شهد عام 2013 انهيارات مدوية للاسلام السياسي في الدول التي اجتاحتها التغيرات السياسية مثل تونس ومصر وليبيا . وعلى نفس الخطى المنهارة سارت حكومة العراق التي تعمل تحت هيمنة الأحزاب الأسلامية بشقيها السني والشيعي وأوقعوا البلد بأخطر صراع طائفي تحت مسميات وشعارات دينية مختلفة حتى تهاوت الدولة اخيراً تحت إجتياح كائنات بدائية متشحة بالسواد داست على عصرية المدن وقطٌعت شرايين الحياة والأنسانية والطفولة والأنوثة فيها …
لانحتاج لدليل كي نمنع الاسلام السياسي من دخول قصور الحكم مرة اخرى ، وإن حدث ويحدث في أماكن متعددة من العالم فاننا نشهد الكوارث اليومية التي تطيح بتاج الأنسانية وتلصق العار بمراكز القوى المعتدلة في كل مكان حول العالم. كوارث الأسلام السياسي تصلح لأن تكون رسائل تحذر التاريخ والأجيال القادمة من هول مايحصل .
فشل في النظرية الأجتماعية أيضاً
لو عدنا الى بداية الاسلام في جزيرة العرب القاحلة والخالية من اي دعامات أساسية للحياة أنذاك كان التنافس بين سكانها تنافساً غير شريف من أجل تلك الحياة المستحيلة . لذا جاء الاسلام بمجموعة توصيات ليبني منظومة أخلاقية تقلل من ذلك التنافس المحموم ، فمنع الغزو والتناحر و هتك الطفولة في قضية وأد البنات ولكنه جاء بنصوص جديدة تسمح للذكورة بالتسيٌد والتجبر وأمتلاك قطيع من النساء مجدداً . وقعت قوانين القران تحت تأثير وتفسير قوم الصحراء الذكور الأجلاف الذين يعتريهم الجذب والعطش والجشع والقسوة وحر الصحراء وخلوها من مظاهر الحياة . أنتقل هذا المنهج الى حواضر المدن التي إجتاحتها فكرة الدين الجديد الذي لا يخلو من إجابات مرضية لألغاز الحياة ، إلا أن الأمر لايختلف عما نعانيه اليوم من صعود نجم الاسلام السياسي والاجتماعي على حساب الامة وحضارتها وإنسانيتها . لقد قدم لنا المتأسلمون نسخة كريهة لأسلام متخلف لايصلح حتى للاقوام البدائية ولم يقدم حلولاُ للانسان المسلم المعاصر الذي يعاني من البطالة والتسكع وغياب العدالة الأجتماعية وتخلف المدن وغياب الخدمات وسطوة الرؤساء وما الى ذلك . النظرية الأجتماعية والاقتصادية في الأسلام على الرغم من كثرة مظاهرها ونصوصها على مدي خمسة عشر قرناً لم تقدم للعالم مجتمعاً واحداً يتمتع بالعدالة الأجتماعية والرخاء الأقتصادي الى حدٍ ما ، بإستثناء بعض المدن الخيالية التي تحكيها لنا كتب التراث المزوَر الذي كُتب بأقلام الذكورة المتصحرة .
نضوج الأنسان
كان الأنسان طفلاً بحاجة الى معلم كي ينبهه عن الكوارث التي تصادفه في طريقه ، فتعلم وتعثر وإستفاد من خبرته ووصل الى سن النضوج والادراك وهذا مالم يدركه المسلمون ، فهم لايؤمنون بالتطور البشري وتوقفوا عند نصوص كثيرة خصوصوصاً في ايات إمتلاك النساء والجنس والقتل وصناعة العدو وكيفية الفتك به . المسلمون لم يتوقفوا عند النص الذي يخبرهم بأنهم- بعد هذا الكم من الاديان والنصوص – أنهم مسؤولون عن قيادة أنفسهم ومجتمعاتهم وهنا تكمن الأزمة الحادة التي يقع بها المجتمع المسلم منذ بداية ظهور الاسلام الى الان.
