الصدفة التي تولد شخصيةً لتكون قائدا ، وخصوصا لبلد مثل العراق تعني أن من ورائه طعم يراد به غاية لاسيما اذا كان صاحب الطعم دولة القطب الواحد، الولايات المتحدة الاميركية، ساستها عباقرة في المكر والدهاء في علم لطالما غير مفاهيم المصطلحات الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية وجميع المفاهيم الاخرى الخاضعة للمتغيرات، انه علم السياسة الدولية، فاذا اراد ساسة بلد ما ان يصلوا الى سدة الحكم وحوكمة البلاد يجب عليهم ان يكونوا ضليعين وملمين في مجالين لا يمكن فصل احدهما عن الاخر، السياسة العامة والسياسة الدولية، فالفشل في ادارة الملفات الداخلية ستكون له انعكاساته الخطيرة على البيئة الخارجية والتي ستولد علاقات متوترة مع المحيط الاقليمي والدولي الامر الذي سينعكس بدوره داخليا لدرجة انه سيولد انفجارا داخل الدولة خصوصا اذا كانت ذات تنوع قومي وطائفي ومذهبي مثل العراق.
وشائت الصدف والاقدار ان تدفع الولايات المتحدة الاميركية بشخصية كانت منزوية على نفسها عن ممارسة السياسة وفنها ، شخصية كانت تعيش في دمشق في منطقة السيدة زينب بالتحديد تمارس مهنة عيش لها علاقة بالخرافات والخزعبلات( المحابس والسبح والخرز)، تختلف حتى عن المهن العادية ، فلو كان صائغ مجوهرات على سبيل المثال لقلنا انه يجيد فن الصياغة والجمال، ولا عيب ان كان الانسان يكسب لقمة عيشه من عرق جبينه فذلك شرف له وكثير من الشخصيات السياسية العالمية بدأت خطوة بخطوة، لكن الاغرب ان تلك الشخصية لم تتدرج في مهنة وعلم السياسة وليس له بالقول الشائع ( كاريير) اي لم يتدرج من الادنى ليصل الى الاعلى، وتلك الطامة الكبرى، ليكون عقلية فذة لها بصر وبصيرة، فالمهم انه من اخوان المعارضة، التي بطشت هي الاخرى بطموحات الشعب العراقي وسخرت موارده لخدمة جيوبها واحزابها المثقلة بالولاءات والتبعية الخارجية، ليقال عنه انه قد ناضل ضد النظام السابق!!!، وهم في حقيقة الامر إمعة جلبتهم القوات الاميركية ليقسموا بهم وطننا الغالي.
المالكي صدق نفسه بان دولة القطب الواحد تمده وتدعمه بكافة اشكال الدعم عندما اوصلته الى رئاسة الوزراء وهي تعلم حق العلم بميوله واتجاهاته ، فكلنا يتذكر كلمته امام الكونغرس الاميركي في عام 2006 والتي وصفها الديمقراطيون الاميركان بانها خطبة متفائلة جدا ووجهوا له انتقادات عدة تخص قراءة ما بين السطور لخطبته المبالغ فيها والمجردة من الواقعية، حيث توعد فيها بالقضاء على المليشيات والارهاب وحصر السلاح بيد الدولة والبناء والاعمار الى اخره من الخطب الرنانة والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، سوى ان اعضاء الكونغرس كانوا يصفقون بحرارة بالغة وهذه طبيعتهم ، وكما هو متوقع لم يفي المالكي بشيء من ذلك ، فقد قامت المحافظات السنية بضرب تنظيم القاعدة في مناطقهم بالتعاون مع الجيش الاميركي الذي امدهم بالسلاح والمال، ولكي يبين السيد المالكي سوء النية ، قام برد الجميل وضرب الصحوات السنية ورفض الاستمرار بدفع رواتبهم وتعدى الامر الى تصفيتهم جسديا واعتقالهم على ايدي قواته ليعطي الاشارة لعودة الاضطرابات وضعضعة الامن في المناطق الساخنة ليؤكد رأي الديمقراطيين ويؤكد للادارة الاميركية ان خطابه كان هرطقة بهرطقة ، تلك الادارة التي اغوته واغرته من خلال خطب الرئيس الاميركي ونائبه ووزراء خارجيتهم ان العراق يشهد استقرارا امنيا وتطورا نوعيا في الاعمار وبناء مؤسسات ديمقراطية حقيقة ترعى حقوق الانسان والى ماغير ذلك من الدعاية السياسية الافاكة التي جعلته يتباهى ويتفاخر، جاهلا ان اميركا معروفة قديما وحديثا بسياسة المعايير المزدوجة ، لقد القت له الطعم كما القته من قبل الى صدام حسين عندما اثارت من حوله ظروفا اقليمية واقتصادية صعبة اجبرته على اجتياح الكويت ، ليعطي للولايات المتحدة حق التدخل في المنطقة و نشر قواعدها العسكرية، حجة لطالما انتظرتها كذريعة للتدخل وتثبيت اقدامها في المياه الدافئة والتي تزامنت قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي سابقا، اي ان التوقيت كان مضبوطا وكانوا على دراية تامة بالحدث، كي تتفرد بشؤون العالم وتحكم قبضته عليه، بعد ان ضمنت ان السوفيت لا حول لهم ولا قوة.
هذه المرة تطلب منهم الامر لاعادة خارطة المنطقة ديمغرافيا وجيوسياسيا وقلب طاولة المفاوضات على رأس طهران، الملف النووي الذي طالما ناور به الايرانيون، وتوجيه ضربة لموسكو حليفة طهران على غرار الازمة الاوكرانية والقضية السورية المحتدمة، أسقاط الحكومة الحليفة الاقوى في المنطقة لايران، الحكومة العراقية بالقيادة الحالية لرئيس وزراء العراق ذو الارضية الهشة، من خلال الاعتراف ولو ضمنا بالحقوق المشروعة للمكون السني ذو الاقليم الواسع مقارنة بمساحة العراق ، ولو انهم مازالوا، اي الاميركان، يسمون المسلحين بداعش خجلا من فضح زيف ادعائاتهم السابقة بنجاح الحكومة العراقية، ولكنهم اعترفوا بالحقوق المشروعة لما يسميه ساسة البيت الابيض بالمعتدلين، وربما تكون الخطوة اللاحقة اشد قساوة على المالكي وحلفاءه الذين بدأوا يفقدون مواقعا داخل العراق وداخل سوريا نفسها، لقد أخطأ المالكي بأن لدى أميركا أصدقاء حتى وأن أخلصوا لهم، فلقد كان له ومن حوله دروس وعبر سابقة في قادة الدول العربية وهم كانوا أكثر أخلاصا في الحفاظ على المصالح الاميركية في المنطقة، فرئيس الوزراء والمقربين منه بحاجة لدراسة متأنية في المفاهيم السياسية لفهم ابعادها في ادراة دفة الحكم ، لكنه ابتلع الطعم وخذل أصدقائه وفاز الثوار.