اليوم الوطني العراقي، وهم أم حقيقة؟

اليوم الوطني العراقي، وهم أم حقيقة؟

مثل امرأة عاقر تحلم بمولود جميل بعد رحلة عمر من اليباب، جاءت حكومة مصطفى الكاظمي في عام 2020 لتصدر تعليماتها في اعتبار يوم 3 من تشرين أول ما يعرف باليوم الوطني العراقي، استنادا لذكرى برقية رفعها عام 1932 رئيس وزراء العراق حينذاك نوري سعيد، يطالب فيها انضمام العراق لعصبة الأمم المتحدة، وجاءت الموافقة بمثل هذا التاريخ المنسي من قبل عصبة الأمم التي تأسست سنة 1920، عقب نهاية الحرب العالمية الأولى!
منذ عام 1932، أي تاريخ برقية نوري السعيد، وحتى حكومة الكاظمي التي أسقطته على الروزنامة العراقية يوما وطنيا، وبآلية تفتقد لفقه المواطنة ودلالات العيد الوطني ورمزيته الراسخة في الوجدان الشعبي، كما يجب، بين الموعدين كان تاريخ من الاغتراب الوطني قد شمل العراقيين جميعهم بلا استثناء، تاريخ يتمظهر بصور من الصراعات السياسية والحروب الداخلية، طرق انتقام السلطات والانقلابات الدموية، تواريخ لا تمحى من الذاكرة العراقية، وهي توثق المجازر والنفي والاستلاب والاضطهاد والسجون والتشرد، وتداول البلاد من قبل سلطات الاحتلال بعناوينها المختلفة والمتعمقة ببشاعتها وعدائها للشعب.
العيد أو اليوم الوطني يأتي عندما يشعر كل مواطن عراقي، باختلاف العرق والدين والمذهب، أن العراق ملكه، لأنه الحافظ لحقوقه وحريته وكرامته، وليس رقما في سجلات النفوس، أو بضاعة انتخابية لبقاء سلطة الاستبداد والفساد السياسي الذي صار يتنوع عراقيا، وفق مراحله المتحولة من النظام الجمهوري إلى النظام المسمى ديمقراطي، فالعيد الوطني لدى شعوب الأرض يقترن بحدث وطني عظيم، يبقى شاهدا ومذكرا بعظمة الوطن والشعب، كما هو الحال في فرنسا، إذ تحتفل يوم 14 تموز بذكرى اقتحام الثوار لسجن الباستيل عام 1789، أو العيد الوطني الأمريكي يوم 4 تموز 1776 عندما استقلت أمريكا عن بريطانيا العظمى آنذاك!
الوهم الذي صدرته حكومة الكاظمي باعتبار يوم الثالث من تشرين يوما وطنيا، في زمن كان فيه العراق خاضعا لدولة بريطانيا العظمى،’ 1932، أعطى التبرير لأحزاب الإسلام السياسي من التهوين لمناسبة يوم 14 تموز 58، في إذعان غير مباشر لدول الاحتلال، وتصريح علني لنزعة الكراهية للأيام المقترنة بحرية الشعب والثورة!
عراقيون كثيرون حملوا الوطن معهم مثل قلب ثان، وهربوا للغربة حفاظا على كرامتهم وقناعاتهم ومبادئهم في أجواء من الحرية والحياة الآدمية. ولا جناح عليهم.
وهناك حيث حكايات الهاربين في دول الشتات، أنشأت مقابر للتائهين في الغابات، والغارقون في بحار الهجرة السرية والأحلام الحبيسة.
سردية العلاقة مع وطن مثل العراق، تستدعي استحضار تاريخ طويل من الخوف والعثرات والقلق والذاكرة المحترقة بأحلامها، وطن معطوب بحكوماته وسلطاته وثقافته الوهمية الكاذبة!
وطن يستبدل هويته مع كل جيل للخيبة كأنه دولاب هواء يدور بلا ارتكاز للمعنى وسؤال الوجود!
أرجو للجميع وطنا بلا فاسدين وبلا قتلة!؟