بحسب وجهة نظر السيد الرشتي إنَّ لفظ (الله) لا يشير إلى الذات البحت والمجهول المطلق الذي هو المعبود على وجه الحقيقة، فالذات البحت والمجهول المطلق لا يمكن الاطلاع على كنه ذاته، كما لا يمكن الإحاطة بحقيقة صفاته، فلا اسم له ولا رسم له، يقول السيد الرشتي في هذا السياق: ((الاسم اعتبار المسمّى وهو ينافي كونه ذاتاً بحتاً، ولأنَّ الاسم وضع ليعرف المسمّى به، والمجهول المطلق لا يعرف فلا اسم، فهذه الأسماء التي تطلق عليه تعالى باعتبار ظهوراته وتجلياته في مرايا القوابل، فبكلِّ ظهورٍ ظهر اسمٌ من الأسماء، وبكلِّ تجلٍّ ظهرت صفةٌ من الصفات، فالاسم للظهور، والصفة للتجلِّي)) فباعتبار ظهور الذات البحت بمظهر الإلوهية سمِّي ((الله))، فلفظ ((الله)) اسمٌ لجهة ظهوره بالإلوهية، كما إنَّ اسم ((الرحمن)) صحَّ إطلاقه على الذات البحت من جهة ظهورها بالرحمة الواسعة، ولا يصحُّ إطلاق أيٍّ من الاسمين على الذات البحت من غير تقييدٍ بهذا الظهور الخاصّ بصفتي الإلوهية والرحمة الواسعة. وبناءً على نظرية السيد الرشتي التي تشير إلى وجود العلاقة الذاتية بين الألفاظ والمعاني، فإنه لا يمكن إطلاق اسمٍ على الذات البحت، مستدلاً على هذا المطلب من خلال ما يأتي:
أوَّلاً: إنَّ “القول بأنَّ الله علمٌ على الذات المقدَّسة ووضعٌ بإزائها كلفظ زيدٍ الموضوع بإزاء ذاته ولا يشترك فيه معه أحدٌ إن أريد بالذات, الذات البحت القديم تعالى شأنه وتقدَّس فغلطٌ، لأنَّ الألفاظ والمعاني على ماهو الحقّ عند أهل الحقّ لا بدَّ أن يكون بينهما مناسبةٌ ذاتيةٌ والمناسبة المرتبطة بين الحادث والقديم منفية”.
ثانياً: إنَّ “الاسم إنما وضع ليعرف المسمّى به ولذا ترى أنَّ الشخص إذا كان في مكانٍ خالٍ لا يكون هناك أحدٌ يحتاج إليه وتدعوه الحاجة إلى الاسم لجهة المعرفة ومعرفة الذات الواجب ممتنعة باتفاق المسلمين فلا اسم لها .نعم الاسم لجهة المعرفة وهي جهة الظهور والتجلِّي وهي حادثةٌ لا قديمة (الطريق اليه مسدود والطلب مردود)”
ثالثاً: هناك احتمالان في تحديد الواضع للاسم الذي يشير إلى الذات المقدَّسة لا ثالث لهما، فإما أن يكون الواضع هو الخلق أو الذات المقدَّسة نفسها.
فعلى الأوَّل: لا يمكن التسليم، لوضوح أنَّ معرفة الذات على وجه الحقيقة من جهةِ الخلق ممتنعة، وبالتالي لا يمكن التسليم بافتراض أن يضع الخلق الاسم للذات مع أنهم لا يعرفون المسمّى بوجهٍ، إذ معرفة الشيء ولو على نحو الإجمال شرطٌ أساسيٌّ في إجراء عملية الوضع كما هو معلوم.
وأما على الثاني: فلا يمكن التسليم أيضاً، “لأنَّ الاسم إنما هو للخلق ليعرفوه وهو سبحانه وتعالى لا يحتاج في مرتبة ذاته المقدَّسة إلى اسمٍ وقد نصَّ الله سبحانه بأنه لا يكلِّف نفساً إلا وسعها فلا يكلِّف الخلق بمعرفة ذاته لأنه تكليفٌ بما لا يطاق.
فتكون النتيجة، أنَّ لفظ ((الله)) ليس موضوعاً بإزاء الذات المقدَّسة، من حيث هي هي في الواقع ونفس الأمر، من غير تقييدٍ بظهوراتها وتجلياتها، فلا يصحّ إطلاق الاسم على الذات المقدَّسة المتعالية إلا بعد الالتفات إلى وجود شرط التقييد.
عن المناسبة الذاتية بين الالفاظ والمعاني
يعتقد السيد كاظم الرشتي بوجود العلاقة الذاتية بين الألفاظ والمعاني، لكن بمعنىً خاصّ، فالعلاقة الذاتية بين الألفاظ والمعاني بحسب وجهة نظر الرشتي لا تقوم على أساس الاعتقاد بأنَّ الألفاظ في أصل فطرتها قد وجدت على هيآتها المخصوصة بالضرورة، “وإنما خلقت حروفاً وهي الثمانية والعشرون أو التسعة والعشرون أو الثلاثة والثلاثون وهي
موادٌّ لكلِّ اللغات على اختلافها وكثراتها وتباينها وكلُّها مصوغةٌ منها” جواهر الكلم مجلد 9 ص52، ومن الطبيعيّ أن لا تكون هذه الحروف بنفسها دالَّةً على معانيها قبل أن تخضع لعملية التركيب، بداهة أنَّ “الدلالة إنما تحصل بعد التأليف والتخصيص للمعنى المناسب” لأنَّ الحروف ليس لها معانٍ غير أنفسها، بحسب الحديث المرويّ عن الإمام الرضا عليه السلام، هذا يعني أنَّ الواضع موجود، وأنَّ لها دوراً محورياً في عملية التأليف بين تلك الحروف المناسبة للمعاني المختلفة من أجل أن تنبثق الدلالة بعد ذلك، لكنَّ ما يجب التأكيد عليه هو أنَّ الواضع لا يمكن له أن يؤلف بين الحروف لإنتاج ألفاظٍ بشكلٍ اعتباطيٍّ أو عشوائيّ، لأنه محكومٌ بالصفات والمعاني الذاتية للحروف ابتداءً، فلا يمكن أن يختار بشكلٍ اعتباطيٍّ مجموعة حروفٍ ليؤلف منها لفظاً يطلقه على أيِّ معنى هكذا من دون أن تكون هذه العملية خاضعةً لضوابط وقواعد نابعةٍ من حقيقة أنَّ لهذه الحروف معاني خاصةً بها ترشِّحها لأن تتمتع بصلاحية التوليف فيما بينها، لتنطبق على المعنى المعيَّن دون المعنى المغاير، “فقبل التأليف لم تكن الدلالة والمؤلف هو الواضع إما هو الله سبحانه على ما هو الحقّ أو غيره، ومثال ذلك في الحسِّ السرير مثلاً فإنه قبل التأليف لم يكن سريراً بوجهٍ من الوجوه وإنما كانت خشبة مادة مناسبة بالذات للسرير نوعاً، فإذا أردت ذلك أخذت من المادَّة المناسبة للسرير من الخشب أو الحديد أو الذهب أو الفضة وأمثالها لا مما لا يناسبه كالماء والدهن والعسل والنار والهواء مثلاً فتصوِّر تلك المادَّة وتؤلِّفها على هيئة السرير” ص52-53، فتكون دلالة السرير على نفسه بوساطة مادَّته المناسبة أوَّلاً، وهي الخشب أو الحديد أو الذهب أو الفضة إلخ، مضافاً إلى عمل النجار الذي قام بعملية تأليف السرير من مادَّته المناسبة، كذلك الشأن مع كلِّ لفظٍ لو نظرناه، فإنه “قبل التأليف ما كان إلا مادَّة حرفٍ تصلح لكلِّ اسمٍ كالخشبة مثلاً وتلك الحروف ليس لها معانٍ إلا أنفسها” ص53، فلم يكن للفظ ((زيد)) مثلاً قبل التأليف معنى، إذ إنَّ معنى كلمة ((زيد)) متولِّدٌ من تأليف حروفها الثلاثة بهذا التسلسل الخاصّ والترتيب الخاصّ الذي رتِّبت عليه، وليس هو متولداً من معاني حروفها بغضِّ النظر عن انضمامها طبقاً لهذا التسلسل وبحسب هذا الترتيب.وخلاصة المطلب كما يقرره السيد الرشتي “هو أنَّ الحروف خلقها الله سبحانه مادَّةً صالحةً لجميع الألفاظ واللغات كالتراب الذي خلقه الله سبحانه وجعله مادَّةً لكلِّ الإنسان والحيوان والنبات والجماد فإذا أراد الواضع تعيين لفظٍ لمعنى أخذ مادَّةً من الحروف مناسبةً لمادَّة ذلك المعنى ويصوِّرها بالصورة المناسبة من التقديم والتأخير والتوسيط وأخذ الحروف المجهورة أو المهموسة أو القلقلة أو الإطباق أو المستعلية أو الحروف الحارَّة أو الباردة أو اليابسة أو الرطبة أو الفلكية أو العنصرية وغيرها مما هو معلومٌ عندهم فيقولون إنَّ الدلالة إرشاد اللفظ بمادَّته وصورته على المعنى بتأليف الواضع وتعيينه له كما إنَّ الله سبحانه خلق الأرواح ثمَّ خلق الأجسام مناسباً لها فيناسب كلّ جسدٍ روحه المتعلق به بجعل الله سبحانه وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام المعنى في اللفظ كالروح في الجسد” ص54
ما يمكن ملاحظته في وجهة النظر القصدية الرامية إلى تقرير العلاقة الذاتية بين الألفاظ والمعاني هو الآتي:
الملاحظة الأولى: إنَّ السيد الرشتي يشير إلى أنَّ مسألة التوقيف في إبداع اللغة مقتصرٌ على خلق المادَّة الأولية المتمثلة في الحروف، فإنَّ لها معاني ذاتيةً خاصةً بها نابعةً من خصوصياتٍ فيها، تجعل كلَّ حرفٍ منه مختلفاً عن الحرف الآخر من جهة، ومشتركاً معه من الجهة الأخرى، ولا مبدع لهذه الحروف إلا الله سبحانه، تماماً كما أبدع المادَّة الأولية ((التراب)) التي تعتبر هي العنصر الأساسي في تكوين مختلف الموجودات الحيوانية والنباتية والجمادية، فإنَّ جميع ما هو موجودٌ من هذه الأشياء مما ينتمي إلى هذه الأجناس المختلفة بكلِّ ما ينضوي تحتها من الأنواع، إنما هو مؤلفٌ من هذا العنصر الرئيس الذي هو التراب، وإنما كان الاختلاف فيما بينها بحيث تميزت أجناساً وأنواعاً من جهة إضفاء الهيئة والصورة من خلال التأليف والتركيب.
ثانياً: يختلف المنحى القصدي النابع من هذه الرؤية عن المنحى القصديّ الآخر المتمثل بمختلف الاتجاهات التوقيفية في تقرير نشأة اللغة، التي تعود إلى علماء عرفوا بهذا الاتجاه كالصيمري وابن فارس قديماً، وعالم سبيط النيلي في العصر الحديث، فإذ يعتقد الأولون بأنَّ توقيفية اللغة تمتدُّ لتشمل مسألة الوضع بالنسبة للألفاظ ذاتها للمعاني، حيث يكون الله سبحانه هو الواضع الأوَّل في رأي هؤلاء، استناداً إلى مختلف الأدلة العقلية والنقلية المعروفة في هذا السياق، فإنَّ السيد الرشتي لا يركز على هذه النقطة كثيراً، فيكتفي بأن يقول بتوقيفية اللغة على أساس إسناد المعاني الخاصة للحروف التي تتشكل منها مختلف اللغات، مقرباً المطلب عن طريق التشبيه بعملية إبداع المخلوقات المختلفة أجناساً وأنواعاً من ذات المادَّة الأساسية لإبداعها جميعاً وهو التراب.
