25 نوفمبر، 2024 11:21 م
Search
Close this search box.

ألاعيب الطواغيت وحيلهم

ألاعيب الطواغيت وحيلهم

-1-
من أهم الفوائد التي تثري مُطالعي كتب التاريخ وُقُفوهُم على ألوانٍ من الحيل والمكائد، التي يمارسها الحكّام الطغاة، الذين لن تفارقهم مخاوفهم على كراسيهم لحظةً من الزمن ، والذين لايتورعون عن الفتك بأقرب الناس اليهم ، متى ما ساورتهم الشكوك الخبيثة فيهم ..!!

-2-
وإنّ الصفحات السوداء، من مكائد وأحابيل السلاطين الجائرين ، هي الجذر التاريخي لكّل ما يقارفه ورثتُهم من الحكّام المعاصرين …

-3-

ومعظم القشريين من الكُتّاب المعاصرين، حتى اولئك الذين يزعمون أنهم من ذوي الحصافة والثقافة – يتهيبون ذِكْرَ الحقيقة ، فتراهم مفتونين بالطواغيت من أمثال المنصور العباسي ، وربما نظروا اليه بتقديس .

مع انه سفاّك للدماء من طراز عجيب، وصاحب خِطط نكراء ، وحِيَلٍ وأحابيل مستهجنة، لم يكن يتورع عنها إزاء مَنْ يظن أنهم لايصطّفون معه ومَنّ يتهمهم بالعمل للاطاحة به ..!!

-4-

ان الراسب التاريخي هو الذي أعمى عيون هذه الثلة من الكُتاّب، فلقد انطلت عليهم حِيَلُ التشدق المزعوم بأهداب الدين ، والحرص على مصالح المسلمين ،والظهور بمظهر الناسكين المتعبدين …

ومن الواضح أنّ الحكم على انسان معيّن، لا ينطلق من ادعاءاته وما يُحيط به نفسه من مظاهر خادعة ، وانما ينطلق من التدقيق في مساراته، وممارساته، ومواقفه، ومقدار تطابقها مع الموازين الشرعية والانسانية والاخلاقية والسياسية .

لاينفعُ الجزّار أن يحج بيت الله الحرام في كلّ عام …

ولا ينفعه أن يؤدي النوافل بعد الفرائض …

فما قيمة الصلاة ان لم تكن رادعة عن الفحشاء والمنكر ؟

وأي مُنكر أكبر من إراقة الدماء ، وازهاق الأرواح، ومصادرة الحريات والحقوق ، والضحك على ذقون الناس …؟!

-5-

واذا كنتَ سمعتَ بأخبار المسارعة الى قَتْل من يأمُرُهم الحكّام الظالمون المعاصرون، باغتيال هذا المعارِض لهم أو ذاك إخفاءً للأمر ، فانّ هذا هو دَيْدَنُ اسلافِهِم ، فهم ورثة الطواغيت الجبارين ….

واليك الآن مثالاً واحداً مما ذكرَتْهُ كتبُ التاريخ عن المنصور العباسيّ .

يحدثنا عيسى بن موسى – والي الكوفة أيام المنصور – :

أنَّ المنصور استدعاه سِرّاً في جوف الليل ، ودفع اليه عّمه (عبد الله بن علي) ثم قال له :

” إنّ هذا أراد أنْ يزيل النعمة عني وعنك ،

وأنت وليُّ عهدي بعد (المهدي) ،

والخلافة صائرة اليك ،

فخذه اليك واقتُلْه ،

وإياك أنْ تحول وتضعف فتنقض عليّ أمري الذي دبّرت “

ثم مضى للحجّ ..!!

وهنا نلاحظ :

1 – اختار (المنصور) ان تكون الصفقة سرّيه ، بدليل استدعائه (عيسى بن موسى) ليلاً بعد ان هجعت العيوم ونام الناس ….

2 – إغراء (عيسى بن موسى) بولاية العهد ، إنْ نجح في أداء ما أَوكلَ اليه ..!!

3 – إشعار (عيسى بن موسى) بان تنفيذ ما أوكل اليه ، يعود عليه بالنفع ، لانَّ (عبد الله بن علي) أراد ان يزيل عنه النعمة ..!!

4 – وكل ذلك تزامن مع بدء رحلته الى الديار المقدّسة لأداء فريضة الحج ..!!

وهكذا تكون المظاهر العبادية الزائفة ، ذلك أنَّ فريضة الحج لَنْ تبدأ باصدار الأوامر بقتل الأرحام والأعمام ..!!

-7-

ولقد أطلع عيسى بن موسى كاتبه (يونس بن فروة) على الأمر

وقال له :

( هذا الرجل – ويعني به المنصور – دفع اليّ عَمَّهُ -، وأمرني بكذا وكذا، فقال :

أراد أنْ يقتلك …

انه أمرك بقَتْله سرّاً ، ثم يدّعي عليك علانيةً ، ثم يقيدُك به ، قال :

فما الرأي ؟

قال :

أنْ تستره في منزلك ، ولا يطلع عليه أحد ، فان طلبه منك علانيةً دفعتَه اليه علانيةً ، ولا تدفعه اليه سرّا )

ولقد كان (يونس بن فروة) ناصحاً

وهذه هي احدى ثمرات الاستشارة …

وبالفعل ، فقد أخذ (عيسى بن موسى) برأي كاتِبِه .

-8-

وحين عاد المنصور من الحج ، دسّ مَنْ يحرّك أعمامَهُ على مطالبته بالافراج عن عمّه عبد الله بن علي .

وهكذا كان …

لقد جاؤوا وكلّموه … وذكروا له الرحم

فقال :

” نعم

عليّ بعيسى بن موسى ، فأتاه

قال :

اني دفعتُ اليك عمي وعمك (عبد الله بن علي) قبل خروجي الى الحج ، وأمرتُك ان يكون في منزلك

قال :

قد فعلتُ ذلك

قال :

فقد كلمنيّ فيه عمومتُك ، فرأيتُ الصفح عنه ، وتخلية سبيلِهِ ،

فأتنا به .

قال :

ألم تأمرني بقتله ؟

قال :

لا ، وانما أمرتك بحبسه عندك

قال :

قد أمرتني بقتله

قال المنصور :

كذبتَ

ثم قال لعمومته :

ان هذا قد أقرّ لكم بقتل أخيكم ، وأدعى أني أمرتُه بذلك وقد كذب .

قالوا :

فادفعه الينا ..!!

أرأيت كيف يكون الكذب والمكر ؟!

-9-

وقام أحد أعمامِهِ ،

وشهر سَيْفَهُ ، وتقدّم الى (عيس بن موسى) ليضربه ،

-من باب القصاص باعتباره قاتلاً لعبد الله بن علي –

فقال له عيسى :

أفاعلٌ أنت ؟

قال :

اي والله ، قال :

فلا تعجل ، فان عمي حيّ، وطلب ان يُرّد الى المنصور ، وحين جيء به اليه قال :

” انما أردت أنْ تقتله فتقتلني ،

هذا عمّك حي .. فان أمرتني بدفعه اليك دفعتُه

قال :

ائتنا ، فأتاه به .

-10-

وحتى بعد انكشاف الفضيحة ، لم يسلم (عبد الله بن علي) عمّ المنصور منه ..!!

جعله في بيت أساسه مِلْحٌ ، وأجرى الماء في أساسه فسقط عليه فمات…

هذه هي قصة احدى الجرائم التي مارسها (المنصور) مع أقرب الناس اليه ، فما بالك بما مارسه مع عامة الناس ؟!

مات المنصور ، ولكنّ التاريخ مازال يذكر جرائمه ومظالمه …

وهنا موطن العبرة

السعيد من الحكّام من يفد على الله وهو برئ من المظالم والجرائم ..، والاّ فان النار بانتظاره ، هذا اذا سلم من يد المنتفضين الأحرار من مواطنيه …

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات