مرة أخرى نطرق أبواب الصمت الرسمي العراقي على سياسة لي الأذرع التي تنتهجها ايران في العراق، وكأنها أصبحت صاحب القرار الأوحد بعد تغييب مبدأ السيادة في العراق بمدافع و دبابات الاحتلال الأمريكي، الذي يعود اليوم من ذات النافذة ” حماية مصالحنا في العراق”، حيث يغمز المسؤول الأمريكي بعين رضا على سياسة طهران، لكنه يخطط لمنع احتلالها من تحت الطاولة للبلاد، فيرسل المستشارين و يدفع بطائرات أمريكية مسيرة و مجهزة بالصواريخ في سماء العراق الذي تغط حكومته في سبات عميق، فالجميع يعمل في العراق الا سياسييه.
وبعيدا عن مصادر المعلومات الخليجية و الفرنسية القائلة بأن واشنطن ” عدلت بوصلة ” أهتماماتها و تحركاتها العراقية صوب دور عربي فاعل و سريع، بعد مشاورات مكوكية يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لهذا الغرض و حصوله على ضوء أخضر أوربي بهذا الاتجاه، نقول رغم هذه التحركات و اتساع مناطق الشد و الجذب الخارجي، فان العراق يعيش محنة حكام غير منسجمين و لا مؤثرين الا في محيطهم الذي هو الأخر بدأ يضيق بهم بعد خيبات أمل تفوق المتوقع، ما يضع بين قوسين كبيرين مستقبل العراق بعد الثلاثاء المقبل، حيث الجلسة الأولى للنواب، التي قد تكون شكلية لمنح البرلمانيين الصفة الرسمية في الرواتب و الامتيازات و العقود لا أكثر، لان وضع العراق لم يعد شأنا داخليا بل قضية اقليمية و دولية، وكأن الأمور تعود من جديد الى آذار 2003، لكن بوجوه جديدة و دواعي تدخل مختلفة.
ايران، الجار الذي تفرضه الجغرافيا و ترفضه خصوصية الانسجام العراقي، تحاول بشتى الوسائل ابقاء العراق حديقة خلفية لمناقشة همومها و خندق متقدم لحماية حدودها، فهي تجتهد في كل شيء الا في الخوف على استقرار العراق و وحدة شعبه، وهي حقيقة يعرفها الرضيع و يغض الطرف عنها صناع قرار “نصف الخطوة” ، الذين ينتظرون فرجا من ” بيت المشاكل” و ينسون أن آهل العراق هم صمام الآمان، الذين تحاول ايران بشتى السبل تحويلهم الى أقوام و شعوب متصارعة على كل شيء، كي تنعم هي بالاستقرار.
منذ نصف قرن و ايران تعتمد سياسة الأرض المحروقة في العراق لحماية مصالحها، و ترفض كل أشكال العلاقات المتوازنة لعقد تاريخية قبل أن تكون سياسية، فقد مرت على العراق حكومات كثيرة لكن السياسة الايرانية ظلت على حالها، “تدخل و فتن و اثارة نعرات و هضم مبرمج للسيادة العراقية” ، فما يجري اليوم لا يختلف عن خمسينيات و ثمانينيات القرن الماضي ، لكن بشعارات مختلفة و أدوات جديدة، عكس ما توقعه بعضهم مع النظام السياسي الجديد، ما يلغي حالة المجاملة ويقدم الى الواجهة مبدأ التعامل بالمثل بعيدا عن انتقائية تفسير حالات التدخل في الشأن العراقي، فعندما تتوقف ايران عن ” احتلالها المبطن” سيكتشف الجميع ان الفتنة الطائفية ليست عربية المصدر، لأن استقرار العراق يطمأن دول الجوار العربي و نقيضه صحيح بالنسبة الى ايران وحتى تركيا، لذلك فان القراءة الصحيحة للأحداث يجب ان تقود سيد البيت البيض الى مراجعة أولوياته ليكون الحل عراقيا بدعائم عربية واضحة ىالالتزام بوحدة العراق و أخوة شعبه، عندها فقط سنتلمس طريق البناء الصحيح خارج سرب الخوف من عصا هنا وخناجر هناك، فكم هو العراق كبيرا بأخوته لا مذهبية هذا و عرقية ذاك!!