ما تم التطرق اليه سابقاً واحب ان اوضحه هنا اننا في هذا الجهد نتوخى منحى قد يكن جديدأ في مواجهة هذه المعظلة ساعين لتلمس الحقيقة دون التعدي على اي طرف معتمدين المصارحة والاخلاص آملين بذلك مرضاته تعالى. وقد بينا انه :
– لاوجود حقيقي للاسلام على ارض الواقع وما موجود هو المذاهب الاسلامية المتفرقة.
– وجود خلل بين النظرية والتطبيق على مستوى الضاهرة.
– ممارسات مايسمى بالمسلمين ( اتباع المذاهب ) تتعارض وتعاليم الاسلام الداعية لوحدة الصف وعدم الفرقة ولاتؤدي الى التعاون فيما بينهم بل وتشجع على التفرقة حتى في اقدس مكان لديهم وهو بيت الله تعالى.
– كل الجهود الحميدة التي بذلت عبر التاريخ من قبل المصلحين ودعاة الوحدة الاسلامية والمنظمات الاسلامية وكل الدعوات عبر الاعلام المرئي او المكتوب والمسموع فشلت ولم تحقق اي شيئ.
– دور الحوزات والمراكز الدينية في النجف وقم والازهر وبقية مناطق العالم ودور كل ما يسمى بعلماء الدين ورجاله عجز عن ان يؤدي اي انجاز ايجابي في هذا الطريق.
– ستنتهي نكسة داعش عاجلاً ام آجلاً. ولكن ماذا بعد؟، هل ستتحسن العلاقة بين المذاهب ؟. وهل ان الحالة التي اعتادة عليها هذه المذاهب مع غياب حقيقي لوجود الاسلام بمعناه المحمدي الاصيل مقنعة توجب التوقف عندها؟.
لهذا يجب تبني منحى الاسترسال العلمي في البحث وليس الطريقة الشرقية والمذهبية المعتادة. فما دأب عليه الكتاب والباحثون وحتى المحققون من اعلام المذاهب الاسلامية هو وضع النتيجة في اذهانهم سلفاً والعمل على سحب (بل جرجرت) وتذليل كل الادلة ولي عنق الحقيقة التي يستهدون بها لتوصلهم الى تلك النتيجة وحينها يعلنون انتصارهم وتحقيقهم نصراً لصالح المذهب. اي ان بحثهم ليس لتلمس الحقيقة المجردة انما لهدف مناصرة ما ينتمون اليه وغايتهم الكبرى هو شعورهم بنشوة النصر وهم يعلنون انتصارهم الذي كانوا يرمون اليه.
هذا هو بعينه فساد الطرق الاستدلالية لاعلام فكر المذاهب الاسلامية التي جعلت من الامر يتقوقع الى ما هو عليه لحد الان ولا اضنه سيعتدل الى يوم القيامة بكل صراحة وسنعقب على هذا الامر في حينه . نعم انه يأس من حالة المذاهب ولكننا ملزمين بتبيان ما نستطيع ابراءً للذمة امام الله تعالى وطلباً للاصلاح احتراماً لمخلوقه الذي كرمه بصريح قرآنه وعلنا نهتدي الى مخرج.
وقد جسد هذا اليأس قبلنا كثيرون من دعاة الوحدة الاسلامية واشهرهم من الفريقين الشيعي (الداعية عبد الكريم الزنجاني) ومحمد جمال الدين الافغاني من الطرف الآخر في عبارته المشهورة بعد جهد جهيد ( لقد اتفق المسلمون على ان لايتفقوا ) وهي ايضاً عبارة مغلوطة بمفهومها العقائدي والاستدلال اللغوي، حيث كان الاجدر به القول لقد اتفق اصحاب المذاهب على ان لايتفقوا ، وألا لوكانوا مسلمين لكان الاتفاق تحصيل حاصل ويصبح الكلام في غير موقعه وفاقد المصداقية بحقهم، انما قد يصح بحدود المصطلح العرفي لاغير.
