الصين والمحور الصاعد قراءة استراتيجية للعالم متعدد الأقطاب

الصين والمحور الصاعد قراءة استراتيجية للعالم متعدد الأقطاب

الاستعراض العسكري الضخم الذي أقامته الصين بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية لم يكن مجرد احتفال تاريخي بل كان رسالة استراتيجية واضحة للغرب والعالم. من خلال عرض القوات والمعدات العسكرية الحديثة بما في ذلك الصواريخ الفرط صوتية والأنظمة النووية والطائرات الشبحية وأنظمة الدفاع الفضائي أرادت الصين أن توصل رسالة بأن قدراتها العسكرية أصبحت متقدمة بما يكفي للردع الفعّال ضد أي تهديد محتمل برسالة واضحة عن تغير ميزان القوى العالمي والإعلان عن ولادة محور جديد بالتركيبة العالمية وتقول انتهى زمن التفرد بالعالم وكان  خطاب الرئيس شي جين بينغ الذي شدد فيه على أن البشرية أمام خيارين السلام أو الحرب وضرورة تفضيل الحوار على المواجهة مقابل الهيمنة الغربية يعكس النهج الاستراتيجي للصين الذي يجمع بين القدرة على الردع والاستعداد للحوار والدبلوماسية ويضع الغرب أمام معادلة واضحة احترام مصالح الصين أو مواجهة قدرة ردع متنامية.

١-حضور قادة مثل بوتين وكيم جونغ أون بالإضافة إلى ممثلين من عدة دول آسيوية وأخرى من الجنوب العالمي يعكس رغبة الصين في بناء محاور استراتيجية موازية للغرب ويشير إلى أن الرسالة لم تكن موجهة إلى الداخل فقط بل إلى النظام الدولي ككل. الاستعراض يرسل أيضًا إشارات ضمنية حول إعادة صياغة الرواية التاريخية حيث تبرز الصين دورها الحاسم في الانتصار العالمي وتقدم نفسها اليوم كقوة مركزية في تحقيق الاستقرار وصناعة السلام بينما تعكس معداتها الحديثة جاهزيتها لمواجهة أي محاولة لاحتوائها أو تحدي نفوذها.

٢-اندماج الهند مع المحور الروسي الصيني الكوري الإيراني يمثل مسارًا جديدًا في الخارطة العالمية ويشير إلى ظهور قوة موازية للغرب ليس فقط على الصعيد العسكري بل على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي أيضًا. هذا التحالف غير الرسمي يعكس مصالح مشتركة تتمحور حول التوازن ضد النفوذ الغربي وحماية المصالح الإقليمية وتعزيز السيادة الوطنية لكل دولة من الدول المشاركة. ظهور الهند في هذا المحور يعطيه شرعية إضافية ويزيد من تعقيد المشهد الدولي إذ تصبح المنطقة الآسيوية والمحيط الهندي مسرحًا لتفاعلات استراتيجية متعددة الأقطاب حيث يتداخل التوازن العسكري مع الاقتصاد والسياسة الدولية.

٣-ردة فعل الولايات المتحدة على هذا الاستعراض والتحالفات الجديدة تظهر على مستويات متعددة إذ حرصت واشنطن على تأكيد أهمية العلاقة مع الصين وضرورة الحفاظ على الحوار والتفاهمات المشتركة ويعكس ذلك استراتيجية إدارة التنافس حيث تسعى أمريكا لتجنب تصعيد مباشر مع الصين رغم تنامي قدراتها العسكرية مع إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة لتفادي أي مواجهة غير محسوبة النتائج. في المقابل جاءت التغريدة المتعلقة بحضور بوتين وكيم جونغ أون بشكل غير معتاد وملفت لتشير إلى وعي أمريكي بالتحالف الجديد الصاعد وحذر من انعكاساته على التوازنات الإقليمية والدولية وهذا ما يقلق امريكا بالذات ومؤشر على انكماش دورهم بالعالم

