عام 1991 ..وبعد قمع الديكتاتور للانتفاضة الشعبانية وتمكنه من السيطرة على الشارع العراقي, امر مدير امن النجف جمع عدد كبير من المعممين. وقف مدير الامن يتصفح الوجوه , ثم امرهم ً بنزع العمامة , واضطر الموجودون الى تنفيذ امر الضابط.. ولكن.. قد افزع الضابط استهانة احد المعممين به, الذي بقي لابساً للعمامة، وكانه لم يسمع الامر, فصرخ الضابط بأعلى صوته : انزع عمامتك … الا ان الشخص المعمم لم يتحرك وكأن الأمر لا يعنيه..
أشتاط الضابط غضباً.. وانتهر أحد مساعديه : انزع عمامته … فهرول مساعد الضابط الى المعمم لتنفيذ الامر.. فرفع المعمم يده ِ ووضعها على العمامة, وحاول مساعد الضابط ان ينزع العمامة فلم يتمكن…
صاح الضابط : انزع عنه سرواله..
فوضع المعمم يده على السروال, حاول مساعد الضابط ان ينتهز الفرصة لنزع العمامة, فأرجع المعمم يديه لمسك العمامة, وأستمرت محاولات مساعد الضابط بين انزاع العمامة, ونزع السروال والسيد الصدر يضع يده على العمامة مرة وعلى السروال مرة اخرى دون ان يسمح لهم بنزع العمامة او السروال.. فأندهش الضابط لذلك وأمر مساعده بأن يترك الصدر على حاله وارجاعه الى السجن.
ان هذه الحادثة وتصرف الصدر فيها تعطي صورة واضحة عن المنهج الصدري في الحركة والمقاومة وتستند الى اسس عقائدية اهمها الاتي :-
اولا: ان العمامة لها رمزية, مقابل الرموز الاخرى , ويجب احترام هذه الرمز.. والمحافظة عليه مقابل استهانة السلطة به ومحاولة اسقاطه , لذا بذل الصدر ما في وسعه وعارض نزع العمامة بالاسلوب الممكن ليفرغ ذمته بعد بذل وفعل ما في وسعه.
ثانيا: ان نزع السروال ينتج كشف للعورة, ويجب على الصدر كمكلف ان لا يسمح بذلك قدر المستطاع لذا وضع يديه على السروال .
ثالثا: عند محاولة مساعد الضابط نزع السروال ثم العمامة , حصل التزاحم في الواجبات , لذا بذل الصدر ما يمكنه من منع الأمرين .
رابعا: لم يكن صعباً على الضابط ان يستخدم اساليب اكثر قوة لأجبار الصدر على نزع العمامة , الا ان بذل الوسع من قبل الصدر , انهى تكليفه امام السماء فليس من الحكمة الالهية ان يتعرض الصدر لظروف اشد , خارج الامكانية والوسع ولا تقع ضمن تكليفه , لان الحادثة في التخطيط الالهي , هي مجرد اختبار للسيد ولبقية المعممين وقــد انتهى الاختبار بامكانية المقاومة للتصرف الظالم من قبل السطة.. وانتهى الاختبار بنجاح الصدر .
خامسا: هل كان تصرف الصدر منطقياً وموضوعياً ؟ مع الالتفات الى ان اجهزة الامن في العراق تتقصد أهانة المواطن وخاصة الحوزوي, فانها لن تتوقف عن الايذاء في حالة نفذ الصدر امر الضابط او لم ينفذ, لذا رأى الصدر ان ضرر تنفيذ الامر اكبر من عدم التنفيذ.
سادسا: لماذا لم يعمل الصدر بالتقية وهي واجبة شرعا ً ..؟ ان التقية حسب فهم الصدر هي الحفاظ على سلامة الدين وليس السلامة الشخصية , ومن هذا المنطلق يكون الصدر عاملا ً بالتقية .
سابعا: لماذا تراجع الضابط عن امره..؟ نحن, نؤمن بوجود محرك واحد للوجود وهو الخالق (عزوجل) وأن مجريات الاحداث هي لغرض الابتلاء ( الاختبار) .. ثم الفشل اوالنجاح في مسيرة التكامل فلم يكن الامر خارجا ً عن التخطيط الالهي, ولو اهملنا هذا الجانب ونظرنا الى الاسباب المادية فقط, يمكن القول أن الضابط من البشر, وتؤثر فيه القيم والمواقف القيمة..
ثامنا: اعتقد ان هذه الحادثة هي المنهج العام لحركة الصدر, فأن كل ما صدر عن الصدر وردود فعله, خلال السنوات اللاحقة , هو أفراغ ذمته تجاه الإحكام الإلهية وبذل ما في وسعه, بحيث يحرز سلامة الدين اولا ً ثم سلامته الشخصية وليس العكس .
تاسعا: ان هذه الحادثة ,توضح فلسفـة العمل النبوي والرسالي… وللحديث بقية.