تتوالى التحليلات بشأن اليوم التالي للاعتداء الصهيوني على سيادة قطر واستهداف مقرّ لقادة حركة “حماس”.. إذ إن ثلاث دول على قائمة أهداف البنك الإسرائيلي، هي: العراق، وتركيا، ومصر.
واحتوت مواقع القنوات الفضائية برامج حوارية عرضت صخب الفوضى في الرد والرد المضاد.. بل واستعراض القدرات القتالية بكل أنماط الحرب في الأجيال المبتكرة من الأسلحة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.. في حين حملت مواقع التواصل الاجتماعي العراقية ضبطَ الإيقاع على موجة التضارب والتناقض بين أطراف العملية السياسية في تعريف العدو والصديق.. بل إن أغلبهم لم يطرح الإجابةَ الصحيحة والواقعية عن اليوم التالي.. هل المطلوب انتظار الطائرات الإسرائيلية فوق الأجواء العراقية.. أم ثمّة حلول جوهرية للتعامل مع إدارة هذه الأزمة ومتغيراتها قبل أسابيع من الانتخابات المقبلة؟؟
هناك أكثر من نموذج مطروح على الساحة العراقية.. أبرزها:
أولاً: عسكرياً.. هناك من يتباهى بالقدرات الإيرانية وما تحمله من فرضيات لاستيعاب الضربة الأولى في حرب حزيران الماضية.. وكأن واقع الحال أن الساحة القتالية واحدة بين العراق وإيران، وقد غاب عن هؤلاء أن دفاعات الجو أو الصواريخ الاستراتيجية الإيرانية لن، ولم، ولا تدافع عن الأجواء والأراضي العراقية في حالة وقوع أي عدوان إسرائيلي مرتقب.. ولا بد من البحث عن البدائل التسليحية العراقية.. نعم، هناك علاقات دعم استراتيجي بين العراق وإيران.. لكن السلاح القتالي في الدفاع عن الأراضي الإيرانية يختلف كلياً عنه في الأراضي العراقية.. وكل هذا التباهي إنما هو خواء وفراغ كبير في القدرات القتالية العراقية على مستوى الأمن القومي العراقي.
ثانياً: سياسياً.. أكره تحليل نموذج الاختلافات والشماتة في أن قرار فصائل المقاومة الإسلامية هو المسؤول عما يتوقع حدوثه من التهديدات الإسرائيلية.. وتبرير قرار واشنطن بإقرار عقوبات جديدة على أربعة فصائل مؤخراً.. ناهيك عما سبق وأن فُرض عليهم من هذه العقوبات.. إن المخاطر لن تقع على هذه الفصائل تحديداً.. بل على سيادة العراق الواحد، وطن الجميع.
هذا الاختلاف في وجهة نظري.. يتطلب التوحد تحت عنوان (العراق أولاً) في بوصلة واضحة ضمن تحالف إدارة الدولة والإطار التنسيقي تحديداً.. تبدأ بالتعامل مع الفصائل الحزبية المسلحة بإقرار الفاصل القانوني بين نموذجين: إما العمل السياسي.. ودخول الانتخابات ووضع كل السلاح تحت سيادة القوات المسلحة للدولة. وإما إخراجها من السباق الانتخابي بعنوان واضح وصريح.. وفق قانوني الأحزاب والانتخابات.. ونتيجة
أنها فصائل تحت طائلة العقوبات الأمريكية التي تتحالف معها الدولة العراقية في اتفاقية استراتيجية.
ثالثاً: اقتصادياً.. من الواضح وقوع الكثير من الكيانات الاقتصادية، لا سيما البنوك، تحت طائلة العقوبات الأمريكية.. وأخيراً التأثيرات السلبية على استيراد الغاز من تركمنستان عبر إيران، مما يؤدي إلى هبوط قدرات تجهيز الكهرباء في العراق.. واستمرار نموذج الدولار النفطي تحت هيمنة الفيدرالي الأمريكي.. وما يحدث من تصاعد وتيرة إعادة فرض العقوبات الدولية بآلية الزناد الأوروبية.. كل ذلك يطرح السؤال على أحزاب تحالف إدارة الدولة.. والآباء المؤسسين للعملية السياسية برمتها والمرجعيات الدينية العليا.. هل المطلوب إعادة العراق إلى ذات العقوبات والعودة إلى سنوات الحصار التي عاشها العراق في تسعينيات القرن الماضي… أم لا؟؟؟
رابعاً: هناك سياسات توازن على حافة هاوية محلية وإقليمية ودولية.. هذا التوازن يطبقه بمهارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وفريق العمل معه .. لكنه يمكن أن يسقط في أتون أي خلل أو خطأ في قواعد الاشتباك.. مع تصاعد التهديدات.. عندها تكون (غلطة الشاطر بألف غلطة).. وهذا يحتاج من وجهة نظر متواضعة جداً.. إلى شفافية الأداء والمصارحة الوطنية.. وهذا ما فشل فيه رؤساء الوزراء السابقون.. فشل المالكي في التمييز بين الثابت والمتحول فيما يخص التحالف الاستراتيجي.. لضبط بوصلة العلاقات مع واشنطن وطهران فتحول العراق إلى ساحة حرب لتصفية الحسابات بينهما.. وفشل العبادي في إعلان حربه على مفاسد المحاصصة وأمراء الإقطاع السياسي.. وعدم استثمار الانتصار على فلول عصابات داعش. وفشل عادل عبد المهدي في الحالتين: ضبط موقع العراق على خارطة الصراع الأمريكي الإيراني ومكافحة الفساد… فالسؤال إذا كان السوداني راغباً في ولاية ثانية لرئاسة الوزراء، فعليه المصارحة والشفافية.. وأن تكون بوصلة “عراق واحد وطن الجميع” هي الأولى والأخيرة.. ومنهجاً وزارياً راسخاً للحكومة المقبلة.. عندها يمكن أن تُسند إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مهام واضحة.. في تطبيق قانوني الأحزاب والانتخابات.. ألا يكون هناك مرشح من أي طرف من الفصائل المسلحة.. ولا مرشح ثَبُت فساده السياسي والمالي والإداري.. ولا مرشح مسموح له باستخدام المال العام في الدعاية الانتخابية… هذه الحوكمة المنشودة.. هي التي تجيب على سؤال اليوم التالي.. ويبقى من القول: لله في خلقه شؤون!!