يبدو ان عصرنا الذي نعيشه هو عصر التلوث والانتقال السريع للاوبئة الجرثومية، وان الامراض الانتقالية وامراض فقدان المناعة… الذي تولول لها اجهزة الاعلام والدعاية الصحية في مجتمعاتنا ليس وحدها ما يجب ان نخشى ونحذر بأن هناك اوبئة اخرى اخطر من امراض الطاعون والجرب وفقدان المناعة… كان ينبغي ان نخضعها للتحليل المعملي ولكن التاريخي وليس الكيميائي لنقف على حقيقة اصولها وجذورها، ولا ندخر جهداً بعد ذلك في البحث عن وسائل التحصين والمناعة ضدها قبل ان تستفحل في مجتمعاتنا وتعرض امنها ووحدتها الى النسف والتفجير.
فالمسلمون –تقيةٍ- من الامبراطوريات الغابرة لم يدخروا جهداً ولم يبخلوا بوسيلة من وسائلهم الا وجربوها في سبيل تفتيت الوطن، الحضن الذي ترعرع في كنفه الاسلام حتى صار عملاقاً استوعب كل ما حوله، فلم يكتف اولئك التقيَّون الامبراطوريون باحتضانهم طائفة من طوائف الصراع السياسي الذي عفى عليه الدهر، وانعاش اطروحاته الفقهية والسياسية وفرضها على الناس واجبارهم على اعتناق شطحاتها وترهاتها حتى باتت كأنها دين جديد تتسلح به الامبراطورية الحفيدة في اطار الاسلام نفسه او ما يطلقون عليه كذلك، ليحصنهم من الاندماج والامتزاج في الجسم الحقيقي والطبيعي للاسلام، ذلك الذي ولد الدين الحنيف اساساً في كنفه وفي ظل رعاية احضانه التي اختصتها العناية الالهية به وشرفتها برسالته.
واليوم ينتقل التقيَّون الاحفاد الى مواقع متقدمة في صراعهم ضد الجسد الاسلامي الاصيل وضد وحدته القومية مشاركين الامم الاخرى والامبراطوريات الجديدة التي تداعت على الوطن الام للاسلام كما تداعت الاكلة الى قصعتها. فهاهم يلتقون مع الصهاينة والامريكان –الصليبيون الجدد- في تحقيق ما يراد لوطننا العراق ووطننا العربي من فتنة تشق الطريق نحو المزيد المزيد من التقسيم والتفتيت لاقطار وطننا، والنموذج العراقي والسوري واللبناني واليمني… المأساوي كاف لتوضيح وشرح ما نقول، حتى وان لم يكن وحده الذي يتعرض لهذا الغزو الجرثومي الطائفي المدفوع من قبل احفاد الامبراطوريات الغابرة والامبراطوريات التوسعية الحديثة. ولعل فضيحة التعاون التسلحي الامريكي والصهيوني قد اسقطت ورقة التوت التي كان يستر من ورائها الاحفاد الامبراطوريون، وكشفت دعوتهم الزائفة التي جعلوا منها حصان طروادة تسللوا من خلاله الى موقع القلب في الوطن بهدف تخريبه واستكمال ما عجز الصهاينة والامريكان عن تحقيقه.
ولكن، انىَّ يتحقق لهم هذا وفي هذه الامة من قارع ويقارع امريكا الطاغوت الذي يسجد له نصف عبدة الاصنام والنار في العالم. فما بالك بمن يعيشون على انقاض احلام مضت وتبخرت وليس لها من ذكر الا في متاحف التاريخ وتواريخ الامم الغابرة.
ولم يبق لهؤلاء اليوم الا ان يحملوا راياتهم البالية واعلامهم المريبة وجنودهم الغبر ومرتزقتهم… ويرحلوا عن تراب العراق وسوريا ولبنان واليمن… ليتركوها تعيش وحدتها القومية في اطار امتها العظمية بسلام، ويكفوا ايديهم الملوثة عن جراحها التي كادت ان تندمل لولاء تقيؤاتهم الجرثومية النتنة.
وليس العراق وسوريا ولبنان واليمن… وحدها هذه الاقطار ما يراد بها ذلك، فأرض الكنانة ايضاً لها نصيب وافر في هذا المخطط الطائفي الذي وجد فرصته في ظل انظمة منتخبة بالتزوير، اطلقت العنان للقوى المعادية كافة من صليبية امريكية وصهيونية واتباعهم من اصحاب الوجوه الغبر ان تعمل جهدها في بلقنة المنطقة العربية واختراقها بكل الوسائل وفي كل المجالات…
ولا شك ان الفتنة الطائفية التي بذرت بذورها هذه الانظمة تستكمل مراحلها المتبقية الآن تحت مسميات عدة… ولكن ينبغي التنبيه الى ان حطب هذه الفتنة الصهيونية الامريكية الصفوية يجمع فيما يجمع من السذج والاغبياء الشيء الكثير من الذين استطاعت هذه الانظمة ان تحولهم عن معركتهم الحقيقية وتلهيهم عن مواجهتهتم الاساسية، مع الصهيونية والصليبية الامريكية والصفوية الى قضية لا تقول انها هامشية بل هي من صميم الاهداف التي يسعى المخطط الامريكي الصهيوني الى تحقيقها في وطننا العربي.
اقول لاخواني في العروبة، ان من يحاول ان يوقع بيننا لا ينتسب الينا وانما الى الثالوث الدنس – امريكا الصهيونية الصفوية- فقضيتنا ليست قضية مذاهب وقوميات.. لأن الدين واحد، والوطن واحد، والقومية واحدة، وانما قضيتنا هي ما يجمعنا جميعاً في مواجهة الخيانة والتفريط والطائفية والتبعية لهذا الثالوث الدنس. ولدينا تاريخ طويل ضد الوافدين والغزوات الهمجية الخارجية، ومشعل حضارتنا الذي اوقدته امتنا لن ينطفئ ولو كره الكارهون.