13 سبتمبر 2025 10:48 ص

بعد ضرب إسرائيل لقطر هل يتغير التفكير بالحليف الاستراتيجي؟

بعد ضرب إسرائيل لقطر هل يتغير التفكير بالحليف الاستراتيجي؟

في العلاقات الدولية، لا تُقاس الضربات العسكرية فقط بحجم الدمار الذي تخلفه، بل بما تتيحه من فرص لإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية للدول. الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قطر، بما تحمله من رمزية ودلالات، تجاوزت مجرد استهداف مباشر، لتكشف عن اختبار غير مسبوق في منظومة الأمن الإقليمي والتحالفات الدولية. فالأمر لا يتصل بقطر وحدها، بل يتعداها إلى طبيعة التوازنات في الخليج والعالم العربي، وموقع الولايات المتحدة نفسها كضامن لأمن المنطقة.
إن قراءة هذه الضربة من منظور الأمن الإقليمي تفرض عدة احتمالات. أولها أنّ إسرائيل لم تسع فقط إلى توجيه ضربة لحركة “حماس” أو لأي طرف فلسطيني موجود على الأراضي القطرية، بل أرادت إيصال رسالة مزدوجة: أنها قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء غير المعلنة، وأن شبكة التحالفات الأمريكية في الخليج لا تمنعها من استخدام القوة متى رأت في ذلك مصلحة مباشرة اما تظنه يفيد أمنها. هذه الرسالة تضع الحلفاء التقليديين لواشنطن أمام تساؤل جوهري: إلى أي مدى يمكن الركون إلى المظلة الأمنية الأمريكية إذا كانت إسرائيل نفسها قادرة على التصرف بمعزل عنها، أو حتى بتنسيق غير معلن معها؟
من زاوية السياسة الدولية، تبدو الضربة بمثابة ورقة اختبار لمدى صلابة التحالفات في منطقة تتأرجح بين مسارين متناقضين: مسار التطبيع الذي تبنته بعض الدول العربية مؤخرًا، ومسار التصعيد الذي تعززه إسرائيل عبر تدخلاتها المباشرة. هنا يظهر الخطر الأكبر: فالدول التي راهنت على شراكات أمنية مع إسرائيل تحت مظلة “السلام الاقتصادي” قد تجد نفسها أمام مأزق استراتيجي، إذ إن الضربة ضد قطر – الدولة التي حافظت على توازن خاص بين الانفتاح والرفض – قد تخلق بيئة جديدة تجعل أي تحالف مع إسرائيل محفوفًا بعدم اليقين.
أما بالنسبة لقطر، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا لا يقتصر على الرد السياسي والدبلوماسي، بل يتعداه إلى إعادة تقييم موقعها في معادلة الأمن الجماعي الخليجي والعربي. فالدوحة، بما تمتلكه من أدوات إعلامية ودبلوماسية، قد تنقل المعركة إلى حلبة التأثير الدولي، محاولة حشد موقف أممي يجرّم الضربة ويقيد سلوك إسرائيل مستقبلاً. غير أن الأثر الأعمق يتمثل في احتمال بحث قطر عن تنويع أكبر لشبكة تحالفاتها، ربما عبر توثيق صلاتها بالقوى الآسيوية الصاعدة مثل الصين والهند، أو عبر تعزيز حضورها في التحالفات الأوروبية التي تبحث عن دور مستقل عن الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة نفسها تُوضع الآن تحت المجهر. فهي من جهة الضامن الأكبر لأمن قطر بوجود قاعدة “العديد” العسكرية، ومن جهة أخرى الحليف الأوثق لإسرائيل. كيف ستوازن الإدارة الأمريكية بين هذين المسارين المتعارضين؟ إن أي تردد أو انحياز كامل قد يضعف مصداقيتها ليس فقط لدى قطر، بل لدى كامل المنظومة الخليجية. وإذا شعرت العواصم الخليجية أن الأمن الأمريكي لم يعد مظلة موثوقة، فإن النظام الإقليمي بأسره قد يتعرض لارتجاج عميق يفتح الباب أمام فواعل دولية أخرى للدخول بقوة إلى المشهد.
إن الضربة الإسرائيلية لقطر ليست مجرد تطور عسكري، بل هي علامة فارقة قد تدفع إلى إعادة تعريف مفهوم “الحليف الاستراتيجي” في الشرق الأوسط. فهي تطرح السؤال الأوسع: هل ما زالت التحالفات التقليدية قادرة على الاستمرار في ظل واقع أمني متغير، أم أن المنطقة بصدد الدخول في مرحلة جديدة من إعادة التموضع، حيث تُوزن المصالح بميزان أكثر براغماتية وأقل التزامًا بالتحالفات الثابتة؟ إن الإجابة لن تُحسم بالتصريحات الدبلوماسية ولا بالبيانات الرسمية، بل ستظهر في كيفية إدارة القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين لهذه اللحظة المفصلية التي قد تحدد شكل النظام الإقليمي لعقد مقبل على الأقل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات