السينمائي) تحتفي بالمخرج الراحل جعفر علي وتسلّط الضوء على مآثره الفنية

السينمائي) تحتفي بالمخرج الراحل جعفر علي وتسلّط الضوء على مآثره الفنية

صدر ببغداد العدد (22) من مجلة (السينمائي) وهي مجلة شهرية مستقلة تُعنى بشؤون السينما عراقيًا وعربيًا وعالميًا. وكدأبنا دائمًا نبحث عن التغيرات والأشياء الجديدة التي تطرأ على أبواب المجلة فوجدنا بعض الأسماء الذي يكتب أول مرة في (السينمائي) من بينهم الكاتب الحاذق علي حسين، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة (المدى) الغرّاء، وثمة أسماء تنشر للمرة الثانية مثل السينارست حامد المالكي ونصير شمه الذي تمّت محاورته في عدد سابق.

تضمّن هذا العدد 27 مقالة توزعت توزعت على الأبواب الثابتة مثل افتتاحية العدد، وحوار العدد، وملف العدد، ومهرجانات، وإضاءة، ونقد، ودراسات، وسينمائيون عراقيون جدد، ووثائق، وقراءة في كتاب، وخاتمة العدد. وبما أننا كتبنا عن (ملف العدد) مقالًا منفردًا ونشرناه في منبر آخر سنكتفي بذكر عناوين المقالات وأسماء المساهمين الثلاثة عشر وهم كالأتي: (جعفر علي . . عرّاب السينما العراقية) لعبدالعليم البنّاء، (جعفر علي . . نخلة لم تُسقَ) للدكتور صالح الصحن، (جعفر علي . . الدرس الأمثولة) للدكتور طه الهاشمي، (جعفر علي . . عرّاب السينما العراقية) للدكتور طارق الجبوري، (قصتي مع الأستاذ جعفر علي) للدكتور علي صباح، (الواقعية لدى الإنسان والفنان جعفر علي) للدكتور سالم شدهان، (جعفر علي . . قدّيس السينما العراقية) لحامد المالكي، (أربعة أفلام لا غير) لعلاء المفرجي، (جعفر علي . . بصمة واضحة تركت أثرًا واضحًا) للدكتور محمد حسن، (ذكريات خاصة . . طالب ومن ثم ممثل في فيلم جعفر علي) لسمير حنّا خمورو، (أنا وجعفر علي والدرس الأول) لسعد نعمة، (فيلموغرافيا جعفر علي) لمهدي عبّاس و (وجوه جعفر علي) لعلي حسين.

تفعيل صناعة السينما

انضوت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير عبدالعليم البنّاء تحت عنوان استفهامي مفاده:ماذا نريد من السينما؟ وأجاب عليه بدقة بالغة قائلًا:”كان الهدف- ومازال- هو توفير منصّة متخصصة للنقاش والتحليل والترويج للسينما، سواء أكانت محلية أم عربية أم عالمية، وتقديم محتوى ثقافي ومعرفي للجمهور، والمساهمة في تطوير وتفعيل صناعة السينما”. وفي باب “مهرجانات” كتب محمد عبدالحميد تغطية واسعة للدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي قبل انطلاق فعّالياته وتوقف عند أبرز التصريحات التي أدلى بها الدكتور جبّار جودي، رئيس المهرجان، والدكتور حكمت البيضاني، مدير المهرجان كما أشار إلى أبرز الفعاليات الفنية والثقافية التي ستتخلل المهرجان خلال المدة المحصورة بين 15 – 21 أيلول / سبتمبر 2025.

وفي باب (حوار العدد) حاور الإعلامي والكاتب الصحفي الدؤوب عبدالعليم البناء الدكتور حسن السوداني، مستشار رئيس الوزراء، رئيس لجنة الحسن بن الهيثم للذاكرة البصرية العراقية حوارًا مُعمّقًا أكدّ فيه على ترميم فيلم “سعيد أفندي” للمخرج كاميران حُسني الذي شارك في مهرجان “كان” هذا العام وكان فيلم الافتتاح للدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي. كما أشار في متن الحوار إلى تأسيس (سينماتيك العراق) الذي يشمل (إنسايكلوبيديا السينما العراقية). وأضاف بأننا نمتلك الآن % 70 من الأفلام العراقية بصفتها الأصلية وأخرى مطبوعة بأشرطة غير سينمائية. وأنّ خطوة الترميم القادمة ستشمل فيلم (المنعطف) للمخرج الراحل جعفر علي. وأنّ عملية الحفظ والترميم سوف تشمل أكثر من 100 فيلم عراقي. ووجّه المستشار نداءً إلى السينمائيين العراقيين ومحبيّ السينما في بلاد الرافدين إلى تزويد لجنة الحسن بن الهيثم للذاكرة البصرية العراقية بالمُقتنيات السينمائية مع ذكر أسماء المتبرعين وصرف مكافآت مالية لهم. ولمعرفة التفاصيل الأخرى ندعو القرّاء لاقتناء هذا العدد وقراءته برويّة وإمعان.

سلّطت مجلة السينمائي الضوء على الدورة الـ 78 لمهرجان لوركانو السينمائي حيث خطف فيلم (فصلان غريبان) للياباني شو مياكي جائزة الفهد الذهبي، فيما حصل فيلم (حكايات الأرض الجريحة) لعباس فاضل على جائزة أفضل إخراج.. وثمة إشارة إلى مشاركة علي يحيى في برنامج (أكاديمية صنّاع الأفلام) لدعم ورعاية الجيل الجديد من السينمائيين حول العالم.

قصة حُب عراقية – تركية

في باب (إضاءة) نقرأ خبرًا موسعًا عن (بابل الحضارة) وهو فيلم عراقي- تركي مشترك يتمحور حول شاب عراقي يدرس الآثار حيث يتعرّف على باحثة تركية متخصصة بحضارات الشرق الأوسط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ويشرع بدعوتها إلى مدينة بابل للتعرّف من كثب على الحضارة العراقية اللافتة للانتباه.

يعاود الكاتب والمخرج سعد نعمة ليتحفنا بمقال جميل في بابه الثابت (سينمائيون عراقيون جُدد) ويعرّفنا بالمخرج عدي عبدالكاظم الذي تميّز في إخراج وتقديم أفلام التحريك (الأنيميشن). وهو من مواليد 1981 بمدينة كركوك أنجز ستة أفلام أبرزها (السفينة) و (أنا البذرة) و (كرة) و (تخطيط) الذي كان أطروحة تخرجه عام 2022. حصد عبدالكاظم العديد من الجوائز المحلية والدولية.

يُتحفنا الموسيقار نصير شمّه الذي سبق أن حاورته “السينمائي” في عدد سابق بدراسة نقدية لفيلم (الجلسة الأخيرة لفرويد) للمخرج ماثيو براون. ورغم أنّ الدراسة النقدية قد تركزت على أداء الممثلين وخاصة أنتوني هوبكنز إلّا أنها كانت عميقة وتغوص في أعماق الشخصيات. كما كانت لغته رشيقة وخالية من الترهلات التي تُثقل كاهل النص النقدي. دعونا نقتبس المقطع الآتي الذي يقول فيه شمّه:” هوبكنز (لا يُمثّل) فرويد بل يستحضره، كإنما يُوقظه من سباته التحليلي الطويل. يُلبسه صوته المبحوح وارتعاشة يده وعينيه اللتين لا تنظران من أمامه، بل إلى الطفل المختبئ في داخله. في كل جملة، في كل لحظة صمت، في كل نظرة أو رعشة حاجب . . يخلق هوبكنز من فرويد إنسانًا مُتعبًا من الأسئلة. لا يبحث عن أجوبة، بل يُنقب في شروخ النفس وألغازها”. يتمحور الفيلم على الإلحاد واضطراب ما بعد الصدمة وطبيعة علاقات فرويد ولويس بالآخرين مثل ابنة فرويد آنا التي تعتمد على والدها في كل شيء وتعرّفه في نهاية الأمر على حبيبتها المثلية وما إلى ذلك من قصص وحكايات.

