26 نوفمبر، 2024 2:26 م
Search
Close this search box.

العراق بين فكي داعش وايران

العراق بين فكي داعش وايران

كان سقوط الموصل بيد مسلحي داعش حدثا فارقا في التاريخ العراقي الحديث وصلت الامور بمقتضاه الى نقطة اللا عودة والانفجار بعد سنوات الضغط والكبت من الفساد والفشل والطائفية التي اثقلت كاهل العراقيين ومن هنا يفهم استقبال بعض الاهالي في الموصل لمسلحي داعش استقبال الفاتحين نظرا لما عانوه من الظلم والتنكيل والتهميش فعندما تنقلب الصورة لهذا الحد بحيث يصبح الجيش العراقي قوة احتلال في الموصل بينما ينظر الى مجموعة من المتطرفين بوصفهم ابطال محررين حينها ندرك ان خطا كبيرا قد وقع وان هناك كارثة كبيرة تحيط بالعراق والعراقيين ولايسعنا الا ان نوجه اصابع الاتهام بالمسئولية عن ذلك لساسة البلاد والحكومات المتعاقبة والاسس التي بنيت عليها العملية السياسية من منطلق الحديث النبوي القائل ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وطبقا لمواد الدستور التي اوجبت على الحكومة الحرص على وحدة العراق والمحافظة على سلامة اراضيه ورعاية ابناء الشعب دون تفرقة عنصرية اوطائفية وبناء دولة المؤسسات وهي امورا لم تحصل في العراق منذ العام 2003.

ان الاجواء الطائفية التي سادت العراق بعد الغزو الامريكي بسبب هيمنة الاسلام السياسي الشيعي على الحكم في بغداد وتمرد الجماعات الراديكالية السنية عليه باتت تهدد وحدة الوطن العراقي خصوصا بعد سقوط الموصل والتي يبدوا ان الجميع في العراق لم ياخذ العبرة من الحرب الطائفية عام 2006 عقب تفجير مرقدي الامامين العسكريين (ع) في سامراء ، فقد كانت ولازالت الطائفية سائدة في كل مفاصل الدولة طوال السنوات الماضية غير ان ولاية السيد المالكي الثانية قد فتحت ابواب الجحيم الطائفي على العراقيين بسبب جملة من السياسات الخاطئة التي مورست بحق العراقيين السنة والتي دفعت جزءا منهم للارتماء في احضان القاعدة التي عادت واستجمعت قواها بعد الضربات الموجعة التي تلقتها على يد قوات الصحوات في العامين

2007 و2008 ليعود هذا التنظيم في حلته الجديدة بعد امتد نشاطه الميداني الى سوريا بصورة اكثر وحشية وبتصميم واضح على اشعال الحرب الطائفية في العراق وسوريا لتاسيس دولة الخلافة المزعومة والتي بات التنظيم قاب قوسين اوادنى منها بعد تمكنه من احتلال الموصل وقبلها مدينة الرقة السورية عاصمة الدولة !!! ان مايقوم به تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام من ممارسات طائفية بشعة يعد خدمة ومساهمة حقيقية منه في مشروع تقسيم العراق ذلك المشروع الذي تناوله بعض الباحثيين والسياسيين الامريكيين مثل المفكر الاستراتيجي ووزير الخارجية الاسبق هنري كيسنجر والمفكر برنارد لويس ونائب الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن في فترات زمنية مختلفة وبصيغ متعددة وهو (اي المشروع) يمثل احدى حلقات مشروع الشرق الاوسط الجديد القائم على تقسيم دول المنطقة لكانتونات طائفية وعرقية تتسيدها اسرائيل ، فطائفية داعش وتعطشها لسفك دماء شيعة العراق يجعلان من التعايش المشترك السني الشيعي ضربا من ضروب الخيال خصوصا اذا مااستقر الوضع لهذا التنظيم في العراق وتمكن من هزيمة الفصائل العراقية المسلحة الاخرى على غرار مافعل مع الجيش الحر والجبهة الاسلامية في سوريا وهو مايجعل البلد يتجه بخطى ثابتة نحو الحرب الاهلية الطائفية الممهدة لتقسيم العراق بالذات بعد تهديد داعش بالزحف نحو كربلاء والنجف وهدم مراقد ائمة اهل البيت (ع) .

