22 نوفمبر، 2024 7:55 ص
Search
Close this search box.

دراسة نقدية تحليلية براغماتية للمجموعة القصصية / تجاعيد زمن

دراسة نقدية تحليلية براغماتية للمجموعة القصصية / تجاعيد زمن

للقاصّة السورية  عبير العطار

أولاً – المقدمة :

لقد تم إدراج هذه المجموعة القصصية / تجاعيد زمن / تحت تجنيس  قصص قصيرة جداً, ولي على هذه التسمية ملاحظة, اخترت أن تكون في المقدمة, لإنصاف هذه المجموعة القصصية, وغيرها مما يُدرج تحت هذا المسمى …

إن القص القصير جداً هو قص ذاتي بحبكة ,وتعتبر تلك الحبكة خطوطاً رئيسية لقصة قصيرة , فلو أدخلنا عليها العناصر السردية والبناء الجمالي , من أسلوب وصور وعلم الجمال والبلاغة والحوار( عمق أدبي) , لصارت قصاً قصيراً.. إذاً لا يجوز أن نقول قص قصير جداً , بل نقول قص مكثّف .

وكلمة مكثّف تدخل القص عمقاً, وتدخله طائلة القص القصير وهذا العمق، إما أن يكون خيالياً( انزياح ), أو عمقاً رمزياً ( مذاهب أدبية ),لذلك يدخل تحت جلباب القص القصيرقسراً شكلاً مضموناً رمزياً مخبوءاً , والعكس يعود بنا نحو حبكة إخبارية صحفية ، لا قيمة ادبية فيها بل تقرير اخباري فقط.

الأديبة عبير العطار, عرفتها قاصة وشاعرة , وقريباً روائية , تتميز كتاباتها بعاطفة جياشة , وعمق في المعنى, وأناقة في المبنى …

ويسرني جداً أن أعرض مجموعتها هذه لنقد براغماتي ، وسآتي على تبيان ملامحه في السياق.

ثانياً- الشكل البصري :

بالمجمل الكتاب مجموعة من القصص المكثفة, تخلّلتها أعمدة رمزية تشير إلى بناء فني مخبوء بعناصر قص واضحة ( صراع درمي ,عقدة , انفراج نهاية )

التزمت فيها الكاتبة بالشمكل النموذجي للقص المكثف , ترتيب العنوان والسطور والجمل والفقرات والاعمدة الرمزية, واستخدمت أدوات التنقيط, النقطة والفارزة وعلامات التعجب والاستفهام , والهوامش . والنصوص بالمعظم  قصص مكثفة وجدانية رمزية بمسحة فلسفية ،لذلك خضعت لنظرية الفن للمجتمع, تحت المذهب الرمزي, بذلك تكون كلمة جداً هي دخيلة على القص القصير وهي خطأ ترجمي لنص اجنبي ليس له صلة بعناصر القص والنص العربي, حين تأخذ به نحوالإخبار الخالي من العمق الأدبي, وباتجاه التقرير الإخباري الصحفي (nonfiction ), وهذا الخطأ الترجمي ، وقع فيه الغير متبصّرين بالعناصر الأدبية وصار لهم منهاحاً خاطئاً .
1- البناء الهيكلي أو الفني للنصوص :

# العنوان : بوابة الكتاب , ويكون غالباً ملخصاً لمجمل مواضيع المجموعة , / تجاعيد زمن / لفظتان نكرتان ترتبطان مع بعضهما بالعلاقة السببية , الأولى نتيجة سبّبتها الثانية , لندرك أن المضمون قصص تحكيها القاصّة بارتجاع زمني يبدأ من حاضر معاش, ويعود باتجاه الماضي.. باختصار ثنائية / المسبب _ النتيجة /.

# الحبكة العامة للنصوص والزمكانية :

الحبكة العامة في معظم قصص المجموعة تدور حول المرأة بشكل عام , وما تتعرض له من هزائم وخيبات بحق أنوثتها وكيانها, وعاطفتها وتضحياتها …

إن الزمكانية في القص المكثف, فهو أشبه بلقطة فوتوغرافية , تعبّر عن زمان ومكان متوافقين, إلّا أنها في نفس اللحظة قد تمثل تجربة زمانية كاملة .

