على وقع التطورات الامنية المتسارعة وسقوط المدن العراقية الواحدة تلو الاخرى بيد الجماعات المسلحة و”داعش” بعد التاسع من الشهر الحالي ، هناك “حزمة” من الأسئلة ظلت تتزاحم خلف المشهدين الأمني “الدموي” أولا ثم السياسي ثانيا. بعضها يتساءل حول جدوى الديمقراطية إذا لم يكن هناك من يؤمن بها، وبعضها يتساءل حول وجود من يؤمن بالعنف طريقا للوصول إلى السلطة، وهناك من يتساءل عن جدواها إذا كانت الحلول والتسويات إقليمية محملة بملايين الدولارات ، كل تلك الأسئلة وغيرها تدور في خلد العراقيين لكن لاتجد من يجيب عليها .
المشهد السياسي العراقي خليط من كل تلك الأسباب التي يطرحها العراقيين كاسئلة وهي بالطبع لن تؤدي إلى قيام مشروع ديمقراطي حقيقي، لأن الجميع كما يبدو في الطريق إلى القبول بالأمر الواقع، والإعتراف بتداعياته الحالية وبينها تقسيم العراق بين الشرائح الإجتماعية والطائفية والسياسية وفقا للصيغة اللبنانية وهذا يمثل إنتكاسة كبيرة لطموحات المواطن العراقي في أن يكون بلده جزءا من المشاريع الديمقراطية لا جزءا من نماذج العالم المتخلف الذي تقوده التناقضات الداخلية، والمصالح الضيقة.
لن تجد ماهو أدق من ذلك المشهد في حال أردت قياس قدرة القوى الإقليمية والدولية في التأثير على الأحداث الداخلية ، فقراءة الواقع الامني والسياسي سنجد كل الدول الاقليمية والدولية متواجدة في الساحة العراقية كلها بسبب تداعيات الاحتلال وتمزيق الهوية الوطنية من جراء طبيعة النظام السياسي بعد 2003 وعدم وجود رجال دولة لادارة هذا البلد العملاق ، بل همهم الوحيد هو في كيفية الحفاظ على مصالحهم الشخصية والحزبية فقط ، وان قضية الوطن عندهم مجرد ذاكرة . ومن يتابع نشاط التحالف الوطني بادارة الدكتور الجعفري ليخرج بنتيجة: انه جزء من استمرار الازمة السياسية وانعكاساتها على الواقع الامني . اذ لم يوفق التحالف الوطني طيلة مدة تشكيله على اتخاذ قرار بارادة وطنية حرة يحمي العراق ويحافظ على وحدته ، وكل بياناته عبارة عن كلام لايسمن ولايغني من جوع ، ولم يتغير قالب تلك البيانات او الخطابات هي نفسها ،وكل اجتماعات مكونات التحالف هي عبارة عن “السلام عليكم ..وعليكم السلام” ، ويتحمل الجعفري والحكيم بالدرجة الاولى مع المالكي ما حصل في العراق من تداعيات وفقدان لهيبة الدولة . بسبب استمرار الفشل السياسي رغم توقيعهم على العشرات من معاهدات “الشرف” وغيرها من معاهدات او اتفاقيات مع الفضاء السياسي الاخر والتي لم يستفيد منها الشعب العراقي ، بل ادت الى تمزيق العراق وفقدان الثقة وتكريس الاوضاع الشاذة . وان الجعفري رجل نظري اكثر مما هو عملي فليس له قرار او مبادرة ، هو مجرد رجل “متابعة”، والمجاملة تغطي 95% من سلوكه السياسي ،اما الحكيم استمر في نشاطه السياسي على اطلاق “اشارات” السلام والمحبة على سريان نزيف الدم العراقي دون ان يتخذ موقفا جادا يوقف استمرار تدفق هذا الدم الوطني الطاهر ، في حين الشعب العراقي ليس بحاجة الى خطب رنانة بل الى قرارات حازمة ، وان سياسة وحل المشاكل على طريقة “اسمعي يا جارة “لن تنفع في الوقت الراهن ،بالمقابل اطراف مكونات التحالف الاخرى ليس لهم قرار ثابت بل نجد “النعم ..ولا” على نفس الموقف .
وسبق وان كتبت مقالا بتاريخ 7 ايار 2013 تحت عنوان ” إقالة المالكي تساهم في استقرار العراق” وقلت فيه :ان العراق سيتجه نحو الهاوية اذا استمر المالكي في سياسته الفاشلة وعلى التحالف الوطني ان يتخذ اجراءات فورية لمعالجة التدهور، إلا ان التحالف الوطني استمر في فشله الى يومنا هذا ، اخرها اجتماعه ليوم امس في تسمية المرشح لرئاسة الوزراء.
ولذلك الشعب العراقي يطالب كل مكونات التحالف الوطني بترك قوالب “الثلج” . وعليه الاسراع في اتخاذ القرار بترشيح رئيسا للوزراء من خارج دولة القانون ، وان يكون رئيسا موحدا جامعا للعراقيين مع تغيير المنهج السياسي بالكامل ، والسؤال الذي يفرض نفسه هل يقبل قادة التحالف الوطني ومرجعية النجف ان يسجل التاريخ “ان في زمن الحكم الشيعي قسم العراق” لان هذه الواقعة ستكون عار ما بعدها من عار .
لذلك، نعتقد أن هذه الأزمة السياسية والفكرية والعقلية والطائفية والأخلاقية تحتاج الى اجماع وطني وقرار شجاع بارادة وطنية حرة بعيدا عن التدخلات الاقليمية والدولية ، وعلى أبناء شعبنا، والنخب المثقفة ورجال الدين، ورؤساء العشائر أن لا يسقطوا في الفخ، بل أن يصمدوا ويقاوموا هذه الموجة الجنونية بالحكمة وكل الذي حصل بعد التاسع من حزيران الحالي تعالج بقرار سياسي في مقدمته تنفيذ مطالب الشعب العراقي وتحقيق المصالحة بين ابناء الوطن الواحد ، فثقتنا كبيرة بأبناء شعبنا أنهم لن يسمحوا للمتآمرين بتمرير أجنداتهم هذه المرة، فتقسيم المحافظات العراقية العربية إلى كانتونات سنية وشيعية له نتائج كارثية لا توصف. ولحسن الحظ لا يمكن تحقيقها لسبب مهم، وهو أن التقسيم السني- الشيعي غير ممكن عملياً إطلاقاً. فالعراقيون، شيعة وسنة محكوم عليهم أن يتعايشوا معاً في السراء والضراء، في دولة واحدة ، وعندها سيتذكرون تصرفاتهم المخجلة هذه بندم شديد.وحمى الله العراق.