على الجانب الاخر في الغرب تعلم الأنسان من أخطائه وأدرك حقيقة واحدة فقط هي أن العقل البشري شيء عظيم ممكن الأعتماد عليه في إدارة الحياة السياسية والأجتماعية والأقتصادية . من هنا تطور منهج الأعتماد على العقل البشري والايمان به الى إنشاء مؤسسات بحثية تجمع العقول في مكان معين والتركيز على شيء معين للوصول الى قانون او فكرة او دواء تعالج به أزماتها وأمراضها . هذا المبدأ إستحدث قبل الثورة الصناعية في الغرب عن طربق الاستفادة من الطلبة واختصاصاتهم في إنشاء مراكز دراسات متنوعة لرفد حاجة السوق والمجتمع في تسهيل الصناعة والزراعة والطب وعلوم الادارة والسياسة والاجتماع . كان القرن السادس عشر يعد مرحلة تأسيس ماسمي حينها بالثقافة الغربية التي إعتمدت على إنقلاب الفكر البشري وشمل تطور جذري في طرق التفكير المنطقي الذي إعتمد على إنفتاح العقل والتنوير وظهور مبادئ ومصطلحات جديدة مثل الديموقراطية ، الرومانسية ، العلم ، النظام الاجتماعي وغيرها . وزاد في الأمر نجاحاً في إنفتاح الثقافة الغربية على غيرها من الثقافات القديمة المجاورة كالعربية واليونانية . النضوج العقلي للغرب لن يقابله نضوج عقلي للعرب ، أسباب كثيرة خلف ذلك لكن في مقدمتها كان أولئك الذين نصبوا انفسهم وكلاء الله على البشر ، يوجهون الناس بتفاسير كيفية لنصوص الدين حتى استمر المجتمع في الغاء عقله الى يومنا هذا .
المسلمون لم يلتقطوا الشفرة
معظم النصوص التي جاءت بها الاديان واُختُصِرت في القران الذي يُفترض إنه كتاب المسلمين تُهيئ العقل البشري لقيادة الحياة على الارض . بداية إنتشار “الثقافة الغربية” في القرن السادس عشر الميلادي شهدت بداية إنفجار العقل البشري ، لذا إنطلق العقل من قيوده التقليدية الشعبية والدينية ومارس دوره في ملامسة تفصيلات الحياة انتهاءاً الى الدور الريادي في الوقت الحاضر .
تلك الشفرة التي دعا لها القران باعطاء اولوية للعقل البشري بإعتبار نزول القران وظهور النبي المصلح العربي محمد كانت إعلان عن بلوغ الأنسان الى سن النضوج حتى إن الخطاب القراني برأ النبي من عدم التزام المسلمين وألقى المسؤولية على الأنسان ذاته – إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ، إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا – هذا الفهم يحمل الانسان المسؤلية ويضعه امام مسؤوليته القانونية لانه بلغ سن الرشد ويجب ان يعتمد على نفسه . غابت تلك الشفرة عن أذهان المسلمين ولربما الى الان في غياب ضمني الى حدٍ ما ، الانسان بحاجة الى تعليم وليس وصاية . للأستفادة من الطاقة القصوى للعقل وترك العقل يحكم الحياة ضمن اليات إنزوى المسلمين في زاوية تقديس النص والغاء العقل ونرى إن النخبة المسلمة تطئطئ راسها أمام النص ولا تقوى على إنتقاده والتعامل معه كأحد التابوات المقدسة التي دمرت النشاط العقلي للأنسان كالعرف والتقاليد بالأضافة الى الفهم الخاطئ للدين ، تكونت لدى المسلمين نخبة غير قيادية مترددة إنهزامية سرعان ماتجنح الى السفر والهجرة خارج بلاد المسلمين بدل المواجهة والعمل والأصرار على التغيير . من الجهة الأخرى تميزت النخبة في الغرب بالجرأة والوقوف بوجه الكنيسة وسطوتها وأخذت تحقق الأنتصارات تلو الأخرى من خلال التمسك بالعلم
والديموقراطية من جهة وتشكيل مؤسسات وجامعات ومدارس قدمت للمجتمع من الاكتشافات والصناعات والخدمات أكثر مما تقدمه الكنيسة مما شجع المجتمع بالوقوف الى جانب النخب المتعلمة التي إستمرت بتشكيل المؤسسات والنقابات المهنية لتأسيس مجتمع مدني والدفاع عنه وحفظ حقوقه من التحالف الخطر انذاك بين السلطة السياسية والكنيسة كسلطة دينية ، إستمر الصراع لأكثر من قرنين من الزمن إنتهى لصالح الناس وحصر الدين كبروتوكول مهذب وممارسة روحية داخل الكنيسة بعيداً عن العمل السياسي .
الشفرة الموجودة في القرأن توعز للإنسان من الواجب عليه السماح للعقل البشري أن يأخذ دوره الريادي لكن هذه الشفرة تضيع وسط زحام النصائح والأضافات والدسائس والأنحرافات والمصالح والتركيز على القشور داخل قضايا الأسلام . قياساً لسطوة النص الديني المتشدد تم شطب العقل البشري في إنشاء ودعم مؤسسات سياسية او إجتماعية داخل المجتمع المسلم .
الأسلام بات غير قادر على بناء مجتمع تسوده علاقات سليمة بين اعضاءه ومؤسسات قادرة على دعمه وإنقاذه من براثن الفقر والتهجير والتشتت وذلك مانقف على حقائقه في الجزء الثاني من المقال .