في قصة الزهايمر , حيث ذكرت القاصّة الزمان ( بعد ثلاثين سنة ) والمكان ( المقهى ) وكانت الزمكانية هي الهيكل الأساسي الذي قام عليه النص ( ألزهايمر ):

التقيا بعد ثلاثين عاماً, جلسا في المقهى الذي عفا عليه الزمن وجار , تسامرا حتى وقت متأخر والضحكات تملأ المكان وتنثره بالحنين , ثم فاجأته بالسؤال : من أنت ؟.

# الصراع الدرامي :

بالنظر للشح السردي البصري الظاهر , نلمح الصراع الدرامي مخبوءاً بأعمدة رمزية , وكأننا أمام تل بالظاهرعلينا صعوده بقفزة واحدة , لنصل إلى المفاجأة الكامنة خلف هذا التل ( النهاية المباغتة ), لكن الحقيقة مغايرة تماماً فلذلك التل تفاصيل معروفة ممكن مشاهدتها بصريا ولا حاجة لذكرها فاخذها التكثيف عفوياً , وإذ علينا الوقوف والتفكير ملياً , هذه القفزة الظاهرة نتخطى بها العديد من الحواجز الظاهرة في البناء الفني للقص العادي ,وهنا يتضح أن القص المكثف هو نوع صعب المنال والتناول, ويحتاج كاتباً مثقفاً ومتفهماً بصياغة الأعمدة الرمزية, التي تحمل في طياتها معانٍ كثيرة مكبوسة, لو انفرط عقدها لملأت صفحات غير قابلة للعد والحساب.

لنعاين ذلك في نص (النصف المبتور):

رأته في غفلة من الزمن فبكت , هل من المعقول أن تجد نصفها بعد غياب سنين ؟ جرت نحوه وجرى نحوها كقطبين لا حيلة لهما . وقفا يتأملان نفسيهما كمرآة نصفها رجل ونصفها امرأة , ارتسمت على وجهها ابتسامة وعلى وجهه حزن عميق , أدار ظهره ومشى , فقد واجهه الأطباء بأنه لايستطيع .

لننظر إلى شدة التكثيف في عبارة ( غفلة من الزمن ) فيها سرد درامي مخبوء تم تكثيفه بشدة , نلاحظ تكثيف مشهد اللقاء ( كقطبين لا حيلة لها ) الموقف بحد ذاته لو كُتب سرداً ظاهرأً لاستهلك عدة أسطر, ننظر إلى عبارة (وقفا يتأملان نفسيهما كمرآة نصفها رجل ونصفها امرأة ) هي عمود رمزي عميق جداً, للإشارة إلى التناصف الإنساني بين الرجل والمرأة, أي قسّم لله الدنيا مناصفة بين الذكر والأنثى في كل ممالك الله , ومنها المملكة البشرية , وفي ذلك إشارة إلى الناحية التكاثرية الجنسية , هما ينظران إلى إمكانية اجتماعهما بزواج لإنتاج ذرية , لتأتي العقدة بابتسامة على وجهها ( هي سليمة ) وعلى وجهه حزن عميق (هو عاجز )

# العقدة :

وعلينا أن نستشفها استشفافاً, من خلال الصراع الدرامي المخبوء في السرد المكثف  , لكنها نلمح ذلك في قصة (إغواء ) :

أمطرتها العذوبة لتوقظ البذور النائمة في حقل القلب..

تثاءبت بكسل, و وتراقصت في انتشاء..

نمت الأوراق فحشاً , فأعلنوا وقت الحصاد.

جاءت العقدة متماهية مع تنامي الحبكة , التي كانت ذات انزياح رمزي كبير جداً , بدأ منذ الاستهلال , علاقة محرمة ( زنى), وصفتهاالكاتبة كعملية زراعية بدأت بالسقي, وانتاش البذور , حتى تشكلت ونمت الأوراق(جنين )في الأحشاء سفاحاً, ولتأتي النهاية متجانسة مع الزرع , النهاية حصاداً ,  والحصاد من جنس البذر, نهاية مفتوحة قد تكون القتل .

# النهاية :

الخاتمة المباغتة لها أهميتها الكبيرة , حيث أن أفق القارئ يكون في هذا الجنس الأدبي مهيّئاً لهذا النوع من المخالفة والمخاتلة. ولا أبالغ إذا قلت أن النهاية في القص المكثف هي العمود والصلب الذي يقوم عليه موضوع النص, وكأن النص ما كان ليُكتب لولاه, وقد تميّزت الكاتبة بإجادة صنع هذه النهايات المباغتة , ننظر في نص( هل من مشتري) كيف نقلتنا الكاتبة فجأة, وأخرجتنا بدهاء من أجواء النص, بعد أن أمعنت بحبكه, وأوهمتنا أن المباع امرأة تتاجر بجسدها , لنفاجأ أنها ( صينية )!

تتلكأ في طوافها حول الموائد, تنتهز فرصة الاستجابة لكل حاضر , وتتبادل والبشر كل ما تمليه عليها قائمة الرغبات .

تظل متأهبة باستمرار, لا تعرف الراحة إلا حين تدخل مذبحة الانتهاء بفيض من الماء, وكثير من الصابون المذيّل بالفقاعات , فُتح المزاد وقالوا : صينية من العصر الملكي .

ثالثاً- النسيج الجمالي :

-1الأسلوب Style

نلمس لدى الكاتبة مقدرة كبيرة , في استخدام الأعمدة الرمزية, بما يخدم فكرة النص , وهذة حرفنة تحسب للكاتبة, اعتمدت الألفاظ السهلة , لكن التراكيب هي من ملكت صفات العمق والفاعلية , تملك الكاتبة مقدرة في التلاعب بالألفاظ, مكّنتها من صناعة الكلام , بمستوى لغوي جيد .

-2السرد Narration :

إن السرد في القص المكثف, هو سرد مخبوء بالتكثيف , لا نرى سرداً ظاهراً باستفاضة, وإنماعمق سردي يتضح فيه عبقرية الكاتب وحرفيته في صياغة الأعمدة الرمزية المعبرة عن فكرته الاساسية , كثافة مفردات وتحميلها معان مفترضة مخبوءة , لو كُتبت ظاهرة ، لغطت صفحات وصفحات, ولو تسلسلت تلك الأعمدة المكثفة السردية , لأخذت حبكة وصراع وعقدة ونهاية , وكل ذلك مخبوء بالعمق,  وهذا ما يسمى بالعمق الرمزي. فإذا خلا النص القصير من العمق , فهو ليس أدباً , بل حبكة إخبارية لخبر صحفي . والقص المكثف يعتمد العمق الرمزي بالتحدي وترك العنان للتفكر وصياغة الاحتمالات المختلفة من متلق لآخر….

-3 الوصف والصور :

إذا كان العمق خيالي , حينها يدخل النص تحت عباءة مذهب من المذاهب الأربعة / الواقعية- الرمزية –الرومانسية– السريالية /ويقترن بالتكثيف , أي يسير بالتوازي مع القسم الأول وتكون له عناصر القص القصير , من صراع درامي وزمكانية وعقدة وانفراج ونهاية , لأن تلك العناصر ذاتية , فهي تدخل بشكل أوتوماتيكي ذاتي دون أن يحس بها الكاتب , لذلك يسمى هكذا نص تنصيص محبوك , لاحتوئه على الحبكة التي تجلب بقية العناصر أتوماتيكياً.القصة المكثفة تكتفي بالنزر القليل من الوصف عن طريق بعض الصفات والنعوت والأحوال وبعض الصور البلاغية .

أشير إلى بعضها في نص ( مواجهة ):

هاله العذاب, ضرب العقل كفًّا بكف ..هرع إليه دود الرض مكشراً عن أنيابه, تلعثم العقل وتعجب مما أصابه !

سأله دود الأرض متهكّماً : أين قوتك ؟!

كلها استعارات

-4البلاغة وعلم البيان والبديع :

والخيال وعلم البيان وعلم البديع , لا نراها في القص المكثف, بل أن جمال القص المكثف مقنّن بالعبارات الرمزية لأنه بصري , وهذا ما يسمى بالاقتصاد أو الإيجاز السردي , وهو أيضاً نوع من البلاغة , وهو عكس الإطناب الذي يعتمد على العبارات الزائدة لتأدية المعنى .

يستخدم الكاتب الأفعال بكثرة , ويقلل من الأوصاف التي تتخذ صفة الاقتضاب والاختزال والتكثيف , فخير الكلام ما قل ودل .

-5الحوار Dialogues:

بشكل عام قليل جداً, وإن وجد في بعض النصوص فغالباًهو منولوج داخلي بألفاظ ملائمة وموافقة للشخصية ,اعتمد التركيز والسرعة في التعبير والإيجاز.

لنلاحظ ذلك جيداً في نص ( كالقمر ):

قال لها : أحبك .

صمتت كثيراً, حتى ارتاد غرفة الانعاش .

صرخ أخيراً مطالباً بالإجابة !

قالت بحزم :لا أحب الآفلين.

-6الشخصيات Characters:

بالقص المكثف, الموضوع هو الكاشف عن الشخصية لا العكس , لهذا تشيع فيه ظاهرة ( البطل – الضمير ) وهي في هذه المجموعة واضحة جداً. البطل هو المتسيّد والمتفرّد في النص , وإن وجدت شخصيات أخرى فهي من لدفع الأحداث باتجاه إبراز شخصية البطل ,

في نص( تعذيب) كانت الشخصية الثانية (رجل المخابرات )هو المحرّض لإظهارصفات  الشخصية الأساسية(المرأة ), مع أن البعض يمكن أن يخلط في تحديد البطل بين الشخصيتين :

بحذائه النظامي , راح يقهر كرامتها لتدله على زوجها المجاهد ضد العدوان, لم تنطق بحرف , فعاود الانتقام بدحس رأسها بكل قوة ,نظر في عينيها الذابلتين , وفجأة اختل توازنه أمام صلابة الإرادة.

رابعاً- المداخل النظرية والعلمية التي دخلتُ من خلالها لأعماق النصوص ومخبوءاتها الداخلية في هذا النقد:
1- المدخل الاستنباطي Inference Empathy Theory:

إن نصوص الكاتبة عبير العطار زاخرة بالحكم والمواعظ الإنسانية , وهي تستحق تشغيل مظاهر الاستنباط والتقمص الوجداني , والتقابل المعرفي بين تجربة الكاتبة وما تحمله من مفاهيم, ومحاكاتها فكرياً مع ما أحمله أنا كناقدة وكاتبة للقص المكثف , أو ما يحمله أي متلقي ذكي يبحث عن مخبوءات النص الرصينة , التي تقوم وتستند على مفاهيم ونظريات علمية وفلسفية , كهذه النظرية الاستنباطية التي تتيح لنا مجال التقمص الوجداني تطبيق تجربتنا الذاتية كشكل مقارن بالتقمص لتجربة الكاتبة , أي أن الناقد إن ملك القدرة والدراية العلمية , على تقمص حالة الأديب السلوكية , بناءً على تجاربه الذاتية السابقة المشابهة والتي مرّ بها الناقد والكاتب , سينتج عن هذا التقمص الإنساني استنباطاً لما يجول في خاطر الأديب , فيستنتج الناقد و يستنبط الأفكار المخبوءة ما بين السطور , وهذا هو الواجب النقدي الأساسي, استخلاص العصارات الفكرية الإنسانية لرسالة الأديب , ونشرها كجزء مهم من المنظومة الأخلاقية للمجتمع,لننظر كيف عالجت الكاتبة موضوع التفاؤل والتشاؤم ,والجهل والخوف , في نصين, كيف أفرغت حكمتها و معتقدها فيهما :

سياسة:

الغراب يقف على أسلاك شائكة , ليس في جعبته ما يملأ الجيوب للرحيل.

استندت الحواجز على ظهر الخوف.. من جهلهم  تشاءموا.

نلاحظ اللهجة التهكمية, في توصيف العلاقة بين الخوف والتشاؤم والجهل, وربطها جميعها بالعنوان ( سياسة ).

حظك اليوم :

أسرع يقلّب صفحات الجريدة , يبحث بنهم شديد عن حظه اليوم , ( وتبقى في الحياة غصة )

ابتسم ليومه , وغادر مصطحباً التفاؤل في حقيبة قلبه.

الوجه الآخر, التفاؤل رغم كل المحبطات .

2-المدخل العقلاني Mentalism Theory:

وهنا يقوم الناقد بالتبحر في النقد من خلال معطيات معرفية سابقة , بعد جمع المعلومات عن النصوص , يقوم بعرضها أو نشرها من خلال هذه البوابة الفكرية العقلانية , ويغني ما لديه من أفكار بالخروج خارج النص من بوابة التناص (texuality) الواسعة نحو أفق المتوازيات ….

هناك العديد من النصوص التي تناصّت فيها الكاتبة مع القرآن الكريم , نذكر منها :

مراهقة متأخرة :

إن وقوف الفراشة على جذع عتيق حرّك في قلبه مشاعر غضة , سمحت له بتقمّص دور الزهرة التي سيمتص رحيقها, ثم دور الشبكة التي سيئد فيها بهجة الفراشة لما اختلج في نفسه حقّه الفردي في امتلاك روحها .

مدّ الجذع أوراقه المتآكلة ليحتضن الفراشة , فسحق الألوان ز

شهد عليه أربعة من الطير , وبفأس البشرية أحالوه مقعداً خشبياً.

عودة الزعيم :

لملمت روحه المبعثرة بعد انتفاضها من جسده , لتبكي روحه خجلاً..

“أريد الرجوع فهل لفقيرأن يعيرني روحه لنستبدل الأقدار ؟ ”

أخبرته ملائكة العذاب :

(( الله الغني وأنتم الفقراء))

3-المدخل الاستفزازي أو السلوكي Behaviorism:

إن الرؤيا البراغماتية تتيح التحليل عن طريق الاستفزاز أو السلوك النفسي للقارئ أو الناقد , حسب المفهوم السلوكي النفسي , حيث يعتمد على عناصرها الأساسية بالبحث عن جميع التساؤلات والجدليات , التي يرفعها الكاتب في عمله الأدبي , والتي تحتاج إلى إجابة أو رد فعل فلسفي أو سياسي ….إلخ .. . من المواضيع الأخرى , أو اشكالية معينة تثير جدلية أو جدليات تغطى بنقاشات مهمة ومفيدة للمتلقي والمجتمع على حد سواء من خلال عناصرها : المحفز Stimulation

و الاستجابة  Response

ومن هذا المدخل , نفذت إلى بعض النصوص, منها نص( القبر ):

أدهشني الجمع الغفير من البشر الحاضرين إلى حيث أتسلّم منهم فقيدهم الغالي الذي ضممته برفق , سالت دموعهم لإيقاظ الفقيد , وانهالت عليه الملائكة بلأسئلة :

_أين أخفيت كتاب أعمالك ؟

قبر يتحدّث..! وملائكة تتساءل سؤال عجيب إذ كيف للملائكة أن تسأل الميت عن كتاب أعماله, وكيف يختفي كتاب أعمال الإنسان ؟ وهل لا يُحاسب ؟ نعم الشهيد لا يُحاسب , والصابر لا يحاسب ( إنما يُوفى الصابرون أجرهم بدون حساب ).

طرح ذكي جداً يُحسب للكاتبة الرائعة.

خامساً-البؤرة الثابتة Static Core :

وتخص أيديولوجية الكاتب الأدبية والفكرية ورأيه الخاص والثابت كرسالة إنسانية موجهة للمجتمع , ونظرته نحو مجتمعه , لا يجوز للناقد تغييرها , أو التلاعب فيها نقدياً , وأراها رسالة تميزت بها الكاتبة عبير العطار , فهي تكتب عن المرأة , وما يلاحقها من خيبات وهزائم في ظل مجتمع ذكوري , لا يعترف بالإنجازات الأنثوية وإن اعترف فلا يقدّرها التقدير الكافي , تحارب الجهل والتخلف من خلال ما تعرضه من قضايا اجتماعية للظلم فيها يد طولى ..وتتبع في سبيل ذلك الأسلوب الرمزي الفلسفي لا يعدم الحكمة والوعظ الخفي .