٤-من منظور التحليل الاستراتيجي يظهر رد فعل أمريكا مزيجًا من إدارة المخاطر وإبقاء الحوار مفتوحًا ومراقبة التحركات التحالفية الجديدة إذ تتعامل الولايات المتحدة مع هذا الاستعراض والتحالفات باعتبارهما جزءًا من إعادة تشكيل خارطة القوة العالمية ما يدفعها إلى تعزيز حضورها في المحيطين الهندي والهادئ وتقوية التحالفات التقليدية مع حلفائها الأوروبيين والآسيويين دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع الصين أو المحور الصاعد.

٥-كما يأتي الدور الإيراني ليعزز من قوة المحور الصاعد فقد رفضت جميع الدول المشاركة العقوبات الغربية المفروضة على إيران ما يُعد انتصارًا دبلوماسيًا بارزًا للطهران. هذا الموقف يرسل رسالة واضحة إلى الغرب مفادها أن قراراته ليست بالضرورة ملزمة أو مؤثرة على سياسات هذه الدول وأن إيران ليست معنية بالامتثال للضغوط الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها بل تتخذ موقفًا مستقلًا مدعومًا بتحالفاتها الجديدة. هذا الرفض الجماعي للعقوبات يعكس توازنًا جديدًا في النفوذ الدولي ويعزز قدرة المحور الروسي الصيني الكوري الإيراني الهندي على مقاومة محاولات الهيمنة الغربية وإعادة صياغة قواعد اللعبة الدولية ليصبح استعراض الصين العسكري والتحالفات الناشئة جزءًا من استراتيجية شاملة تشمل القوة العسكرية والدبلوماسية والسياسية معًا.الاستعراض العسكري الصيني والتحالفات الناشئة وردود الفعل الأمريكية والدبلوماسية الإيرانية يعكسان تحولًا استراتيجيًا جوهريًا في النظام الدولي ويؤكدان أن القوة لا تقاس بالعدد فقط بل بالقدرة على الدمج بين الردع العسكري والتحالفات الإقليمية والدبلوماسية والسياسية والرسائل الرمزية، ما يجعل الصين والمحور الصاعد عناصر مؤثرة في إعادة رسم خارطة القوة العالمية متعددة الأقطاب ويشير بوضوح إلى أن النظام الدولي اليوم يدخل مرحلة أكثر تعقيدًا وتعددية حيث تتشابك المصالح العسكرية والاقتصادية والسياسية في مشهد عالمي جديد.

٦-من الناحية الاقتصادية يظهر التحالف الصاعد بوادر تشكيل شبكة اقتصادية موازية للغرب  حيث تتيح العلاقات المتينة بين الصين وروسيا والهند وإيران وكوريا الشمالية إمكانية تبادل الموارد والتقنيات والسلع الاستراتيجية دون الاعتماد على النظام المالي الغربي ما يعزز قدرة هذه الدول على تجاوز العقوبات ويمنحها استقلالية أكبر في صنع القرار الاقتصادي. هذا النهج يتيح لمحور الشرق الجديد التحكم في مسارات التجارة الإقليمية والدولية ويمثل تحديًا مباشراً للهيمنة الغربية على الأسواق والأساليب المالية العالمية.

٧-من الجانب السياسي والدبلوماسي يوضح التحالف الصاعد قدرة هذه الدول على تنسيق مواقفها أمام الضغوط الدولية وبالخصوص امريكا وهو ما انعكس بوضوح في رفض العقوبات على إيران  ويعطي مؤشرًا على أن أي سياسة غربية أحادية الجانب ستواجه مقاومة أو تجاهلًا من هذا المحور. كما أن الاستعراض العسكري الصيني مع الحضور الرمزي لقادة محوريين مثل بوتين وكيم جونغ أون يرسل رسالة مزدوجة للغرب مفادها أن القوة العسكرية والسياسية لدول المحور لم تعد قابلة للتجاهل وأن أي محاولة للهيمنة ستواجه رد فعل موحدًا أو متضافرًا .