ثالثاً: منح التوقيفيون الآخرون اللغة العربية خصوصيةً في هذا المجال، فقالوا بوجود المناسبة الذاتية بين الألفاظ والمعاني في هذه اللغة بالذات، ولم يتعدَّوا ذلك إلى اللغات الأخرى، خلافاً للسيد الرشتي الذي لم يمنح اللغة العربية هذه الخصوصية، وهو ما يتضح من قوله:”خلق سبحانه وتعالى أوَّلاً بلطيف صنعه مادَّة الألفاظ وحقيقتها وأصلها وهي هذه الحروف الثمانية والعشرون وهي تناسب كلَّ لغةٍ لكلِّ طائفةٍ كالتراب الذي خلقه سبحانه مادَّةً صالحةً لكلِّ جمادٍ ونباتٍ وحيوانٍ وإنسانٍ ثمَّ صوَّر تلك المادَّة على الهيئات والأوضاع والهياكل التي توافق مقتضى كينونات كلِّ طائفةٍ وكلِّ قبيلةٍ بالنوع كاللغة العربية والأعجمية والتركية والهندية والعبرانية وأمثالها ثمَّ صوَّر ذلك النوع على هيئات الأشخاص الجزئية
كالتراب الذي جعل منه الإنسان ومنه الحيوان أي البهائم وجعل من الإنسان زيداً وعمرواً وبكراً ومن البهائم فرساً وبقراً وغنماً وغير ذلك وفي كلِّ ذلك مناسبةٌ ذاتيةٌ نوعيةٌ وشخصيةٌ في الصورة…فصحَّ لك أنَّ اختلاف اللغات من جهة الصور والهيئات مع اتحاد المادَّة وتلك الهيئات تناسب صور الكينونات من المعاني من الذوات والصفات وتناسب الكلَّ مناسبةً ذاتيةً فلا ينافي المناسبة الذاتية اختلاف اللغات لتعدُّد الجهات وكثرة الاعتبارات فقيل ثمانية وقيل هشت وقيل أرط ذلك تقدير العزيز العليم” ص64-65
وربما كان هذا هو محض التنزُّل من السيد الرشتي في مقام السجال مع المخالف، وإلا فإنَّ هناك الكثير من الفقرات المبثوثة في رسالته التي خصَّصها للحديث عن إثبات المناسبة الذاتية بين الألفاظ والمعاني تشير إلى أنه يتبنى ما هو أبعد من هذا الاعتقاد، ويتَّضح ذلك من خلال إجابته على الاعتراض الذي أثاره المخالف على من يحتمل أنَّ الشأن في العلاقة الذاتية بين الألفاظ ومعانيها مشابهٌ للعلاقة الذاتية الحاكمة في الأشياء من جهة ملازمة الحكم فيها لما تتَّصف به واقعاً من الحسن والقبح العقليين، إذ من المعروف أنَّ المعتزلة والشيعة الإمامية يذهبون إلى الاعتقاد بالحسن والقبح العقليين خلافاً للأشاعرة وبعض الفرق الأخرى إذ يذهبون إلى أنَّ الحسن والقبح شرعيان، وتبعاً لذلك فإنَّ أفعال الباري لا تُعلَّل بالأغراض، فما حسَّنه الشرع كان حسناً حتى لو كان قبيحاً في الواقع ونفس الأمر، وما قبَّحه الشرع كان قبيبحاً حتى لو كان حسناً في الواقع ونفس الأمر، فيعتقد الشيعة الإمامية والمعتزلة تبعاً لهذا المذهب بوجود العلاقة الذاتية الحاكمة في الأشياء من جهة الحسن والقبح، لأنهما عقليان كما قلنا، فيتمّ رفض هذه المقارنة على أساس أنَّ هذا قياسٌ مع الفارق “فإنَّ المانع في الحسن والقبح موجودٌ وهو أنه يجب أن تدرك الشيء بذاته وحقيقته فتعرف أنه حسنٌ أو قبيحٌ ومعرفة الشيء بذاته على ما هو عليه أمرٌ صعبٌ بعيد المنال لا يمكن إلا لآحاد الناس حتى قيل إنه محال” ص61، وهذا بخلاف المعاني “فإنها لا تُعرف بذاتها وإنما هي بالدليل وهو الألفاظ فالنسبة يجب أن تكون ظاهرةً لكمال التعدُّد والمغايرة والظهور والوضوح بخلاف حسن الأشياء وقبحها” ص61، إلا أنَّ السيد الرشتي يرفض مثل هذه المقارنة الظالمة في رأيه، ويوضِّح منشأ الغموض في الأشياء بحيث لا يستبين حسنها وقبحها إلا للقليل من الناس، فيقرِّر أنَّ الحصول على حكمٍ كلِّيٍّ بالنسبة إلى الأشياء من جهة القبح والحسن وتبعاً لذلك الأخذ أو الاجتناب، يمكن أن تنظر إليه من أربع زوايا هي كالآتي:
الأولى: أن يكون الشيء مصلحاً بوجوده ومفسداً بعدمه، وهو ما ينطبق عليه حكم الوجوب
الثانية: أن يكون الشيء مصلحاً بوجوده ولا يكون مفسداً بعدمه، وينطبق عليه حكم الاستحباب.
الثالثة: أن يكون الشيء مفسداً بذاته ووجوده ومصلحاً بعدمه، وينطبق عليه حكم الحرمة أو وجوب الاجتناب.
الرابعة: أن يكون الشيء مفسداً في الجملة بوجوده ولا يكون مصلحاً بعدمه، فينطبق عليه حكم الكراهة.
ولا يخرج أمر الأشياء كلِّها عن هذه الأحكام الأربعة، “فإذا نظرت إلى الأشياء فإن وجدتها من القسم الأوَّل تقول إنه حسنٌ وواجب، وإن وجدتها من القسم الثاني تقول إنه حسنٌ ومندوبٌ وإن وجدتها من القسم الثالث تقول إنه قبيحٌ وحرامٌ وإن وجدتها من القسم الرابع تقول إنه قبيحٌ ومكروهٌ فحصلت المقتضى أوَّلاً كلِّياً فإذا وجدت المقتضي حكمت على مقتضاه هذا بالنسبة إلى الأشياء وحسنها وقبحها” ص62.فإذا كان القبح والحسن العقليان في الأشياء دائرين فيها هذا المدار على الاحتمالات الأربعة، وهو ما يمكن للعقل البشري الإحاطة النسبية أو الاجمالية على الأقلّ فيها، فإنَّ الأمر بالنسبة إلى الألفاظ والمعاني أعظم وأعظم، “لأنك يجب أن تدرك أوَّلاً حقائق موادِّ الألفاظ وطبائعها وصفاتها وخواصَّها وأحكامها وما يقابلها وما يضادُّها وما يوافقها وما يخالفها وما يناسبها وما يباينها وأحكام القرانات الحاصلة لبعضها مع بعضٍ وتحضر عندك جميع الصور والهيئات الغير المتناهية ومقتضياتها وعوارضها وأحكامها وسعيدها ونحيسها ومجرَّدها ومادِّيُّها وعلويُّها وسفليُّها وقويُّها وضعيفها فإذا استحضرت هذا المجموع وغيرها ثمَّ تلتفت إلى المعاني فتنظر كنظرك عند معرفة الأشياء وقبحها ثمَّ تلاحظ المجموع في محشرٍ واحدٍ فتنسب كلَّ صورةِ لفظٍ بمادَّتها إلى المعنى المناسب لها بمادَّتها وصورتها” ص63، فإذا كانت الصعوبة في مسألة القبح والحسن العقليين الخاصَّين في موارد الحكم على الأشياء ناشئةً من جهةٍ واحدةٍ ينبغي ملاحظتها فيها، فإنَّ الأمر مختلفٌ تماماً في المجال الخاصّ بتحديد موارد ذلك بحيث تحصل الملازمة الذاتية بين الألفاظ ومعانيها، فلا يمكن الاقتصار على ملاحظة جهةٍ واحدةٍ كما هو واضح، بل لا بدَّ من ملاحظة كلِّ تلك الأمور في الألفاظ والمعاني على السواء، كما تجب ملاحظتها أثناء الاقترانات التي تحصل بين الألفاظ بعد تحصيل معانيها الإفرادية الأوَّلية كذلك، وإلا انفرط عقد المناسبة الذاتية ولم تحصل الدلالة القصدية بين المعاني والألفاظ.