في خطوةٍ صادمةٍ وغير مسبوقة، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، بقرارٍ من الرئيس “دونالد ترامب” ومن خلال وزير خارجيتها “ماركو روبيو”، رفض وإلغاء تأشيرات دخول عددٍ من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، بما في ذلك الرئيس “محمود عباس”، لمنعهم من المشاركة في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA 80) والتي ستُفتتح يوم الثلاثاء 9 أيلول 2025 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. هذا القرار، الذي يُعدّ انتهاكًا صارخًا اتفاقية مقر الأمم المتحدة لعام 1947، ليس مجرد إجراء إداري، بل هي محاولةٌ مكشوفة لخنق الصوت الفلسطيني المعتدل، وإسكات الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني في أكبر منبرٍ دولي. فأين تقف جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، وحتى منظمة التعاون الإسلامي، وبالاضافة لدول عدم الانحياز، من هذا الظلم المُتعمّد؟ لماذا يبقى الموقف العربي والإسلامي عبارةً عن تصريحاتٍ خجولة وبياناتٍ جوفاء، دون فعلٍ حاسمٍ يُظهر التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني وما يتعرضون له في معسكر اعتقال قطاع غزة؟.
لقد شهد العالم، على مدى عقود، معاناة الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يكتفِ بسرقة الأرض، بل تجاوز كل الحدود الأخلاقية والإنسانية في وبالاخص اليوم ما يتم مشاهدته بقطاع غزة، حيث أودت حرب الإبادة الممنهجة بحياة أكثر من 63 ألف شهيد، وأصابت 159 ألفًا، وتسببت في نزوح مئات الآلاف ومجاعةٍ أزهقت أرواح مئات الآلاف منهم وبالاخص الاطفال وحديثي الولادة . ومع هذا الواقع المروّع المأساوي ، كان المأمول من الدول العربية والإسلامية، ومنظماتها الإقليمية، أن تتحرك بحزمٍ لدعم السلطة الفلسطينية، التي تمثل الصوت المعتدل والملتزم بالسلام العادل الاستراتيجي وحسب الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة على حدا سواء. لكن، بدلاً من ذلك، نرى ترددًا وصمتًا مخجلاً، يُعزّز من غطرسة وجبروت إسرائيل وداعميها في واشنطن.
إن قرار الولايات المتحدة منع الوفد الفلسطيني من حضور الجمعية العامة ليس سوى محاولةٍ لإحباط الجهود الدولية للاعتراف بدولة فلسطين، خاصةً مع إعلان دولٍ مثل فرنسا وبريطانيا عزمها على هذه الخطوة. لكن الأمر المُحيّر هو: لماذا لم تستغل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول عدم الانحياز هذه الفرصة لإعلان موقفٍ موحّدٍ، يتمثل في مقاطعة الجمعية العامة تضامنًا مع فلسطين؟ أليس من المفترض أن تكون هذه المنظمات صوت الأمة في مواجهة الظلم؟ أم أن مصالحها الضيقة وتبعيتها السياسية للغرب جعلتها تتردد في اتخاذ موقفٍ يُعيد لها شيئًا من كرامتها؟.
أن التصريحاتٌ والتنديد لا تُطعم جائعًا ولا تُوقف إبادة اللجنة الوزارية العربية-الإسلامية بشأن غزة أصدرت بيانًا “تعرب” فيه عن “أسفها العميق” للقرار الأمريكي، ودعت واشنطن إلى “إعادة النظر”. لكن، هل يكفي الأسف في مواجهة قرارٍ يهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية على المسرح الدولي؟ هل تظن هذه المنظمات أن بيانات الشجب والإدانة ستُغيّر من واقع شعبٍ يُقتل ويُهجّر يوميًا؟ إن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى كلماتٍ رنّانة، بل إلى فعلٍ جريءٍ يُجبر العالم على الاستماع إليه. مقاطعة الجمعية العامة، أو على الأقل التهديد بها، كان يمكن أن تكون خطوةً رمزيةً قوية، تُظهر للعالم أن الأمة العربية والإسلامية لن تقبل باستمرار الظلم.إن دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتمتع بثقلٍ اقتصادي وسياسي، كان بإمكانها قيادة هذا التحرك. السعودية، التي نجحت في إيجاد تكتلٍ غربي لحماية حل الدولتين، ومصر، التي تُعاني اقتصاديًا من تداعيات الحرب في غزة، وتركيا، التي تُنادي دائمًا بدعم القضية الفلسطينية، كان يُفترض بها أن تتحد لإرسال رسالةٍ واضحة: لا يمكن السكوت عن محاولات إسكات الصوت الفلسطيني. أما دول عدم الانحياز، التي تُمثل أكثر من نصف دول العالم، فإن صمتها المطبق يُثير التساؤل: أين مبادئها التي طالما رفعتها في مواجهة الهيمنة الغربية؟.