كتب صاحب هذه السطور عن فيلم (أمَريكا) للمخرج البيروفي خافيير أرياس ستيلا الذي تتمحور قصته على فتاة في العاشرة من عمرها تعيش في قرية نائية في جبال الأنديز البيروفية وتحلم باقتناء دراجة هوائية كي لا تتأخر عن المدرسة مرة أخرى ولكي تكسب المال لشرائها عليها أن تضع خطة محكمة فتجمع بيض الدجاج في الحقل وتبيعه يوميًا كما تستثمر حيوانات اللاما لنقل حقائب السياح فتحصل في خاتمة المطاف على المبلغ المطلوب الذي يتيح لها شراء الدراجة الهوائية.

ظاهرة الفيلم الجماعي

في باب الدراسات أيضًا يكتب الناقد رضا الأعرجي موضوعًا عن (ظاهرة الفيلم الجماعي) التي كسرت تقاليد هوليوود الصارمة وأنتجت الكثير من الروائع. ويورد الأعرجي أمثلة كثيرة على الأفلام الجماعية أبرزها فيلم (قصة الحي الغربي) الذي لم يكن أول فيلم في تاريخ السينما يخرق قاعدة المخرج الواحد فقد اشترك في إخراجه روبرت وايز وجيروم روبنز، ثم فيلم (إذا كان لدي مليون) الذي أنجزه سبعة مخرجين وهم إرنست لوبيتش، نورمان تاوروغ، ستيفن روبرتس، نورمان زد ماكيلود، جيمس كروز، وليام أ سيتر، بروس همبرستون ولوثار مينديز. ويشبّه الأعرجي مخرج الفيلم بربّان السفينة الذي يأخذ على عاتقة قيادة دفتها إلى برّ الأمان ويتحمل مصائر الأشخاص الذين يقيمون في جوفها أو متنها على حدٍ سواء.

تكتب الدكتورة بان صلاح شعبان في باب دراسات أيضًا مقالًا عن(السينما والتلفزيون وصراع البقاء) وتتساءل منذ البدء:هل يحلّ التلفزيون محل السينما كمكان للسرد السمعي البصري الفني. ومع أنها تصطف لمصلحة التلفزيون لكنها تؤكد على أنّ جمهور السينما يعكف على تذوق الفن والبحث عن التجربة العميقة في حين أنّ عاشق التلفزيون يتلقى المحتوى بشكل متسارع ومستهلك دون الحاجة إلى التوقف أو التأمل وبالتالي تظل السينما مجالًا للبحث عن التجربة الجمالية والمعرفية بينما يظل التلفزيون وسيلة للتسلية اللحظية التي لا تتوقف عند حدود الزمان والمكان.

وفي باب دراسات أيضًا نقرأ مقالًا عن (رحلة تصميم ملصقات أفلام السينما في العراق) للدكتور فالح حسن الخطّاط يرصد فيه ملصقات الأفلام العراقية التي كان تنفّذ في مصر ولبنان ولكن الأمر سيتغيّر على يد الرسام عبدالأمير المالكي الذي لمع اسمه في ستينات القرن الماضي وكان يعتمد المذهب الواقعي الذي كان سائدًا في عدد كبير من ملصقات تلك الحقبة. يشير المالكي بأنّ أول ملصق طُبع في العراق كان لفيلم (الظامئون) صمّمهُ الراحل صادق سميسم. وفيما بعد بدأ العراقيون بتصميم ملصقاتهم السينمائية وطرق رسوماتها منها الكاريكاتيرية مثل ملصق فيلم (الجابي) للفنان غازي عبدالله، وفيلميّ ( 6 / 6 ) و (حُب في بغداد) للفنان عبدالرحيم ياسر الذي استعمل الكولاج ومزج بين الرسم والصور الفوتوغرافية. أمّا من أدخل الصورة الفوتوغرافية في الرسم فهو الفنان رياض عبدالكريم.