اننا نستطيع وبكل بساطة ان نقول ان الخلاف بين المذاهب هو اختلاف في بعض الامور العبادية المعينة التي نمت وتجذرت عبر التأريخ بسبب خلاف عقائدي حول الامامة اصلاً التي تعمقت وتطورت بسبب متعلقاتها كالعصمة والولاية وما لها من تبعات يقودها ويسيرها بدون هوادة العامل السياسي وطموحات الزعامة والتسلط مع وجود الانا والرغبات الانسانية في دنيا غرور يلعب فيها الشيطان دوره بكل قوة.
ولكن هذا ليس بجديد وهو ما ابقى الحال على ما هو عليه كما قلنا.
ان مانريده هنا هو اكثر من ذلك بكثير :
* نريد ان نتأكد ما هو سبب هذه المذابح الطائفية الممتدة على طول هذه القرون والتي تعاود بين برهة واخرى رغم ان التعاليم الاسلامية وكل ادبيات هذا الدين تدعوا الى التآخي والمحبة والتعاون، والطامة الكبرى ان جميع اتباع مذاهب هذا الدين يؤمنون بهذه المباديء ويترنمون بل ويفتخرون بها في محافلهم.
هل هو نفاق ؟ ام ضحك على الذقون؟ ام رياء امام الله؟ ام ادعاء كاذب؟ ، ام عدم فهم؟ ام ماذا؟!!!.
* ونريد ان نفهم هل بامكاننا وضع حد لهذا التسيب المذهبي ان صح التعبير، وهل يمكن اعتبار ذلك تجني على الفكر الاسلامي وتلاعب بما جاء به الرسول (ص) ؟. ومن يحدد ذلك وكيف؟
* نريد ان نفهم لماذا اخذ بعض اصحاب المذاهب مايروق لهم من امور مقننة في اوقات محددة وطبقوها بكل قوة وصلافة ولم يعيروا اهتماماً لتعاليم عظيمة اخرى تعد هي الاساس في قيام هذا الفكر كالتسامح والتعاون والبناء والتأكيد على مكارم الاخلاق ( انما بعثت ليأوتمم مكارم الاخلاق ) ومعلوم (انما) هنا هي اداة حصر، والقاعدة الاساسية في حرية الاعتناق ( لا اكراه في الدين ).
* نريد ان نتأكد هل ان العامل السياسي هو الذي اثر في الفكر الديني ام العكس صحيح وكيف، وهل اصبح الخطاب الديني دون مستوى الخطاب السياسي..الخ.
* كيف حصل ويحصل هذا الامر مع تواجد ماكينة دينية رهيبة تمتلك كل ما تحتاجه لتحصين هذا الفكر لو كانت الطرق المتبعة صحيحة والنوايا خالصة سليمة تمتلك كامل الثقة بنفسها ولاتخاف في الله لومة لائم معتمدة في ذلك عليه تعالى.
ولابد لي من الاشارة هنا الى قوله تعالى ( نحن انزلنا الذكر وانا له لحافظون ) حيث يعني بها تعالى القرآن ، فكأنما يشير تعالى الى انه سيحفظ القرآن من اي تلاعب من ناحية ومن ناحية اخرى ان الادبيات والممارسات الاسلامية بما يشكل مجموعها الجسم الاسلامي غير مشموله بهذا الحفظ فالآية مقيدة بالذكر، وان الله تعالى حافظ لكتابه رغم التلاعب الذي سيحل بهذا الفكر الذي اساسه هذا الكتاب، وهو على ما ارى مدخل دسم لبحث واسع عميق يجب ربطه بمسيرة الممارسات المذهبية.
فما يسمى بعلماء الاسلام ( اوعلماء المذاهب )، والكتّاب ودعاة الوحدة ورجال الدين والمراكز المذهبية في قم والنجف والازهر وغيرها من المناطق والمؤتمرات والمنطمات الاسلامية والتنظيمات والكيانات الاخرى والمظاهر والطقوس التي يمتاز بها الشيعة اكثر من غيرهم ووو….الخ امكانات رهيبة لم يمتلكها اي فكر آخر ولكن النتائج كلها عبثية لاخير يرتجى من ورائها بكل صراحة غير المزيد من الخلافات وضياع الجهود وقتل الوقت وسفك الدماء.
* ثم ما هو دور الاجتهاد وفتح باب الفتوى في ذلك؟.
وازاء هذا الواقع المضحك المبكي الا يحق للمتتبع القول لو اعتبر اتباع هذه المذاهب كل منهم ينتمي لدين معين ونتصور ولو خيالاً عدم وجود علاقة دينية بينهم ونلغي مصطلح الاسلام (طبعاً هذا فرض وفرض المحال ليس بمحال ) فلربما وفرنا اموراً كثيرة منها :
* يخف التناحر والتسقيط فيما بينهم وعدم تركيزهم على بعضهم البعض ومحاولة الانتصار عليه.
* وفي هذا توفير لوقتهم وعدم ضياعه في المناحرات كما يفعل البعض بحيث انه جند كل حياته ووقته ومحاضراته ومجهوده الفكري في اثبات خطأ المذاهب الاخرى وصحة مذهبه. وهنا يمكن اطلاعنا على بعض الكتب والفتاوى المذهبية التي تزخر بما يندى الجبين لذكره.
* التوجه الى حالة البناء وعدم ضياع هذه الجهود فيما سبق ذكره.
* ربما سوف لاتصل الامور الى هذا الحد من المذابح المذهبية فلا نلاحظ هذا التناحر بين اصحاب المذاهب الاسلامية والمسيح او اليهود او حتى الزرادشتيه والبوذية او الديانات الاخرى، اللهم الا بينهم وبين الهندوس لانهم يعيشون في بلد واحد ولاسباب اقتصادية وتخلف ثقافي اكثر منها دينية.
اننا نريد اتباع آلية سليمة للبحث، وطريقة علمية تماماً كما يتبع في طرق البحوث العلمية (Research ) التي تسمى بالبحث العشوائي ( Random selection ). هذه الطريقة تختلف تماماً عن المنهج الساذج المخطوء ( المذكور اعلاه ) الذي يتبعه اصحاب المذاهب في استدلالهم ، انه يختار اولياته بكل عفوية ضمن المشروع المراد دراسته ويتم البحث دون تحديد النتيجة مسبقاً ( كما يتبع اصحاب المذاهب ) بل السعي للحصول عليها من خلال تحري هذه النماذج مهما كانت وعندها يجب اعتمادها بكل موضوعية.
وهنا امر غاية في الاهمية فيجب تحديد النماذج التي يمكن الاعتماد عليها وهي مشكلة عظمى:
فهل سنعتمد على القرآن والسنة فقط، واذا تم ذلك فما هي المواقف من المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ وكيف نتخلص من التأويل ونتمسك بالتفسير ومن يحدد ذلك. واما موضوع السنة باعتبارها اقوال الرسول وافعاله (ص) . فهي مشكلة متزامنة فعلم الجرح والتعديل لم يداوي جرحاً ان لم يكن اسهم في زيادة الشرخ بين الطوائف، وهنالك الروايات وما ادراك ما الروايات ومن لها ليتمحص الخبيث من الطيب فيها. هذا ما يجسد عظم المشكلة ومديات تعقيداتها وصعوبتها ولماذا لم يوجد من نجح فيها ولماذا نأى الكثير بانفسهم عنها وبقي الحال في ترد يوم بعد يوم.
وسنحاول التطرق الى كيفية تبني هذه الالية وما هي صفات المتصدي لهذا العمل وما هي الامكانات التي يجب ان يتمتع بها وقبل ذلك ما هي الشروط الواجب توافرها في الاوساط المذهبية التي تريد العيش بسلام والبناء الحقيقي الذي اراده الله لتمهيد وضع افضل للاجيال القادمة وليس الذبح والدمار والتهالك على مغريات الدنيا من امور ما انزل الله بها من سلطان علنا نهتدي الى مخرج.
نتمنى من الله حسن العاقبه وهو تعالى من وراء القصد