“لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق”
إرحموا العراق!!
المُبتلى بدستوره وساسته ونفطه وتأريخه ونخيله ونهريه وكل ما فيه وعليه!!
العراق الذي ينساه الجميع , ولا يفكرون به إلا عندما يكون على شفا حفرة من الموت والضياع!
العراق الذي ينادي:
“سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر”
العراق الذي يعيش شعبه ونخيله في خضم بحر الآهات والعناءات.
فمنذ أن تأسست المملكة العراقية , ولا يوجد من يفكر به ويحزن لحزنه ويتألم لألمه.
لا أحد يفكر بنخيله وجباله وبشعبه الجائع الفقير المعاني المكابد على مر العقود.
فكروا بالمملكة والملك والوزارة ورئاستها وبالكراسي وغيبوا العراق!
مَن يقرأ تأريخ ما جرى في القرن العشرين, لا يجد إلا مَن يسعى للترحم على العراق.
ولهذا فما أصابه إلا الأذى والحزن والألم والعثرات.
فما إرتقينا إلى مستوى العراق , ولم نكن بحجمه, بل بحجم أنفسنا وطموحاتنا الفردية البائسة ,
ولهذا أصبح العراق على ما هو عليه.
العقلية التي تحدد “سياستنا” وتفاعلاتنا جميعا , هي عقلية النظام والإنقلاب والطوائف والعشيرة والقبيلة , وعقلية الخروج من النهر إلى الساقية , والإنكماش في الصناديق الظلماء , والهرب من ضياء الفضاء المطلق.
وعقلية الحزب الواحد والتحزب والخراب والفرد الواحد.
فصرنا في منأى عن العراق!!
الحكومات – ومنذ البدء – إنشغلت بمسيرات إصطراعية , تفاقمت حتى عبّرت عن دمويتها في الإنقلابات , وتواصلت فأصابنا منها الويلات , وهكذا دواليك.
وذلك بسبب العقليات “الكرسوية”.
فالكرسي أكبر من العراق!!
والكرسي هو كل شيئ وفوق العراق وشعبه.
عقلية الكراسي مزقتنا ودمرتنا وستحرقنا حرقا أبديا.
فمازلنا نفكر بالنظام والحزب والتحزب والفوز والإستئثار.
فتحولت الديمقراطية عندنا إلى مسرح للصراعات المختلفة , وتجردت من محتواها الوطني لترتقي إلى مستوى الأفراد والشخوص , لأنهم فوق الوطن ويمتلكون حق تقرير مصيره !!
الديمقراطية عندنا دخلت في معصرة إنقلابات وسيادات , وغالب ومغلوب ومنتصر ومنهزم, وتشبثات بالمواقع والكراسي!!
إنها معصرة آليات التفكير وأدواته , التي حركت الحياة على مدى قرن من الزمان ولا تزال.
والعراق يترنح وسط دخان الطموحات الفردية والتحزبية والطائفية.
ولا أحد يتحدث عنه , بل إشتباكات كراسي وإنحدارات إلى حيث ما قبلَ” كنا” بقرن , وسنكون إلى ما قبلها بكثير , ويُخشى أن نسقط في آبار داحس والغبراء وكهوف البسوس , ولا من حكيم أو رشيد أو حاتمي.
فكل مَن أمسك بعنق البلاد راح يبحث عن قميص يستخدمه , لتبرير المآسي والمصائب والويلات المريرة, وليخدع نفسه بأنه عادل وبريئ وصاحب إرادة مطلقة , فيقول ما يقوله , ويفعل ما يفعله وينسى العراق ولا يرحمه.
ومن يريد العراق , عليه أن يفكر بالعراق!!
أن يفكر بوطنه مثل باقي أبناء الأرض.
فلا أحد في الدنيا يفكر بغير مصلحة الوطن الذي يعيش على أرضه.
وبمقارنة بسيطة بين ما يجري في أية دولة مجاورة , وما يجري وجرى داخل العراق , تُظهر الفرق الكبير في آليات التفكير السياسي.
فالجار يفكر بالوطن والمواطن والمواطنة ومصلحة البلد عموما.
بينما عندنا الوطن حزب, شخص, كرسي أو بئر نفط!!
وقل ما شئت ولا تقول العراق الوطن!!
والعراق يريد مَن يكون بحجمه, لا بحجم الأحزاب والكراسي والمنافع الشخصية.
فلنرحم العراق بتجاوز ما تقدم , لنبنيه ونعمل كيَدٍ واحدة من أجله!!
فكل أرض بما حملت
وكل نفس بما كسبت
ورحم الله شاعرنا عمرو بن الأهتم , الذي تنبأ بحالنا قبل أربعة عشر قرنا أو يزيد.
ونحن نعود إلى ما قبل عهده بقرون ولله في خلقه شؤون!
وأستميحه عذرا أن أتلاعب ببيت شعره الخالد الجميل وأقول:
لعمرك ما ضاق العراق بأهله
ولكن أخلاق الكراسي تضيق
لعمرك ما ضاق العراق بفكره
ولكن أخلاق النظام تضيق
لعمرك ما ضاق العراق بنخله
ولكن أخلاق الحروب تضيق
لعمرك ما ضاق الفرات بمائه
ولكن أخلاق السواقي تضيق
ويا شاعرنا هل تدري أن عليك أن تقول اليوم:
لعمرك قد ضاقت بلاد بأهلها
لأن أخلاق الزمان حريق !
فارحموا العراق ولا تترحموا عليه!!