” ولا يحيقُ المكر السيء إلاّ بأهله “
قرآن كريم
وقال الشاعر :
قضى الله ان البغيّ يقتل أهلَهُ
وإنَ على الباغي تدور الدوائرُ
ومن يَحتفِرْ بئراً ليُوقعَ غيرَهُ
سيُدفع في البئر التي هو حافِرُ
-1-
هناك نفوسٌ خبيثة لا تستطيع ان تتعايش بسلام مع مَنْ تراهم يتفوقون عليها بجاهٍ أو ثروةٍ أو مكانة … وربما لاتستطيع ان تبصر المتفوقين علميا واجتماعياً واقتصاديا وأخلاقياً .
يفور التنور ، وتعّد الخطط الماكره للايقاع باولئك الذين لاذنب لهم – عند هؤلاء الخبثاء – الاّ نجاحاتهم المتميزة .
-2-
وقد دلّت التجارب أن الساعين للايقاع باخوانهم، يرتد كيدُهم الى نحورهم ، وتنسحب عليهم في نهاية المطاف، كل المردودات السلبية التي أرادوا ايقاعها بالآخرين .
وفي ذلك عظة وعبرة لكل متعظٍ ومعتبر .
-3-
ومن الجميل ان نذكر هنا قصتين لا تخلوان من طرافة :
الأولى :
ان أحدهم حسد عالماً من العلماء استطاع ان يحفر له مكانةً متميزة في قلب السلطان المغولي فقرّبه وأدناه وأضحى مستشاره الخاص ….
وحين ماتت احدى قريبات السلطان المغولي – وقد كان يحبها بشكل استثنائي – وجد الحاسد فرصته الذهبية للتخلص من العالِم ، ورسم الخطة الماكرة وجاء الى السلطان وقال :
ان المتوفاة عزيزة عليك للغاية ، ولاشك في أنك ترغب في إنقاذها وإبعاد شبح الحيرة والاضطراب عنها …
قال السلطان :
نعم لاشك في ذلك
قال الحاسد :
اذن فليصدر أمرُك بانهاء حياة العالِم المقرب منك ، وليدفن بالقرب منها ، لكي تستطيع ان تتعلم من خلاله الجواب الصحيح عن اسئلة منكر ونكير ، اذا جاءا يسألانها – وهي جديدةُ عهد بالاسلام – ….
فاستدعى السلطان العالِم المذكور وأخبره بما سمع .
وهنا بادَرَهُ العالم قائلاً :
اذا كنتُ راغباً بذلك فاستبقِني لك ، وأرسلْ صاحب الاقتراح ليقوم الآن بالمهمة مع ” المتوفاة ” العزيزة ..!!
وهكذا وقع الحاسد في البئر الذي حفره .
الثانية
ذكرت بعض المدّونات ، قصة وزير حاسد لِبَدَويّ استطاع ان يحظى بمكانة متميزة عند المعتصم ، وخطط للخلاص منه …
وخلاصتها :
ان الوزير المذكور دعا البدويَّ الى منزله ، وكانت المائدة حافلة بالوان الأطعمة والأشربة اللذيذة، وقد أكثر الوزير فيها من الثوم ، وللثوم – كما هو معلوم رائحة غير محببة –
وحين خرج الرجل من دار الوزير قال له :
احذر ان يشم منك (المعتصم) رائحة الثوم ،
ثم ذهب الوزير الى المعتصم وقال له :
ان هذا البدوي المقرّب اليك ، قال عنك أنك أبخرُ الفم – اي ان لفمك رائحة كريهة – فغضب المعتصم ، واستدعى البدوي فوراً ، وحين جاءه ، كان قد وضع يده على فمه مخافة ان يشم المعتصم منه رائحة الثوم .
فلما رآه فعل ذلك ، صدّق كلام الوزير ، وقرر الانتقام من البدوي .
كتب كتابا الى بعض عمّاله يقول فيه :
” اذا وصل اليك كتابي فاضرب عنق حامله “
ثم دفعه الى البدوي ، وقال له :
اذهب بكتابي الى عاملي فلان .
فأخذه البدوي وهو لايعلم بما فيه، وفي الطريق التقى الوزير الحسود ، فسأله عن مسيره ، فأخبره الخبر ….
وهنا اعتقد الوزير انّ في الكتّاب خيراً كثيرا لحامله ، فطمع به، وقال للبدوي:
اعطني الكتاب لأوصله الى صاحبك وأريحك من هذا العناء ، وأعطيك ألفي درهم .
فوافق البدوي ، وأعطاه الكتاب وأخذ المال .
وحين أوصل الكتاب الى العامل ، أمر بضرب عنقه في الحال …
وهكذا نال جزاء كيدِه ومكرِه وحسدِه .
وبعد أيام :
سأل المعتصم عن وزيره فقيل له :
لم نره منذ أيام
وٍسأل عن البدوي فقيل له :
انه موجود
فتعجب وبعث اليه ، فلما حضر بين يديه سأله عن الكتاب ، فأخبره بقصة الوزير وشرح له ما جرى معه ، وكشف عن سبب وضعه يده على فمه … فعلم المعتصم بحقارة وزيره ، وزاد تعلقه بالبدوي وأحله محله …
أقول :
وسواء كانت القصة صحيحة بالكامل ، أم كانت مشوبة بشيء من المبالغة والتهويل ، فان مغزاها صحيح ، حيث لاينتظر أهل الكيد والحقد الاّ الخسران المبين .