23 نوفمبر، 2024 12:24 ص
Search
Close this search box.

العراق بين الإرادة الأمريكية والإرادة الإيرانية

العراق بين الإرادة الأمريكية والإرادة الإيرانية

لم يُشفى جسد العراق من المحن والابتلاءات التي مر بها حتى يقع بمحنة وبلاء أخر اشد مرارة من سابقه فمن حروب ودمار وصراعات مريرة شهدها ابناه جراء الاحتلال العثماني لأراضيه وصراعهم الدائم مع الفرس (إيران) على فرض وجودهم وسيطرتهم على ارض العراق, وما شهده العراق بعد الاحتلال البريطاني لأرضه والصراعات التي إشتاحت معظم أراضيه من قبل الأحزاب والجهات التي تريد الوصول إلى سدة الحكم والهيمنة على رقاب الناس, حتى وصل حزب البعث إلى السلطة بعد عدة انقلابات وخيانات عسكرية شهدها البلد, وما ان وصل ذلك الحزب إلى سدة الحكم بدأ الفساد والقتل والتشريد والاضطهاد والتخريب يطال جميع مرافق ومؤسسات الدولة إلى أن وصل العراق إلى حالة يندى لها جبين كل غيور وحر وكل شخص يشعر بحرية الضمير الإنساني.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على حكم حزب البعث المجرم والظالم قررت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا وغيرها من الدول الأوربية الدخول للعراق وتحرير شعبه من ظلم صدام حسين وحزبه والسماح للمعارضة العراقية وللكفاءات الأخرى الدخول للعراق وتسلمهم السلطة وفق النظام الأمريكي الجديد الذي سوف يقوم برسم خارطة الطريق لهم وفق ما يراه حاكم العراق المدني بول بريمر الذي عُــين حاكما للعراق من قبل الإدارة الأمريكية, وبالفعل حصل كل ذلك.

هذا من جانب ومن جانب أخر فان الإدارة الأمريكية ليست مؤسسة خيرية تعمل لصالح الآخرين فحسب, وإنها عندما اشتاحت العراق لم يكن الهدف الوحيد لديها هو إزالة النظام السابق وإتاحة الفرصة للمعارضة لكي تتولى إدارة الحكم، بل كان لها برنامج ومشروع تسعى للوصول إلى تطبيقه في الشرق الأوسط, ودخول العراق يقع ضمن ذلك المشروع الخطير الذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تطبيقه في المنطقة.

وبنظرة سريعة نستطيع ان نلخص ذلك المشروع في عدة محاور مهمة:

المحور الأول: هو بناء دولة ديمقراطية تتمتع بكامل القواعد الحضارية والسماح لأفرادها بممارسة حرياتهم الفردية وإتاحة المجال للحريات الأخرى التي كانت مغيبة على ارض العراق مثل حرية الإعلام وحرية الانتماء وحرية المعتقد وغيرها من المشاريع التي تتطلع لها اغلب دول المنطقة.

المحور الثاني: فرض سيطرتها وهيمنتها على العراق والمنطقة لكي تكون الإدارة الأمريكية على علم واطلاع تام بالتغييرات الإستراتيجية والقرارات المصيرية التي تتخذها السلطة العراقية.

المحور الثالث: إتاحة الحق لها في التمتع العام في استخدام الأرضي العراقية وبناء قواعد عسكرية يُستفاد منها لشن هجمات على إيران إن أرادت ذلك واستخدام الطيران الجوي بحرية تامة من أجل القيام باستطلاعات عسكرية لصالحها.

المحور الرابع: التمدد الإقليمي وفرض النفوذ ألا محدود في منطقة الشرق الأوسط بالكامل من أجل السعي لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تحلم به إسرائيل.

المحور الخامس: سيطرتها على نفط وخيرات العراق والتكم به حسب ما يرضي مصالحها.

وتوجد هنالك الكثير من المحاور المهمة التي تجعل من الإدارة الأمريكية ان تقدم كل تلك الخسائر من أجل دخول الأراضي العراقية.

ولأكنها لم تنجح في تطبيق بعض تلك المحاور بسبب وجود مشروع أخر متواجد على الساحة العراقية معارض لها بقوة وهو المشروع الإيراني الذي لا يُستهان به والذي استطاع ان يفرض سيطرته على أغلب التيارات والأحزاب الشيعية مما يسبب ذلك في عرقلة ونجاح المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط عموماً وفي العراق خصوصاً.

لأن إيران تسعى منذ زمن بعيد إلى فرض سيطرتها بالكامل على العراق وغيره من البلدان, وهي اليوم تسعى إلى أن تكون اللاعب الأساس في المنطقة من أجل فرض إرادتها في المنطقة، فهي تقوم بتمويل وإخضاع اغلب التيارات والفصائل المقاومة في عموم الدول الإسلامية, وفي العراق تحديداً تعمل على تطبيق مشروعها الاستراتجي والمهم والذي تسعى من خلاله إلى إفشال المشروع الأمريكي.

ويتمحور ذلك المشروع بعدة محاور أيضاً:

المحور الأول: التمدد في المنطقة وفرض سيطرتها وإرادتها على الدول الأخرى فإنها تحلم بان تكون هي الدولة العظمة الوحيدة التي تقف بوجه أمريكا وإسرائيل ومنعهما من تنفيذ مشاريعهما الشيطانية.

المحور الثاني: العمل الجاد وفي شتى الاتجاهات من أجل إفشال المشروع الأمريكي في العراق, حتى وان كان ذلك على حساب أبناء الشعب العراقي, فان إيران تعمل على زعزعة البلاد وإدامة الاضطراب في داخل العراق من أجل إفشال المشروع الأمريكي في العراق, ولكي لا يحلم الشعب الإيراني في استنساخ التجربة العراقية على أراضيه أو ان يطالب بدخول القوات الأمريكية من أجل الوصول إلى الحرية أو ممارسة الديمقراطية.

المحور الثالث: العمل على زرع قيادات عسكرية وسياسية داخل أروقة السلطة السياسية وداخل المجتمع العراقي من أجل إفشال المخطط الأمريكي والاطلاع على عمله وكشف مخططاته فيما لو أراد ان يواجه إيران مواجهة عسكرية.

المحور الرابع: فرض السيطرة شبه التامة على اغلب الأحزاب الشيعية المتنفذة في الحكم في العراق من أجل التدخل المباشر في الشأن العراقي السياسي والأمني لصالح الدولة الإيرانية.

المحور الخامس: الخوف من تسليح العراق والإعداد العسكري الجيد لقواته الحربية خوفا من ان تُعاد الكرة مرة أخرى وتحصل هنالك حرب بين العراق وإيران.

وهذه هي ابرز المحاور التي يمكن لإيران ان تعمل عليها في داخل العراق من أجل كسب العراق لصالحها

وتوجد هنالك بعض المشاريع الصغيرة التي تسعى لفرض وجودها في العراق من الداخل أو الخارج ومن أبرزها هو الدعم العربي للتنظيمات الإرهابية والمجاميع المسلحة التي تقاتل داخل العراق من أجل زعزعة الأمن وإسقاط العملية السياسية إلا أنها لا تُشكل ذلك الخطر الذي تشكله الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تقف بوجه المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة.

لذلك نلاحظ موقف الإدارة الأمريكية المتخاذل في المحنة التي مر بها العراق بعد احتلال الموصل, وإنها بدلاً من ان تساعد العراق وفق الإستراتيجية الأمنية ألموقعه بين العراق وأمريكا نجد بأنها قامت باللقاء اللوم على الحكومة العراقية وتهمتها بالفشل وعدم القدرة على إشراك الأطراف السياسية الأخرى في الحكم وإدارة البلاد, ورفضت الإدارة الأمريكية التدخل العسكري من أجل محاربة تنظيم داعش الإرهابي متهمة القوات الأمنية العراقية بأنها تنظيمات ميليشية.

وفي تصوري ان الإدارة الأمريكية أرادت ان توصل رسالة مفادها ان الأحزاب الشيعية التي تدعمها وتسيطر عليها إيران لا تستطيع ان تكون أحزاب قادرة على حكم العراق في هذه المرحة وليست لها القدرة التامة على احتواء الأطراف السياسية الأخرى وإشراكهم في البلد.

وربما ان أمريكا سوف تعارض في المستقبل إعطاء السلطة للأحزاب الشيعية إذا لم تتخلى تلك الأحزاب عن الميول لإيران ومنع النفوذ الإيراني في داخلها, وإلا فان رئاسة الوزراء سوف تُعطى إما إلى شخص شيعي يقف بالضد من إيران أو إلى شخص شيعي ذا توجه علماني بعيد عن التوجه الإيراني.

أحدث المقالات

أحدث المقالات