تابعتُ البارحة لقاءً لإحدى النائبات على إحدى القنوات الفضائية، وهي تقول إنها تنتقل من كتلة إلى كتلة، ومن زعيم سياسي إلى آخر، لأنها – كما تزعم – تشعر بأن المصلحة الوطنية تفرض عليها ذلك.
لكنني لم أرَ في الأمر سوى نوع من الجقلمبات السياسية، وأسلوب جديد من أساليب تدوير المصالح، والسير مع تيار المنافع.
في خضم الحراك اليومي على الساحة العراقية، تتسابق الأحداث وتتشابك المواقف حتى تكاد تُربك المتابع العادي وتشتت اهتمامه. وما نراه اليوم ليس مجرد خلافات سياسية طبيعية، بل هو أقرب إلى “أمضاءات سياسية” تتشكل وتذوب على إيقاع المصلحة والهوى، لا على أساس المبادئ أو الثوابت الوطنية.
السياسي الذي يرفع شعار الولاء صباحاً، قد يغيّر بوصلته مع غروب الشمس إذا اقتربت منه مكاسب شخصية أو وعود بامتيازات جديدة. والكتلة التي ترفع لواء المعارضة بشدة، قد تتحول إلى حليف بالأمس القريب إذا ما تلاقت مصالحها مع خصومها. هذا التشابك والتقلّب المستمر جعل الجمهور يعيش في دوامة من الحيرة والخذلان.
لقد بات واضحاً أن كثيراً من المواقف السياسية لم تعد تُبنى على رؤية استراتيجية أو مشروع وطني شامل، وإنما على تكتيكات آنية لا تتجاوز حدود الكرسي أو الغنيمة. وبهذا ضاعت القيم التي يُفترض أن تحكم السلوك السياسي، وضاع معها الرابط – أي الثقة والصلات – الذي يشد المواطن بمؤسساته وقياداته.
إن ما نشهده اليوم من “منافقات سياسية” – أي تبدل التحالفات وتلون المواقف – ليس إلا انعكاساً لأزمة أعمق: أزمة غياب الثبات على المبدأ. فحين تصبح السياسة مجرد لعبة مصالح يتراجع فيها الصوت الوطني أمام منطق الصفقات، يُترك الشعب في خانة الانتظار، باحثاً عن بارقة أمل أو قيادة صادقة تثبت على وعدها.
ويبقى السؤال المؤلم: إلى متى سيبقى المواطن تائهاً في زحام هذه الأمضيات السياسية؟ ومتى تستعيد العملية السياسية وجهها الحقيقي كخدمة عامة، لا كحلبة صراع على الغنائم؟