط أن يكون صالحا هو سياحة أذا صحبها التفكر والتمعن ” قل أنما عظكم بواحدة أن تقوموا للله مثنى وفرادا وتتفكروا مابصاحبكم من جنة .. ” ” الذين يتفكرون في خلق السماوات وألآرض .. ” من هنا تبدأ سياحة الوجود كمشروع غائي وهدف أستراتيجي , تمثل رحلة الحج المتكررة سنويا مرة , والعمرة المتكررة أكثر من مرة في السنة لتخلق من ألآنسان الفرد , والناس الجماعة يقتربون من مفهوم التقوى والجهاد بمعانيهم الحقيقية , حيث يصبح الفرد والجماعة مشروع تنمية بشرية , والتنمية البشرية الحقيقية لاتتحقق ألآ بترك الفراغ والبطالة , ولايتم ذلك ألآ بهجرة ماسماه القرأن ” الرجس وألاوثان” وبما أن عبادة ألاوثان ” ألآصنام ” تكاد تكون قد أنقرضت ولم يبق منها ألآ القليل , لكن مفهوم الرجس والصنمية لازالت موجودة ومنتشرة بمعان وصور كثيرة , منها اليوم على سبيل المثال : ظاهرة الدول الكبرى التي تفرض على الضعفاء من الدول أتباعها وطاعتها بمايشبه الصنمية , وعندما نتدرج نجد هذه الظاهرة متفشية في حياة الناس سواء منهم المتدين وغير المتدين , فرؤساء ألآحزاب لهم صنميتهم , ورؤساء الدول والملوك كذلك , ورؤساء العشائر لايخلو مركزهم من صنمية , وأرباب العمل ورؤساء الشركات لهم صنميتهم الخاصة على من يعمل معهم , حتى المغنين والمغنيات لهم صنميتهم وهواهم العاطفي , وهم ومن يعمل على شاكلتهم حولوا الحب الى تجارة وأبتذال أختطف عقول بعض الشباب الذين لم يعرفوا معنى الحب الحقيقي وهو حب الله , فسقطوا في الحب الوهمي وهو مرض نفسي , يقول الشاعر عن الوله والعشق المرضي :-
أريد لآنسى ذكرها فكأنما .. تمثل لي ليلى بكل سبيل
وقال شاعر أخر يصف حال أهل الغرام والعشق المرضي الذي سموه حبا وراحت المسلسلات التي تصطنع الحب كتجارة مربحة , مثلما راحت الفتيات والشبان يقبلون على الغناء و تمثيل أدوار الحب سعيا وراء كسب المال مما أفقد بعض النساء دورهن ألآنساني ألآجتماعي , وأصبحن يضحين بحياتهن الخاصة وأدوارهن الحقيقية بأدوار هامشية مؤقتة حالما تنتهي بأنتهاء جمالهن ورشاقتهن , فينزوين مصحوبات بالكأبة والضجر الذي ينتهي بلانتحار أحيانا لآنهن لم يعرفن الحب الحقيقي وأنما مارسن نفاقا والنفاق لايدوم لذلك يقول الشاعر :-
مساكين أهل الحب حتى قبورهم .. عليها غبار الذل بين المقابر
ويعبر أحد الغاوين عن اللهو والضياع فيقول :-
قالوا ماتريد فقلت ألهو .. الى ألآصباح أثر ذي أثير
بينما يحدثنا ألآمام علي بن أبي طالب عليهما السلام عن الحب الحقيقي وهو حب المخلوق للخالق , وحب المحتاج لغير المحتاج , وحب الفقير للغني , وحب المحدود للمطلق في الوجود , حب الناقص للكامل , حيث يقول :-
الهي حليف الحب في الليل ساهر .. يناجي ويدعو والمغفل يهجع – مفاتيح الجنان – ص 195 – المناجاة المنظومة –
أن المتأمل في الحج كعبادة ذات طقوس ومناسك يجدها تحقق أهداف الفعل الغائي الهادف في حياة ألآنسان , وتجعل منه مشروعا لنفع ألآخرين ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت ألآرض ” وفي أية أخرى ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من أمن بالله واليوم ألآخر والملائكة والكتاب والنبيين وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم أذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ” – 177- البقرة – وهذه هي مرتكزات التنمية البشرية الحقيقية , وصاحب هذه الصفات عندما يمارس مناسك الحج تفتح له صفحات الخلود ألآخروي , ويصبح في الدنيا صاحب سياحة عقلية وروحية عندما يضاف لها الجهاد بمعناه الحقيقي وليس كما تدعي داعش وعصابات ألآرهاب التي لاتمتلك مشروعا للحياة لذلك أنكفأت في خنادق الرعب حيث يكون الموت نهاية حتمية خائبة لاتوصل الى شرفات الخلود , لآن أصحاب ألارهاب ليسوا شهودا على الناس , قال تعالى ” وجاهدوا في الله حق جهاده هو أجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم أبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ” – 78- الحج – هذا هو الحج المبارك في سورته التي سميت بأسمه مشروعا للخلود , وسياحة للوجود تتحقق فيه كل معاني السياحة التي تصبح بقية السياحات على ضرورتها أحيانا تابعة لها وقتبسة من معانيها عندما تريد أن تكون فضاءا ترويحيا للنفس المجبولة بحاجتها لمفيض القوة والحيوية ذلك هو الله.