اليرموك . . الفيلم الموؤد

يكتب الناقد السينمائي علي جبّار عطية موضوعًا قيّمًا عن (صلاح الدين الأيوبي) و (اليرموك) وحكاية مشروع فيلم موؤد. وقد انطلق الباحث عطية في كتابة هذا المقال من صور توثق زيارة الفنان أنتوني كوين للعراق عام 1978 أو 1979 بهدف إنتاج فيلم عن (صلاح الدين الأيوبي) على غرار فيلميّ (الرسالة) و (عمر المختار). أمّا مشروع الفيلم الموؤد فهو فيلم (اليرموك) الذي يروي تلك المعركة المفصلية التي درات رحاها سنة 15 هجرية (636 ميلادية) وأنتصر فيها المسلمون وفتحوا بلاد الشام. يعرّج الباحث على كتاب (مذكرات مدير إنتاج سينمائي) لضياء البياتي الذي سلّط الضوء على الخلافات التي نشبت بين السينارست المصري محفوظ عبدالرحمن والمخرج صلاح أبو سيف حول المكافأة المادية بصدد الفيلم حيث سبق له أن اختلف مع صلاح أبو سيف بصدد أجرة السيناريو في فيلم (القادسية) وسوف يُرشح المخرج محمد شكري جميل لأخراج هذا العمل لكنّ تبدل المدير العام للسينما والمسرح عبدالأمير معلة الذي حلّ محله صباح سلمان الذي اتهم الإدارة السابقة ومنهم معلّة والبياتي بالخيانة لأنهم لا يعرفون توزيع الأفلام هو الذي وأد هذا المشروع إضافة إلى الرقابة البعثية المقيتة التي وأدت العديد من المشاريع السينمائية مثل فيلم (السلاح الأسود) لمحمد شكري جميل وغيرها من الأفلام التي يعتقد صانعوها أنها كانت ستغيّر وجه السينما العراقية لو أنها وجدت طريقها إلى التحقق.

السينمائي . . المطبوع البهي

ثمة مقال في باب (قراءة في كتاب) مُوقّع بقلم (السينمائي – خاص) يتصفح كتاب (السينمائي . . المطبوع البهي) تأليف الأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي، عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة الحلّة والباحث التوثيقي محليًا وعربيًا الذي دأب على إضاءة جوانب مختلفة من عطاءات وإبداعات وتاريخ ومسيرة السينما والمسرح في العراق. وفي هذا الكتاب يتوقف عند عشرين عددًا من مجلة (السينمائي) الغرّاء.

أمّا مسك الختام فكان بقلم الدكتور جبار جودي، نقيب الفنانين العراقيين، مدير عام دائرة السينما والمسرح، ورئيس مهرجان بغداد السينمائي الذي عرّج على نجاج الدورة الأولى من مهرجان بغداد السينمائي وانطلاق الدورة الثانية التي تم فيها استضافة تونس كضيف شرف والاحتفاء بسينمائييها وتنظيم فعاليات ثقافية وفنية موازية لعروض الأفلام التي نالت استحسان النقاد والجمهور على حد سواء. كما أشار الدكتور جودي إلى ارتفاع وتيرة الإنتاج للأفلام الروائية والوثائقية الطويلة والقصيرة إضافة إلى أفلام التحريك (الأنيميشن). وفي السياق ذاته أشار الدكتور جودي إلى انعقاد مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب الذي انطلق في شباط / فبراير 2025 لدعم المواهب الشبابية وتعزيز دور الفن السابع بوصفه وسيلة مُثلى للتعبير والتغيير.