لكن واقع الحال وانصافا للحق وقولا للحقيقة فان مشروع تقسيم العراق لايمكن ان يمر عبر داعش وحدها حيث وبما انه لكل صوت صدى ولكل فعل رد فعل يوازيه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه فان الحديث هنا يقودنا تلقائيا الى الدور الايراني في العراق ، فقد كانت ايران اكثر الدول المستفيدة من الغزو الامريكي للعراق الذي ازاح نظام قومي معادي لطهران ويهيمن عليه السنة فانفتحت لها ابواب العراق على مصراعيها لتدخل له وتسيطر فكريا وثقافيا وتهيمن سياسيا ودينيا وتربح اقتصاديا وتجاريا واستطاعت ان تنشا لوبي قوي موالي لها في الدولة والمجتمع العراقي من سياسيين ورجال دين وشيوخ عشائر وميليشيات ورجال اعمال واعلاميين ومثقفين وتضع بذلك يدها على العراق كله وتصبح اللاعب رقم (1) في المشهد العراقي متفوقة على الولايات المتحدة نفسها . ومع هذه الهيمنة الايرانية الواضحة والتي جعلت من السيد المالكي القادم على ظهر الدبابة الامريكية عضوا في محور المقاومة والممانعة !!!ضاعت الهوية الوطنية العراقية وتحللت الى هويات فرعية طائفية فاصبحت الطائفة هي الوطن وغدا الحديث عن ايران خطا احمر وعن عروبة العراق جريمة لاتغتفر وبدات الضغوط الايرانية على الحكومة العراقية تؤتي ثمارها بسياسات طائفية قمعية ضد سنة العراق وافساح المجال للميليشيات الممولة والمدربة والمسلحة ايرانيا باستهداف العراقيين السنة على اساس الهوية مساهمة هي الاخرى بتاجيج نيران الفتنة الطائفية وقد بدى الحجم المتزايد للتاثير الايراني على السياسة العراقية في الملف السوري وسقوط الموصل ففي سوريا كانت حكومة المالكي طوال سنوات تتهم النظام السوري بتمويل وتدريب وتسهيل عبور عناصر القاعدة الى العراق عبر الحدود المشتركة وهو ماكان يقوم به نظام الاسد فعلا لكن ما ان قامت الثورة السورية حتى انقلب الموقف العراقي تماما وبات متحالفا مع نظام دمشق تحت ستار مذهبي ذبح

ابناءه (اي المذهب) بيد عناصر القاعدة المدعومين من المخابرات السورية انذاك ، كذلك استغلت ايران سقوط الموصل بيد داعش والخطاب الطائفي لرئيس الوزراء المالكي بالضغط على المرجعية الدينية لاصدار فتوى الجهاد الكفائي والتي اصبحت غطاءا شرعيا لحملات التجييش الطائفي واطلاق العنان للميليشيات لتخطف وتقتل في بغداد بحجة مواجهة داعش .

ان الحل في العراق لايمكن ان يكون الا عراقيا بامتياز فسيطرة داعش على المناطق السنية واستمرار سياسة التجييش الطائفي في الجنوب بمباركة ايرانية يهدد وحدة العراق وينذر بنهر ثالث من الدماء ستجري في بلاد الرافدين لكن الحقيقة تقول بان داعش لايمكن ان تكون حلا لمعضلة سنة العراق وان استمرار هيمنة ايران على شيعة العراق لايمكن ان تدوم لان الوطنية العراقية هي الطريق الوحيد لافشال مشروع التقسيم والتصدي لادواته الخبيثة وهو ماسيدركه العراقيون المغيبين عن الوعي الوطني والواقعين تحت تاثير المخدر الطائفي عاجلا او اجلا لكن المهم ان يتم ذلك قبل فوات الاوان .

أحدث المقالات