ان كان لبلد او لامّة ان يأخذان موقعا محترما ضمن بقية الأمم فليس سوى التعليم على رأس أولويات ذلك الهدف. التعليم الاولي بداية من المراحل الابتدائية تنشيء الأجيال القادرة على انتاج مجتمع صحّي أساسه الاخلاق و الوعي، ثم تكمّله الدراسات المتقدمة وصولا للدراسات العليا. و لست أجد في اساسيات انشاء نظم التعليم تلك من حجر اصلب و لا اضمن من وجود عقل او عقول قادرة على وضع ستراتيجيات بمختلف المديات و رؤى و اهداف واضحة المعالم مع سياسات عمل قابلة للتطبيق ميزتها المرونة و إرادة التطور لكن…و اخ من لكن، حيث تسكب هنا أطنان من العبرات…لكن مع ضرورة بل و حساسية الثبات الحكيم الذي هو عكس التقلبات كيفما مالت ريح الصرعات و الاجتهادات و الشطحات الفكرية. ان ضمان الاستيعاب و تراكم الخبرات و تعديل الهنّات و الأخطاء خلال مختلف مراحل التطبيق، و هو امر طبيعي بل و صحّي في غالب الأحوال، لا يمكن الحصول عليه مع التغيرات او التعديلات الكثيرة ضمن مرحلة زمنية قصيرة، حيث تكون التعديلات و التعديلات على التعديلات ثم العودة عن تلك الأخيرة لغيرها ضمن مدد قصيرة مصدر هدم و تخريب مهما كانت النوايا خيّرة او صادقة…و هذه من اساسيات علوم الإدارة و يعرفها كل من درس او مارس الإدارة.
نظام الامتحانات التقويمية للتخصصات المتماثلة في الجامعات، و الذي يتلخص باختيار عدد من المواد الدراسية للمراحل الدراسية المختلفة، ثم وضع أسئلة امتحانية موّحدة في كل الجامعات الوطنية بقصد قياس مستوى التحصيل الدراسي لطلبة الجامعات او لنقل مستوى التدريس و نتاجه في الجامعات. بمعنى ان طلبة قسم الهندسة المدنية (مثلا) في جامعات بغداد و المستنصرية و ووو الموصل و البصرة و واسط وووووو يمتحنون بمادة الأسس (مثلا) بأسئلة موحدة تختارها لجنة وزارية. هذا النظام ابتدأ العمل به في العراق حسبما أتذكر سنة 1995/1996 او بعدها بسنة، و قد كانت أوامرال”قيادة” حينها رعبا بكل ما تحمله الكلمة حيث كانت تقضي بمعاقبة الأستاذ التدريسي الذي تكون نسبة نجاح طلبته اقل من 30%، و بالفعل فقد كانت العقوبة تحويل التدريسي الى ما يسمى معسكر ضبط (الرضوانية) مدة شهر يذوق فيها مختلف أنواع الإهانة و التنكيل، و هذا ما حصل حسب ما أتذكر لأستاذٍ فاضلٍ بدرجة بروفيسور كان قد تجاوز الخمسين من العمر، و قد ترك البلد بعدها ليعاني ذل الغربة في ليبيا القذافي بدلا عن الهوان امام أولاده و عائلته و زملاءه.
لا ازعم انني اعلم من الخبراء و العلماء الذين أشاروا او قرروا إعادة نظام الامتحانات التقويمية، حيث لابد ان لهم وجهة نظر و حجج و في كل الأحوال فما انا الا شخص بسيط لا وزن لما أقول. لكن حسب معايشة طويلة في و مع الجامعات العالمية الرصينة لم اجد مثل تلك الامتحانات لا قبلا و لا حاليا. بلى توجد اختبارات صلاحية ممارسة المهنة (بعد انتهاء الدراسة الجامعية) في تخصصات مثل الهندسة و الطب و القانون و المحاسبة…الخ، تقوم بها مؤسسات مستقلة عن المؤسسات الجامعية و الفشل فيها لا يلغي شهادة التخرج للطالب كما انه لا ينعكس على الأستاذ و لا على الكلية بشكل مباشر لأنه في كل الأحوال اختبار للجهد الشخصي للطالب. و حتى في حال وجود تجارب قريبة منها فانها تكون على مستوى الكلية او الجامعة ذاتها لضمان رصانة المخرجات و تعدّ من مكملات الحصول على الشهادة.
بسرد مختصر لاهم مواطن الضعف في نظام الامتحانات التقويمية أثناء الدراسة الجامعية يمكن القول:.
2. مقارنة مع الجامعات العالمية:
ذلك إضافة للأعباء الإدارية و المالية و اللوجستية الكبيرة على الكليات قبل و اثناء توقيتات تلك الامتحانات التقويمية التي تأكل الكثير من جرف التقويم الدراسي، تسبقها العديد من محاضرات التهيئة و التدريب على أداء تلك الامتحانات و الذي يختلف اجرائيا عن المتعارف عليه من الامتحانات التقليدية، حيث يكون الهاجس الأول و الأهم للقيادات الجامعية الخروج من ربقة تلك الامتحانات دون التعرض للعواقب المحتملة لحصول طلبتهم على نتائج ضعيفة.
نعم، خلاصة القول هنا، ان الامتحانات الموحدة أثناء الدراسة الجامعية تُضعِف الإبداع والخصوصية الأكاديمية لكل كلية، و تخلق جوا من التوتر لدى الملاكات التدريسية و الأهم من ذلك كله انها لا تؤدي لوضع صورة حقيقية عن مستوى المخرجات التعليمية لان أساسها خلط غير مفهوم بين فلسفة التعليم العالي الذي سمّي عاليا كونه انطلاق في فضاء الابداع المتحرك المتغير مع المعطيات الجديدة كل يوم و بين فلسفة المحفوظات و النمط الواحد الذي قد ينفع في المراحل الابتدائية الأولية التي يتوجب فيها على كل الطلبة معرفة حروف الهجاء و جدول الضرب (مثلا)… و حتى في هذه قول كثير لولا ضيق المجال، ولهذا السبب فالجامعات العالمية المرموقة لا تعتمدها وتفضّل ضمان الجودة عبر الاعتماد الأكاديمي والاختبارات المتنوعة داخل كل جامعة.
أقول قولي هذا واعيا و واثقا انها مجرد كلمات شخص بسيط لا وزن له في منظومات القرار، لكنها ابراء للذمة و ليعتبرها من لا يتفق تخاريف عجائز و ليمض فيما يشاء و يشتهي و الله تعالى المستعان لاجيالنا الحالية و المستقبلية.