سيكتب التاريخ شهادة على خيانة الضمير

سيكتب التاريخ شهادة على خيانة الضمير

قضية فلسطين ليست مجرد نزاع عابر أو أزمة إقليمية يمكن تجاهلها، بل هي جرح عميق في قلب الإنسانية، واختبار أخلاقي صارخ لضمير العالم.
على مدى أكثر من سبعة عقود، يواجه الشعب الفلسطيني أبشع أشكال الظلم والتهجير والقتل، بينما يقف المجتمع الدولي في حالة من الصمت المخزي، يتجاوز أحيانًا الصمت إلى تواطؤ فاضح وبالخصوص التواطئ العربي. هذا الصمت المطبق لا يبرر هذه المآسي، بل يمنح مرتكبيها شرعية للاستمرار في جرائمهم، ويحوّل الضحايا الذين تتناثر أشلاؤهم كل يوم إلى مجرد أرقام في نشرات الأخبار، دون أن يترجم ذلك إلى أي فعل حقيقي لوقف المذبحة.
إن التاريخ، وهو الشاهد الذي لا ينسى ليسجل بوضوح أن الحركة الصهيونية والادارات الامريكية تقف وراء هذه المجازر، وأنهم ارتكبوا فظائع لا يبررها أي منطق أو عذر. من قصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، إلى تحويل المدارس إلى مقابر جماعية، مرورًا بانتشال الأطفال من تحت الأنقاض، كل هذه المشاهد المؤلمة تتكرر يوميًا على شاشات التلفزيون أمام أعين العالم، ومع ذلك، لا يزال صوت الإنسانية غائباً.
تواطؤ عالمي وصمود أسطوري
إن الولايات المتحدة، التي تدّعي أنها وسيط للسلام، أصبحت المعيق الأكبر لأي حل عادل، حيث تواصل إغداق السلاح والمال على دولة الاحتلال، وتوفر لها الغطاء السياسي في مجلس الأمن، وتجهض أي قرار من شأنه أن يوقف جرائمها. ورغم كل هذا العنف والخذلان، يواصل أهل غزة صمودهم الأسطوري. لقد أثبتوا أنهم أقوى من الهزيمة، وأنهم يواجهون الموت بثبات لا يتزعزع. لقد حوّلوا حياتهم وتضحياتهم إلى رسالة مدوية للعالم أجمع مفادها أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الاستسلام ليس خيارًا، مهما كان الثمن.
هذا الصمود البطولي يُذكرنا بأن ثمن الكرامة باهظ، وأن طريق الحرية مفروش بالتضحيات. وفي خضم هذه المأساة، يواجه العالم امتحانًا جديدًا في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. فهل ستظل مواقف بعض الدول، مثل كندا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، مجرد حبر على ورق، أم ستتحول إلى خطوات عملية وضغط حقيقي على الولايات المتحدة التي تعرقل كل الجهود من أجل السلام؟
إن مصداقية هذه الدول ستكون على المحك، وسيكشف هذا الاختبار ما إذا كانت وعودها صادقة أم مجرد أوهام جديدة تبيعها للشعوب.
التاريخ سيحاسب والصمت لن يدوم
إن الاحتلال سينتهي حتمًا، فهذه هي سنة التاريخ، ولكن الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون من دمائهم ودموعهم يفوق أي تصور بشري. لقد حان الوقت لأن يتحمل العالم مسؤوليته. السؤال لم يعد حول متى سينتهي هذا الصراع، بل حول من سيتحمل فاتورته. هل سيُترك هذا الشعب الأعزل وحده ليسدد ثمن حريته، أم ستشارك الإنسانية بأكملها في سداد هذه الفاتورة بالعدل والمواقف الشجاعة؟
إن الثمن الذي يدفعه اهلنا في غزة وعموم فلسطين ليس مجرد دماء تسيل، بل هو معيار لصدق العالم، وهو الاختبار الذي سيكشف ما إذا كانت العدالة لا تزال موجودة في هذا الكوكب، أم أن المصالح والخنوع قد أصبحا أقوى من الضمير الإنساني.
إن التاريخ لن ينسى، ولن يكون هناك ما يبرر هذا الصمت المروع الذي يغذي الكارثة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات