لمناسبة الذكرى الحادية عشرة لرحيله
مقدمة
يوم القت جنود الأسى ومعها سوء الطالع القبض على الراحل الشاعر حسين عبد اللطيف بالطريقة نفسها التي يلجأ اليها عنصر الأمن بالقاء االقبض على الداخلين الى البلاد بدون إقامة قانونية , فقد القيت القبض على مقالتي التي كتبتها وحفظتها لكنني تجاوزت يوم الذكرى بالنسيان , لأني لا احب الهروب من ذكراهويثقل عاتقي ضرر النسيان وقد اتاح الله لي الوقوف على قدمين واكتب بيدين لأضعها بين يدي اصدقاءه الأحياء واكون له معتذرآ , جزاه الله , وبارآ قدر المستطاع بهذه المقالة التي توثق مناقبه الأدبية , وخاصة بالشعر .
المقالة
عندما تزاحمت الهموم في حياة الشاعر الراحل حسين عبد اللطيف , ومارافقها من مناكفات وخاصة بعد رحيله من بغداد الى البصرة واستقراره بها , وتسللت الى مخيلته وهو في عزّ الشباب , لتندلع بها الإنفعالات لينجم عنها إحتجاجه بالشعر على مشاهد الواقع بالحياة التي بدت وكأنها اشترطت تكيل عليه الأسى والكآبةوالعزلة دون اشباع الرغبات التكوينية للنفس التي خلقت بمشيئة الهية وبشرط حرية إختيار السلوك والأفعال , ولم تكتفِ بكيل الأسى , بل وتجاوزت الى مصادرة ذلك الإختيار في الواقع ودعت الى تفكيك ما انجزه ليرى نفسه مكبلة بالأسى وسوء الطالع الى النهاية , مايفسر وكأنه خلق حصرآ لمواجهة حتمية ومباشرة وغير عادلة مع مخاطر تلك القوى المحطمة لها فحسب .
لذلك كان لزامآ عليه ان يستحضر الألم المكبوت ويصوره بلغة مقاومة ورمزية , فلجأ الى تفعيل الوعي الجمالي النقدي , إذ كلاهما يستحضران بهذا التفعيل كقوى مضادة للقبح والإقصاء والتهميش , فكان الشعر الإحتجاجي الرمزي مثالآ له من ناحية , ولنفسه سلاحآ وكسوة للدفاع عنها ضد من يريد تحطيمها من ناحية اخرى , ليبدأ به القتال ضد الأسباب التي تحضّ على صنع الحطام وخاصة بالقصيدة الإحتجاجية كفعل مقاوم , و كتعبير عن حبه المطلق لبقاء النفس عزيزة وبعيدة عن الإهانة وبدرجات عليا . لذلك افرغ كل شيء بالمخيلة يحول دون تحقيق ذلك وابقى على الفعل المقاوم بها ,
وكأنه اراد ان يكون اوابآ الى الشعر فحسب وبشكل عام حتى في ميدان القتال وفض الإشتباك مع الحياة ليدفع عن نفسه وخزات الأسى وسوء الطالع مثلما تفعل الأوطان بأسلحة الردع في دفع الضر الناجم عن فِعال الأطماع والتجاوزات على السيادة , وبذلك خرج الراحل من حياة تريد ان تهين النفس الى حياة ترسّخ هيبتها . هكذا نشأت البنية النفسية للشاعر حسين عبد اللطيف ممتلئة بالضمير المقاوم , اي ان حسين لم يتكلم بالشعر عن نفسه فقط , بل تكلم بلسان جميع اصدقائه المتضررين من ظلم الحياة , وهذا يذكرنا بموقف الشاعر البصري الراحل مصطفى عبد الله* الذي يصادف مولده في يوم العاشر من تموز عام 1947 الذي هو يومرحيل شاعرنا حسين عبد اللطيف نفسه إذ يعبر عن ميدان القتال مع الحياة فيقول :
هكذا يقف الشاعر
كجسر بين طعنتين
متكِئآ على قامته المسننة
باسطآ كفيه فوق الدماء المحطمة
وحيدآ و يقرأ شعره
ضاربآ بقواه الخمس بين ارضه واصدقائه ( مجموعة الأجنبي الجميل – قصيدة الشيخوخة ص 56 )
وبذلك أنتقل بهذه البنية النفسية والمخيلة التي تقاوم إنهيار الروح والجسد , الى البدء بمنجزه الشعري المتمثل بمجموعاته الشعرية السبعة , التي حقق بها واوجد بها كل ابعاد الشعر المعروفة من حيث انتقاء اللغة والمعنى , فضلآ عن الإنتقال من السياق الشعري المحلي الى آخر وبرؤى غربية وشرقية لينشغل بها اياما وليال وبإصرار الى ان وافته المنية في العاشر من تموز 2014 .
الخاتمة
رحم الله الشاعر حسين عبد اللطيف الذي ابقى لنا ذكرياته الجميلة ومعها جمال صوته الشعري الإنساني الذي تصدّر وجوده الحافل بالإحتجاجات والإستنكارات ضد ابتلاع الحياة لرغبات نفسه التكوينية وضد تلاعبها بحريته وحرية اصدقائه الذين جعلوا من الشعر اداة نضالهم الثقافي ضد الحروب وضد تلك الأشكال الداعية الى تحطيم النفس البشرية , من امثال الراحلين الكبار;الشاعر عبد الخالق محمود واحمد جاسم واسماعيل الخطاب وجمعة اللامي وعقيل علي ومصطفى عبد الله وآخرين , رحم الله الجميع .