المفقودون الكويتيون.. ملف إنساني يتحول إلى شماعة سياسية

المفقودون الكويتيون.. ملف إنساني يتحول إلى شماعة سياسية

تبنى مجلس الأمن الدولي، أمس الأربعاء، قرارا جديدا بالإجماع يهدف إلى تيسير جهود إعادة جميع الكويتيين ورعايا البلدان الثالثة المفقودين في العراق، فضلا عن إعادة الممتلكات الكويتية، بما فيها المحفوظات الوطنية.
ومرة أخرى يعود ملف المفقودين الكويتيين إلى واجهة المشهد الدولي كشماعة سياسية بعد أن تبنّى مجلس الأمن هذا القرار والدي يمدد إشراف الأمم المتحدة على هذا الملف حتى عام 2030. قرارٌ يبدو في ظاهره إنسانيًا، لكنه في جوهره يعكس استمرار توظيف الماضي في الحاضر، ويضع العراق تحت طائلة التذكير المستمر بميراث الغزو الذي مضى عليه أكثر من ثلاثة عقود.
لا أحد يمكنه أن يُنكر أن قضية المفقودين – سواء كانوا كويتيين أم عراقيين – هي جرح إنساني عميق يستحق البحث والإنصاف. عائلات فقدت أبناءها منذ حرب 1990–1991 ،ما زالت تبحث عن بقايا رفات أو عن حقيقة مصير أحبائها. العراق نفسه يضم آلاف الملفات المماثلة لضحايا الحروب والحصار والعنف، ولا يحق لأي ضمير حيّ أن يقلل من قيمة هذه المعاناة.
غير أن المتابع يدرك أن الملف تجاوز منذ زمن طويل حدّه الإنساني ليتحوّل إلى شماعة سياسية تُستحضر عند كل أزمة في العلاقات العراقية–الكويتية. فمنذ عام 2004، حين جرى التعرف على جثامين 236 مفقودًا، لم يشهد الملف أي تقدم جوهري. ومع ذلك، يُعاد تدويره باستمرار كورقة ضغط، فيما يتم التغاضي عن ملفات عراقية إنسانية لا تقل خطورة، كالمفقودين من ضحايا المقابر الجماعية أو الحروب اللاحقة.
لا احد ينكر ان العراق التزم طوال السنوات الماضية بالتعاون مع الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وقدّم ما لديه من معلومات وفتح مواقع الدفن عند اكتشافها. لكنه يجد نفسه اليوم مجددًا أمام قرار أممي جديد يمدد وصاية المنظمة الدولية على الملف، وكأن القضية بلا أفق للحل. هذا يثير تساؤلات عراقية مشروعة: إلى متى يبقى العراق أسيرًا لماضٍ أليم رغم أنه دفع – ولا يزال – أثمانًا باهظة؟
فإذا كانت الأمم المتحدة حريصة على إغلاق جراح الماضي، فالأجدر بها أن تتعامل مع الملف من منظور إنساني متوازن، يساوي بين المفقودين الكويتيين والعراقيين، ويضع حدًا لاستخدام القضية كورقة ابتزاز سياسي.
 إن إطالة عمر الملف حتى عام 2030 لن تعني سوى إبقاء العراق تحت ضغط دائم، بدل أن يكون الهدف هو طي صفحة الماضي وفتح أفق جديد لعلاقات الجوار والتعاون.
إن المفقودين الكويتيين والعراقيين على حد سواء هم ضحايا حرب وحسابات سياسية لا ذنب لهم فيها. واجب الإنسانية يحتم البحث عن مصيرهم، لكن الواجب نفسه يفرض أن لا تبقى قضيتهم سيفًا مُسلطًا على العراق كلما احتدم النقاش مع الكويت.و آن الأوان للتعامل مع هذا الملف بعيدًا عن لغة العقوبات والقرارات المتكررة، وأن يُعاد إليه بعده الطبيعي: البعد الإنساني الخالص.

أحدث المقالات

أحدث المقالات