هذه الغطرسة والبلطجة الأمريكية و بتواطؤ إسرائيلي ومن خلال إصدار إدارة ترامب، المدعوم من وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، ليس سوى استمرارٍ لسياسة أمريكية طويلة الأمد تهدف إلى حماية إسرائيل ودعم جرائمها بحق الشعب الفلسطيني . الولايات المتحدة، التي استخدمت حق النقض (الفيتو) عشرات المرات لحماية إسرائيل في مجلس الأمن، تُظهر اليوم وجهها الحقيقي بمنع الوفد الفلسطيني من الوصول إلى منبرٍ دولي. هذا القرار ليس فقط انتهاكًا للقانون الدولي، بل هو إهانةٌ لكل دولةٍ تدعي احترام العدالة والحرية. ومع ذلك، فإن الرد العربي والإسلامي لا يزال دون المستوى المطلوب، مكتفيًا بالتنديد بدلاً من اتخاذ خطواتٍ عملية، مثل تعليق المشاركة في الجمعية العامة، أو الدعوة إلى عقد جلسةٍ خاصة في جنيف، كما اقترح وزير خارجية لوكسمبورغ.
إن الشعب الفلسطيني، الذي يُعاني من إبادةٍ جماعية وتجويعٍ ممنهج، لا يستحق هذا الصمت المخجل من جميع ملوك رؤساء الدول العربية . إن على جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول عدم الانحياز، أن تُدرك أن التاريخ لن يرحم المتفرجين. الفرصة سانحةٌ الآن لإظهار التضامن الحقيقي، من خلال مقاطعة عدم الحضور لاجتماعات الجمعية العامة التي سوف تعقد خلال الايام المقبلة ، أو على الأقل الضغط على الأمم المتحدة لضمان حضور الوفد الفلسطيني. او حتى حضور الوفود العربية والاسلامية والوقوف امام البوابة الخارجية وفي الساحة المقابلة لمقر الجمعية وعدم دخولهم ورافعين لافتات مكتوب عليها بصورة واضحة لا تقبل الشك او التأويل تايدهم الكامل والمطلق لحضور ملزم الى جميع اعضاء الوفد الفلسطيني ولكي يكون لهم صوت مسموع داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟ هذا الفعل ان حصل هو أضعف الايمان بالنسبة لكافة رؤساء الوفود العربية والاسلامية التي سوف تشارك بهذا المؤتمر وان ترفض كذلك جميع التهديدات او الابتزاز او الترغيب اذا حصل من قبل الادارة الامريكية , ويقفون وقفة رجل واحد لعدم خذلان الشعب الفلسطيني في انتزاع حقوقه المشروعة وإن الفشل في اتخاذ موقفٍ حاسم سيُعزّز من غطرسة وجبروت إسرائيل وداعميها، وسيُرسل رسالةً واضحة مفادها : أن الأمة العربية والإسلامية راضخةٌ للظلم.فلسطين تنزف، وصوتها يُخنق، فهل ستظل الأمة متفرجة، تكتفي بالبيانات و الإدانات الشجب والاستنكار الخجولة الذي ” لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ” ويثبت عليهم مقولة أن جامعة الدول العربية مجرد ظاهرة صوتية عفا عليها الزمن ومندوبين دولها تسمع لهم جعجعة بدون فعل !!؟ أم سوف تستيقظ من سباتها وتُظهر للعالم أنها قادرة على الوقوف إلى جانب الحق؟ الوقت ليس للكلام، بل للفعل المؤثر . فهل تفعلها هذه الأمة العربية مجتمعة ومن خلفهم الامة الاسلامية ؟