منذ العاشر من حزيران الماضي وسقوط مدينة الموصل بيد الارهابيين الاوغاد وتداعيات الاوضاع في كركوك ودخول القوات الكردية ( البيشمركة ) اليها بحجة الحماية، ومن ثم الحاقها باقليم كردستان وتغير نبض القادة الاكراد في الحديث حول اكتمال تنفيذ الفقرة 140 من الدستور، وان اقليم كردستان مستعد للانفصال، ومن ثم الحديث عن عراق ما بعد سقوط الموصل وهو مغاير تماما لعراق قبل 10 حزيران 2014 واجرء استفتاء في الاقليم حول الانفصال والتهيئة لطبع عملة خاصة بالاقليم، وحديث وتصريحات كثيرة من هذا القبيل. كل هذا لم يحرك مؤشرا وطنيا واحدا لدى قيادة الحزب الشيوعي العراقي ( جماعة طريق الشعب ) لاتخاذ موقف واضح وصريح من مسألة الاستحواذ على كركوك من قبل الاكراد والحاقها بالاقليم وبطريقة الطعن من الظهر وبهذا الظرف الحرج الذي يمر به العراق، كل الذي صدر من قيادة الحزب مجرد تصريحات ودعوات عامة ومانشيتات عريضة في جريدة الحزب المركزية حول ضرورة تمتين الوحدة الوطنية وادانة الارهاب والمطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية وعقد مؤتمر وطني لدحر الارهاب، وكل ذلك بخصوص الموصل وداعش فقط دون الاشارة الى قضية احتلال كركوك وموقف الحزب من ذلك. حتى لم تكلف تلك القيادة نفسها الى عقد اجتماع اعتيادي او موسع لتدارس الاوضاع ومنها كركوك كما هو معتاد في الظروف الطارئة التي يمر بها البلد. وتكرر نفس هذا الموال في اللقاء الذي اجرته احدى الفضائيات مع حميد مجيد موسى ونشرته جريدة الطريق بعد ايام، حيث لم يجري التطرق الى موضوع كركوك، وواضح ان ذلك جزء من ديباجة تنظيم اللقاء بعدم التطرق الى وضع كركوك، وكتب احد اعضاء المكتب السياسي مقالا بعنوان ( موقع الموصل . . . وسط القلب ) دون ان يشير الى موقع كركوك ولسان حاله يقول انها في وسط كردستان لانها قدس الاكراد .
كل هذا يدعوا الى التساؤل عن هذا الصمت، هل هو مجاملة للاكراد ، ام انتقام من العملية السياسية بعد الفشل الذريع للحزب في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، أم انه عملية مسك العصا من المنتصف ومتابعة ميزان القوى وخصوصا ان غالبية القادة الحاليين هم من تلاميذ الانتهازي المحترف عزيز محمد السكرتير السابق للحزب، عراب السياسية التوافيقية والوسطية، ومنهم من اختاره عزيز ليكون عضوا في اللجنة المركزية ضمن مجموعة ( العشرة المبشرين ) في ختام ما يسمى بالمؤتمر الوطني الرابع ( سيء الصيت ) أواخر 1985، ولا تزال جلودهم تحن الى الشروال والبشتين وعيونهم تربوا الى قمم جبال كردستان والتي جعلت منهم قادة في غفلة من الزمن ومنحهم الزعماء الاكراد رواتب مليونية كانصار متقاعدين على حساب المواطن الكردي الكادح والبسيط، بالاضافة الى مصالحهم الاخرى في كردستان، فكيف يمكن ان يصدر منهم موقف مناهض للقادة الاكراد على فعلتهم الغادرة تلك في احتلال كركوك ونفطها والحاقها بالاقليم عنوة، حتى وان كان الموقف المطلوب وطنيا خالصا وفي ظروف خطرة وحساسة يمر بها الوطن وبغض النظر عن الخلافات السياسية بين الكتل المتصارعة على مناصب الخط الأول وارهاصات ذلك. وهنالك من ينسب هذا الصمت الى استشارة من قادة سابقين للحزب تحولوا الى وزراء متقاعدين في اقليم كردستان ومنهم عزيز محمد وعبد الرزاق الخابط والفول ـ بروفيسور كاظم حبيب وآخرين غيرهم .
لعله من الواجب التذكير ان القادة الحاليين للحزب الشيوعي العراقي ومستشاريهم العلنيين والسريين هم أول من بشر بانفصال الاقليم منذ عام 1993 بعد احداث اجتياح الكويت والانتفاضة الشعبانية والحصار ومستجدات خطوط الطول والعرض والوضع الخاص لاقليم كردستان، حيث عملوا على تقسيم الحزب الى حزبين، الحزب الشيوعي العراقي ( العربي ) والحزب الشيوعي الكردستاني ضاربين عرض الحائط الشعار الشيوعي والاممي الازلي ( حزب شيوعي واحد في البلد الواحد ) باعتبار ان كردستان تتجه نحو الانفصال وفي وضع تداخلي شائك وغير واضح المعالم بين الحزبين ولصالح الشيوعي الكردستاني، وها هم اليوم يلتزمون الصمت مع زعيق الانفصال واحتلال كركوك الغادر في هكذا ظرف طارئ .
وعلى كل حال فنحن نفهم ونعي هذا الصمت جيدا فهو يتماشى مع المثل الشعبي الدارج ( السكوت علامة الرضا ) تماشيا مع مصالحهم الخاصة ومصادر تمويلهم ورواتب الكثير من القادة والكوادر والرفاق ( انصار سابقين وغيرهم ) وكذلك المكان الآمن لعقد مؤتمراتهم الديمقراطية جدا بلا مشاكل وخلافات وانشقاقات تحت حماية الحلفاء الاكراد وعصاهم الغليظة، وكذلك مخلفات أكثر من ثلاثين عاما من التكرييد لقيادات الحزب .