ينشغل المراقبون و المهتمون بفرضيات خروج او استبعاد أو استقالة رئيس الوزراء نوري الماكي، رغم أن الخيار الأخير يستبعده” السفير المعتق” زلماي خليزاد،الذي يقول انه على معرفة بمقدار تمسك المالكي بالمنصب و اجراءات الحماية اللاحقة،ومع ذلك نجدد التأكيد على أن المشكلة ليست في المالكي بل في منهاج الحكم الذي هو نكبة العراق الظالمة.
ان الاعتقاد بفك طلاسم المحنة العراقية بمجرد استبدال المالكي فيه من التسويف ما هو كثير، لأن محنة العراق تبدأ من حيث أنتهت ركائز الدولة المدنية في العراق و فتحت أبواب جهنم على مؤسسات الحكم المستقلة، بينما حاصرت المشروع الوطني في زاوية ما يطلق عليه المزايدون وصف ” موضة قديمة”، حيث أصبح الولاء للعراق مثلبة، بينما العمالة والجهوية صك غفران لاعتلاء المناصب بلا آهلية!!
وعودا على ذي بدء فان الحديث المتثاقل عن حلول للهم العراقي يصطدم بعقبات كثيرة منها ان المالكي اصبح عقدة المنشار فلا هو يقدم حلولا و لا يتقبل ” عقلانية” القليل من المستشارين، رغم انه يرى شرارة اللهب الايراني تقترب من كرسي الحكومة، ثانيا ان العملية السياسية مبنية على المجهول، فهي تدور في محيطها القديم لذلك تستنسخ الأحزاب رجالاتها في المناصب بنفس اسلوب المحاصصات و التوافقات خارج تردد الولاءات العراقية، و مع ذلك يتحدثون عن تجربة ديمقراطية تجتر شعاراتها بشق الأنفس، بطريقة لا تختلف كثيرا عن محاولات اقحام آهلنا في الفرات الأوسط و الجنوب بين صفوف المطبلين للفشل الحكومي، بينما الصحيح غير ذلك، ويختصره شيخ عاقل بقوله” حكومة المالكي في بغداد و نحن لازلنا نتعكز على الجوع و العطش وهم يسرقون آمالنا بلا حياء، فالحكومة تمثل حزب لا طائفة”.
وأتفق مع هذا الرأي تماما لأن الحكومات في عراق ما بعد نكسة تموز 1958 عادلة فقط في توزيع الظلم على الجميع، وقتل الهوية الوطنية بوهم مادية المذهب، فنحن ننتمي الى وطن يختزن كل مقومات الانسانية الدينية والاجتماعية والثقافية، التي يبقى أغلب السياسيين غرباء عنها لذلك يلجأون الى تزكيات استثنائية بالعزف على أوتار غير متداولة عراقيا، فمثلا لولا حشر المرجعيات الدينية في السياسية لما احتاج آهلنا في الجنوب الى تمحيص و مراجعة فقهية لارساء أسس ثورة الجياع، التي كانوا و لايزالون “” الحبل الشوكي” الضاغط باتجاه تعزيز قوة التكاتف فيها، ما يحتاج منا جميعا الى العمل من أجل تقديم القناعة الوطنية على الأ راء الفقهية، سيما و أن الحكومات توظف مواقف الأخيرة لما يناسب مشروع الظلم عكس ارادة الله، والمرجعيات منه براء!!
سيقول بعضهم انا نحاول تفجير حقل الغام في وقت غير مناسب و ربما يتهمنا غيرهم بما هو أشد قسوة، لكن في الحالتين نقول ان استقرار العراق أهم بكثير من العيش في الغيبيات ، فلو أن قبعة التشريع الديني السياسي لم تحط الرحال بين ظهراني آهلنا في الفرات الأوسط والجنوب لكانت قيم ثورة العشرين قد تفجرت حمما منذ وقت ليس بالقصير، على غرار غياب الفتاوى في الحرب العراقية الايرانية و ما بعدها، يوم كان أخواننا في الجنوب يتناخون للتبارك في حجابات الوطن الأمامية ، وسيكونون كذلك غدا عندما تتحرش ايران عسكريا بسيادة العراق لا عبر سياسة ” حرامي الدار” مثلما هو قائم حاليا، شرط وقوف المرجعيات على الحياد في مسؤولية تفسير العراقي لمضامين” حب الوطن من الايمان ” و عروبة العراق.
ونحن هنا لا نشكك بعقلانية راي المرجعية لكننا نحاول بناء جدار عازل اضافي بين حكمتها و تطفل السياسيين لكسب ودها في التغطية على غياب القبول الشعبي لمشاريعهم، ومن هنا فانه لا يجوز تفصيل الوطنية على مقاس جغرافي أو مذهبي لأن العراقيين يشتركون في قضيتين جوهريتين.. حب الحياة و التغزل بها و الولاء للعراق بنسيج اجتماعي متجانس ونخوة برداء الكرم لا تعرف الحدود ، لذلك يكرهون العملاء و المنافقين ، ولأن هؤلاء تسيدوا المشهد من كل الطوائف
فانه لاخيار امام العراقيين سوى انتفاضة حقوق تحفظ دماء الشرفاء، بعيدا عن كل توصيفات الطائفية و العشيرة و الحزب ، لأنه اذا لن ” نتحزم” بحب العراق قد لا نجده على الجغرافيا بعد سنوات، وما دعوات التقسيم و الاقاليم و الانفصال الا بداية غيث، بعد ان كان الغرباء قبل الأشقاء يتمنون الفوز برضا العراق !!