الإنسحاب العسكري الأمريكي المرتقب من العراق الذي بدأ قبل أيّام بالإنسحاب من قاعدة عين الأسد والتمركز والتموضع في مواقع أخرى داخل عاصمة إقليم كردستان مدينة أربيل هو انسحاب صوَري ضمن حسابات تكتيكية تستدعيها الإوضاع الإقليمية والدولية المتوترة في كلِّ مكان من زوايا العالم وتأثيراتها على المصالح والنفوذ الأمريكي وأهمها الأوضاع في العراق لذلك هو انسحاب ينطوي على مخطط انتقامي من الشيعة بوجه عام على مستوى الطائفة ومن الفصائل المسلحة الشيعية والحشد الشعبي بوجه خاص ولكن شرر ناره سيصل الى كل بيت عراقي ولن يستثني احدا منهم 0
وسوف يجري من الكوارث والنوازل في وسط وجنوب العراق ما يجري في غزة الآن لا بل اسوأ من ذلك فاهداف امريكا السياسية والإقتصادية والتجارية في العراق لا تساوي أهدفها في قطاع غزة امامها كحبة رمل في مقابل جبل منيف وأنَّ الوسط الشيعي مقبل على مآسٍ ومخاطرٍ جمة لا حدود لها وكلُّ ذلك بسبب المطالبة المستمرة لأمريكا وحلفائها للإنسحاب من العراق من قبل المكون السياسي الشيعي فقط دون سواه 0
وردَّت أمريكا وبإصرار مريب عديد مرات ردوداً مبطنة بالتحذير للشيعة برفضها فكرة الإنسحاب وكان آخرها على لسان الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب غير أنَّ الفاعلين السياسيون الشيعة على عكس موقف المكونين السني والكردي الرافض لفكرة الإنسحاب وذلك لأنّ الأكراد يتخوَّفون من عودة نفوذ داعش والسنة يتخوفون من توسع نفوذ إيران ، لكن الشيعة لا يقبلون بذلك فهم في اطاردائرة تنفيذ اجندة ومصالح خارجية يخدمها الإنسحاب الأمريكي من العراق حتى ولو نال العراق منه الويل والثبور وعظائم الأمور0
لذلك ومن الأهداف الستراتجية لتكتيك الإنسحاب وستنخرط أمريكا في توجيه ضربات شديدة صاروخية وطيرانية بايلوتية ومسيراتية لمقار الحشد الشعبي والفصائل الأخرى الى جانب اذكاء نارحرب في الداخل العراقي ستقوض اسس الأمن الهش وستفكك اواصر الإستقرار المتذبذب وأنَّ الشيعة هم اصحاب القرار الأساس في عدم اندلاع هذه الحرب لتجنب مجازرها في البشر وآثارها التدميرية على البنية التحتية المتهرئة اصلا ولم تمتد اليها يد الإصلاح والإعمار الحكومي مع تعطل بالكمال والتمام في التنمية الإقتصادية والإجتماعية بسبب ضخامة رواتب الرئاسات الثلاث ومخصصاتهم التي يستقطب الإنفاق الجاري المخصص لها ما لا يقل عن 80% واردات النفط فالعراق بلد ريعي فيه ثروة نفطية ويعتمد كليًّا على الأصول النفطية 0
وعليه فإن الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد العام 2003م هي حكومات طائفية بامتياز بنتها امريكا وهذا ذكاء ودور خبيث لآمريكا الهدف منه تعطيل أي تنمية او أي نهوض في العراق على اسس محاصصة سلطوية من اجل ابعاد المواطن العراقي عن التمسك بالإنتماء الوطني الذي يجمع العراقيين تحت ظل خيمته ويوحدهم نحو بناء وطنهم واعماره والسعي نحو التنمية والإستثمار من هنا ياتي القلق على حاضر العراق ومستقبل اجياله أن الإنسحاب القسري المرتقب لأمريكا من العراق سيرافقه قتل وتجويع وتدمير وتعطيل التعليم وتغييب العمل الصحي من طريق اذكاء نار الفتنة بين مكونات تركيبته المتنوعة وخاصة بين المكونين الشيعي والسني كما حصل سابقا وما اسهل ذلك على امريكا فهي تمتلك الأدوات المادية والبشرية اللازمة لتحقيق هذا التوجه إذا لم يتراجع الشيعة عن اصرارهم على انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق ويتطابقوا في الرؤيا والموقف مع السنة والاكراد في صدد ذلك لأن المصلحة الوطنية تستدعي التكاتف والتوحد والإنسجام في المواقف بين طواقم المنظومة السياسية العراقية الذين يمثلون تركيبته السكانية المعقدة