سادساً- الاحتمالات المتحركة في النصوص Dynamic Possibilities:

وهي حصيلة غير نهائية من الأفكار التي تتوالد بشكل تلقائي منتحليل النص بعقلانية وذرائعية حذرة , وتلاقح أفكاره , وتلك السمة التي تسمى بالرصانة أو الحبك في التنصيص , من يجيد تلك الظاهرة يسمى بالنصّاص.

من خلال غوصي في نصوص الكاتبة عبير العطار , في محاولة مني لاستخراج المخبوء من الأفكار , اصطدت الكثير .. واكتفيت بصيدي وتركت ما بقي للماورائيات , أعرض عليكم بعضه :

1- المعاملة القاسية للمرأة
2- ضعف كيان المرأة في المجتمع العربي
3- عدم اعطاء حقوق المرأة كاملة كما نص عليها الدين    الإسلامي
4- منع المراة من ممارسة حريتها بذاتية واحترام
5- عدم اعطاء حق المساواة للمرأة بالرجل في الحقوق والواجبات
6- المرأة في الحروب هي المستهدف الرئيسي , وهي الضحية الأولى.
7- في ظل الفهم الخاطئ للشرع , تتعرض المرأة للطعن في صميم أنوثتها عندما يتزوج عليها زوجها , دون أي اعتبارات للأذى النفسي الذي يلحقه بها , في جحود واضح .
8- كما أن الطلاق يظل العصا التي تُهدّد به , سيما وأنها في الغالب تضطر لتقبّل المر والعيش بنكد , خوفاً من فقدانها الإعالة , أو خوفاً من فقدانها أولادها , في ظل مجتمع يسوده قوانين مجحفة في حق المطلقات عموماً.
9- عرضها أول ما تُهدّد به .

, ولكم ولباقي النقاد أن تختلفوا معي أو تتفقوا, لا يهم , لأن ما اصطده هو احتمالات متحركة تقبل الموافقة والمخالفة …

أثارت الكاتبة في نصوصها العديد من القضايا والمواضيع , وضعتنا في مواجهتها بطريقة قاسية نوعاً ما , ولكن الواقع أشد قساوة, فما تعانيه المرأة في مجتمعاتنا كبير جدأ, والحلول المطروحة كانت حيرة وانهزام , عناوين القصص كان ذات وقع قوي ومؤلم , ( وأد الكرامة , الخداع ,وهم الانفصال ,النصف المبتور, أحلام الشعب الطائر, فصام قلبي , طلقة طائشة , قيد بالإرادة ,…..إلخ ) حتى عنوان المجموعة نفسها ( تجاعيد زمن ) ينزّ حسرة …

ما لفتني جداً الإهداء :

أهدي قصصي إلى الحياة

كي تنزع عنها التجاعيد

وتظل مثمرة إلى الأبد .

إهداء حزين .. ودعوة إلى الأمل.. تدعو الحياة إلى الأمل …!

حياة من ؟ هي تدعو نفسها , وتدعو كل امرأة أغرقتها الحياة بعجزها ….

سابعاً- الخلقية الأخلاقية للنصوص أو الثيمة Moral Background or Theme :

لقد نجحت الكاتبة في إبراز مظاهر المجتمع, ووظفت الكثير من أدواتها , لتنتج الأدب الرصين , لم تتعرض للمنظومات العامة للمجتمع من أديان وأعراف والقوانين , لذلك كانت نصوصها ملتزمة أخلاقياً , لم أجد فيها خروجاً عن الأخلاق أو الأعراف , لم تعرض لمواضيع طائفية , ولا لمواضيع عرقية , بل كانت عقلانية في رؤيتها الفكرية , ما جعلها محترمة للتنصيص الأدبي الرصين , وملتزمة بأخلاقية الأدب الحقيقي , فلا يُسمح بالتجاوز على منظومة الأخلاق العالمية , كما لا يسمح بالتجاوز على القوانين والأعراف لمجتمع في المعمورة ومحترماً لمبدأ الأدب الملتزم Doctrine of Compensation…..

سابعاً – الخاتمة :

لايسعني في النهاية إلا أن أتقدم بالتهنئة للكاتبة الرائعة عبير العطار على هذا المؤلف الماتع, منتظرين منها نتاجات أخرى بأجناس الأدب الأخرى , ننتظر الرواية ….

تحياتي للجميع .

أحدث المقالات