كان آباؤنا يستمتعون باعادة سرد تلك الحكاية عن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم حين ارتدى ملابس تخفي شخصيته ذات صباح ليطلع على شؤون المواطنين وحين مر بأحد افران الخبز لاحظ ان حجم الرغيف صغيرا الى حد ما ولاحظ ايضا وجود صورة كبيرة له ملصقة على جدار الفرن ..وقتها قال للخباز : الم يكن من الافضل لك لو صغرت من حجم صورة الزعيم وكبرت من حجم رغيف الخبز؟!
هذه الفلسفة ،مازالت تحسب للزعيم الراحل حتى لو فشل وقتها في ادارة البلد في نواح اخرى فكل شيء يرتبط بالرغيف لدى كل شعوب الارض فهو من يصبح اغلى من الذهب خلال كوارث المجاعة ، وهو مايجعل الشعب مرفها ومتقدما اذا مااكتفت منه البطون والتفت اصحابها لتطوير بلدانهم ..
في زمن الدكتاتور السابق صدام حسين ، كانت الصورة تكبر يوميا وتزداد انتشارا في كل مكان بينما يصغر الرغيف ويرتفع سعره ويغدو تحصيله اكثر صعوبة لدرجة ان فترة الحصار الاقتصادي عودت الشعب على هضم الطحين المتعفن والاسود والمخلوط بشوائب كان اغربها برادة الحديد …وقتها اجبر غلاء الرغيف وشحته بعض الموظفين على مد اياديهم وقبول الرشوة وانتشرت الدروس الخصوصية بعد ان كان يشمئز من ذكرها المدرسون ..وبهذه الطريقة ، حوصر المواطن العراقي فاختل توازنه الاخلاقي والنفسي وانعكس ذلك على سير العمل في الدوائر والوزارات فلم يعد المراجع يسمع كلمة ( تعال باجر ) اذا مارس فعل ( التوريق ) ويمكن للمريض الحصول على دواء شحيح من بعض المستشفيات مقابل مبلغ معين ويسهل على الجندي العودة الى اهله باجازة طويلة اذا تخلى عن جزء من راتبه للضابط !!
بعد سقوط الدكتاتور ، ظهرت حالات ايجابية في بعض الوزارات والمدارس فبات البعض يرفض الرشوة لحصوله على راتب مناسب اعاد اليه توازنه الاخلاقي والنفسي ..وقتها لم تكن هناك صورة واحدة ملصقة على الجدران بل تعددت الصور وصار على المواطن ان يختار منها باسلوب ديمقراطي حضاري …لم تدم هذه النعمة طويلا حتى عادت الدكتاتورية بلباس جديد وعادت الصورة الواحدة لتزيح كل الصور وتحتل الشوارع والساحات وصار الرغيف من جديد مطلبا شعبيا وآهة كبيرة في لوحة الوجع العراقي وعاد الفساد لينخر النفوس قبل الدوائر وتعفنت بعض الذمم وامتلأت الضمائر بالشوائب ..
اليوم ، تختفي الصور فجاة وينتهي عهد المالكي ليبدأ عهد العبادي ..يداعب الأمل نفوس عديدة ليس بتغيير الوجوه او الالقاب او الاحزاب والكتل بل بتغيير الصور فمازال اغلبنا يتذكر حكاية والده عن مقارنة حجم الرغيف بالصورة ومازلنا نحلم برئيس حكومة يختزل من عدد واحجام صوره في الشوارع ويضاعف من حجم رغيف الخبز وكميته ليشبع بطونا ذاقت الجوع في بلد النفط عسى ان تلتفت الى بناء وتطوير البلد بعد شعورها بالاكتفاء واحترام قيمة الانسان ….