ينتصر المعلمون على الموت، وها هو معلم عراقي آخر يدخل من جديد الحلبة أعزل، ما معه غير دفتر الأشعار، ويخرج منتصراً، وكان يعي تماماً أن الحياة حلم، والموت يقظة. في ذلك اليوم، إتصل أبو رسال بأم سنا قبل منتصف النهار، وكان في غاية المرح والعنفوان. أراد المعلم أن يشكر تلميذته. ثم نقل الجسد الواهي على الدرجات حتى إعتلى السلّم. وضع كتاب الأشعار في حضنه، وأخذ يقرأ في سعدي يوسف. طالت القرفصاء، ومازال الكتابُ في حضن الكاتب العراقي، والجسد حاراً. بعدها بأقل من ساعة كان الشاعر البديع مؤيد حنون على طرف الموبايل يشيع الكتابَ- النبأ.
مغسل الأبلة، ثلة من الأولين، ونفر من الآخرين. سارت مياه الصديق- الراعي- البحر على الجسد المسجى، فدخلت إلى العروق، ونظفتها من الدماء. جاءت سيارة سوداء، وسارت وحدها بالتابوت على الطريق الترابية من الدار إلى شارع بغداد. مصير الشعراء: خشبٌ أصمٌّ، وعربة خديجة لا يلتمع منها غير الزجاج تحت شمس البصرة الحارقة.
قبل أيامٍ، يستدرك بابلو نيرودا، ويسأل صديقه حسين عبد اللطيف:
“أمسِ، بالأمسِ سألتُ عيوني:
متى يرى أحدنا الآخر؟”
فيجيبه حسين:
“سعياً على الراسِ، لا مشياً على
القدمِ!”
وحده الشاعرُ يغالبُ ما يهصر قلبه من الدمع.
من كان الأصعبَ عليك، موتك، أم ولادتك؟
آن لك الآن أن تحمل عزيزيك برفق في الزورق، وها هم أحباؤك قد إجتمعوا ليفتحوا لك طريق خراسان، حتى تصل إلى الرّيّ. هنا محمد خضير، والعايف، وكاصد، وعلي نوير، والبصري، وعباس، وكريم …
لم نعرف البداية كي نعرف النهاية. يا لخصوبة أرضك!
هل تتحدث الآن مع بناتِ نعش؟ أيّ مقطع رقيقٍ ترددُ الآن مع رمال الفجر في وادي السلام؟
لقد تخلصت من نابي الصدّ، والهجران، وإلى الأبد.
فنم بسلام