عندما كنا في المرحلة الابتدائية، كانت إدارة المدرسة تطلب من كل طالب مبلغًا بسيطًا لشراء طابع دعم القضية الفلسطينية. وكانت هناك مادة مدرسية تسمى التربية الوطنية، وما زلت أتذكر جيدًا – ويذكر من عاش تلك الفترة – كيف كان أستاذ هذه المادة يشرح لنا معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، وكيف كان الفدائيون من أبناء فلسطين يفجرون الدبابات الإسرائيلية برمانة يدوية.
كان الحماس يزداد في نفوسنا عندما نسمع خطب الجمعة في مساجدنا الطينية، إذ كان الخطيب يرفع صوته داعيًا إلى تحرير فلسطين باعتبارها أرضًا مغتصبة. كبرنا وكبرت معنا هذه القضية، وظلت الشغل الشاغل للعرب ولجامعة الدول العربية التي كانت تصدّر قراراتها دومًا باسم فلسطين، كما بقي بعض الرؤساء العرب يرفعون شعار تحريرها.
لكن المواطن العربي اليوم، وبعد سنوات طويلة من الحروب والمشاكل الداخلية والجوع والحرمان، ومع تفكك الدول العربية وغياب الحس القومي، أصبح يشعر بإحباط شديد. صار مقتنعًا بأن القضية الفلسطينية كانت، بالنسبة إلى كثير من الحكومات، مجرد ورقة سياسية وإعلامية لا أكثر، ووسيلة لإشغال الشعوب وقمعها تحت شعارات الوحدة والتحرير.
اليوم نرى أن الدول نفسها التي كانت تتغنى بفلسطين وتتبرع لدعمها، قد غيّرت مسارها بالكامل. فبعضها وقّع معاهدات سلام وطبع علاقاته مع إسرائيل، مبررًا ذلك بأن السلام ضرورة وأنه الضمانة لحق الفلسطينيين في دولتهم. لكن الواقع أن الدولة العبرية تمتلك السلاح النووي بينما الدولة العربية لا تزال تمتلك سلاح الحجارة فقط.
اللافت أن هذا التحول نحو التطبيع جاء سريعًا وعلنيًا، وما خفي كان أعظم في الكواليس. وهنا يتبادر السؤال: أين ذهبت تلك الطوابع التي كنا نشتريها بصعوبة من مصروفنا ونحن نعاني الفقر؟ وأين قرارات الجامعة العربية على مدى سبعين عامًا؟ وأين ذهبت أصوات الجماهير العربية التي كانت تهتف في الشوارع من أجل فلسطين؟
كل ذلك تلاشى بمجرد توقيع بسيط من رئيس أو ملك عربي. والأسوأ من ذلك أن الشعوب العربية نفسها باتت منقسمة اليوم بين مؤيد ومعارض، وبين من هرول إلى التطبيع ومن ينتظر فرصته لذلك.
وتبقى شعوبنا تصفق لحكامها في كل زمان ومكان، سواء نادوا بالتحرير أو بالتطبيع…
ولله في خلقه شؤون.