٨-من منظور استشرافي  السنوات القادمة من المحتمل أن تشهد إعادة ترتيب دقيق لتوازنات القوة العالمية نتيجة صعود هذا المحور الروسي الصيني الكوري الإيراني الهندي. على الصعيد العسكري يمكن أن نشهد تصاعدًا في سباق التسلح في آسيا والمحيط الهندي حيث ستسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لتعزيز قدراتهم الدفاعية والردعية بينما يستمر المحور الصاعد في تطوير تقنيات عسكرية متقدمة تؤكد جاهزيته لأي مواجهة محتملة.وربما يتطور الأمر بخلق شراكة موحده بين هذه الدول بمجال التكنولوجي

على الصعيد الدبلوماسي ستتجه الإدارة الأمريكية وحلفاؤها نحو استراتيجيات أكثر مرونة وتعددية تشمل تعزيز التحالفات التقليدية مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وربما فتح قنوات جديدة للتفاوض مع دول المحور لتفادي تصعيد الصراع مع محاولة إحداث فروقات بين أعضاء المحور لضمان عدم توحيدهم بشكل كامل ضد النفوذ الغربي. واقتصاديًا  سيحاول الغرب مقاومة النفوذ المتنامي للمحور الصاعد عبر تعزيز التجارة والاستثمار مع الدول التي لم تنضم بالكامل للمحور ومحاولة تطوير بدائل للنظام المالي الذي يتحكم فيه الغرب خاصة في المناطق التي تصبح ساحة لتبادل الموارد بين الصين وروسيا والهند وإيران كما ستزداد أهمية الرقابة على سلاسل الإمداد والتكنولوجيا والموارد الاستراتيجية ومن المؤكد اصبح طريق الحرير أمراً واقع لا محال طالما اغلب دول آسيا سوف تدخل في شراكة اقتصاديه موحده  .

اما من ناحية الجانب السياسي  من المرجح أن يعتمد الغرب على استراتيجية مزدوجة تجمع بين الضغط المباشر والدبلوماسية الذكية مع التركيز على إبراز الانقسامات الداخلية ضمن المحور الصاعد ومحاولة التأثير على الدول التي تشارك فيه جزئيًا  في الوقت نفسه سيكون هناك اهتمام خاص بمراقبة ردود أفعال هذه الدول تجاه الأزمات الإقليمية مثل النزاعات في تايوان أو بحر الصين الجنوبي لمعرفة مدى استعداد المحور للدفاع عن مصالحه عسكريًا وسياسيًا.

وهنا نستخلص من هذا الاستعراض العسكري الصيني والتحالفات المرتبطة به أن العالم يدخل مرحلة جديدة من تعددية الأقطاب حيث تتشابك القوة العسكرية بالقدرة الاقتصادية والنفوذ الدبلوماسي والسياسي. الولايات المتحدة وحلفاؤها أمام تحدٍ معقد يتطلب استراتيجيات متطورة تجمع بين الردع والدبلوماسية والمرونة الاقتصادية وتحليل دقيق لحركة المحور الصاعد. المستقبل القريب يبدو أكثر تنافسية وأقل سيطرة للقطب الواحد، مما يجعل فهم ديناميات هذا التحالف الجديد أمرًا حاسمًا لصانعي القرار حول العالم ويؤكد أن القرن الحادي والعشرين سيشهد صراعًا متشابكًا بين القوة والدهاء الاستراتيجي أكثر من أي وقت مضى. ولهذا اننا نرى

وماعلى معاهد الدراسات  الاسترتيجية وبالخصوص العراقية ان تضع ذلك الحدث قيد الدراسة والتحليل لأجل صياغه خيارات استراتيجيه وتضعها مام صاحب القرار لمعرفه ماعلينا بالمستقبل القريب وفهم الساحة الدوليه كيف تسير الان وفي المستقبل القريب  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات