تحمل دراسات وكتب الأستاذ الدكتور محمود صالح الكروي نكهة التخصص بتحليل الميراث السياسي لدول المغرب العربي، هكذا كتابه الجديد ” الفكر السياسي لحزب الاستقلال المغربي- دراسة تحليلية “في طبعته الأولى الصادرة عن دار رؤى للطباعة والنشر في العراق عام 2025.
ولا يعد هذا الكتاب الأول من نوعه، في هذا العطاء الأكاديمي، لذلك تخصص في تحليل نموذج حزبي معروف في واقع مملكة المغرب السياسي من خلال نظرة شاملة تحلل الأوضاع السياسية التي صاحبت ظهور هذا الحزب ونشاطاته التي اثرت عليها الظروف الاقتصادية والاجتماعية على نشاءة الحزب في ظل وجود حركات وأحزاب سياسية مغربية أخرى، اكدت ان هذا الحزب الاقدم في توصيف “حزب وطني” في المغرب اقترن نضاله بمرحلة مهمة جدا في تاريخ المغرب الحديث استمرت لحين نيل المغرب الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وما بعدها.
وينطلق الدكتور الكروي في انجاز كتابه من فرضية أساسية مفادها ان حزب الاستقلال المغربي لعب دورا كبيرا في الحياة السياسية المغربية وحتى على صعيد المغرب العربي قبل الاستقلال وبعده وكان له أدوار واضحة في البناء الدستوري للمملكة المغربية ناهيك عن ادواره السياسية في تطور الحركة القومية في منطقة المغرب العربي.
في هذا المنظور الأكاديمي يطرح هذا الكتاب الإجابة على سؤال مركزي.. مدى قرب او بعدا الفكر السياسي لحزب الاستقلال من الفكر القومي العربي ويسعى لمناقشة تساؤلات فرعية عن تأثير المتغيرات الداخلية والخارجية على تطور الفكر الساسي لهذا الحزب، من خلال الوسائل التي اعتمدها قادته في السلوك السياسي تجاه القضايا العربية والقضايا الإقليمية والدولية.
ويشير الدكتور الكروي الى ان اهم النتائج التي توصل اليها في دراسته للفكر السياسي لحزب الاستقلال المغربي ان بداية الوعي الوطني والقومي كانت بمثابة رد فعل اثر الاصطدام بالاستعمار منذ معركة ايسلي 1884 وما قبلها احتلال فرنسا للجزائر ، ويعتبر ولادة الحركة الوطنية المغربية قد مرت بمراحل تصاعدية اقترنت بإعلان الظهير البربري الذي خطط له الاستعمار الفرنسي لمسح الهوية العربية في المغرب ، لذلك لم تكن الحركة الوطنية تمتلك برامج عمل او نظيرة متكاملة وانما تعاملت مع واقع الاستعمار الفرنسي وانعكاساته بردود الفعل المباشرة حتى بعد تأسيس حزب الاستقلال مع عدم اغفال استفادته من التراث العربي الاسلامي في بعض مساراته وتصوراته المستقبلية .
ويؤكد الدكتور الكروي على انعكاس مواقف حزب الاستقلال على سياسة الملك محمد الخامس في مرحلة ما بعد الاستقلال واصبح فكره السياسي مشدودا للنظام الرسمي يستهدف إخفاء المشروعية على الاختيارات والقرارات السياسية ، كون طموحات الفكر السياسي لهذا الحزب كانت محدودة في البحث عن تلك الحلول الجذرية لكل معضلات الواقع السياسي المغاربي ، واكتفى بالحلول الجزئية والمرحلية ، وظهر ذلك جليا في نموذجين، الأول ، الارتباط بالإسلام كعقيدة في الصراع مع الاستعمار الفرنسي ، والنموذج الثاني ، عدم بروز الارتباط بالعروبة في مسارات المجتمع المغاربي الفكرية ، بل ان صيغة الإسلام كانت تحتوي هذه النزعة وتتضمنها ومع ذلك فشلت حركة الإصلاح الديني في المغرب ولم تتحول الى نظرية فعالة تفتش عن اسرار انبعاثها في حركة الثورة العربية المعاصرة .
وفق هذا المنظور ، يجد الدكتور الكروي، امتياز حزب الاستقلال بالانتقائية التوفيقية على سبيل المثال لا الحصر في المقولة اليونانية ( مواطنون احرار في وطن حر) التي اتخذها الحزب شعارا له فضلا عن بعض الأفكار التي شابهت الطروحات الافلاطونية ،ناهيك عن دعوة الحزب للأرستقراطية الفكرية ومع ذلك انتهج الحزب خطا اصلاحيا مسالما للواقع ولم يصل الى بلورة سياقات ثابتة في العمل الديمقراطية او فهم متجدد لعلاقة الدين بالدولة ومع ذلك فقد أسهمت القضية الفلسطينية في اغناء بعده القومي ولكن الكتاب ينتهي الى استنتاج مهم ان هذا الحزب مع وضوح منهج الاستقلال في فكره وتطبيقاته لم يزل يعيش ازمة الوضوح الفكري لعدم اختراقه الحواجز الممثلة بسيادة الملك المطلقة .
ومع الإقرار بهذا الخلل الفكري والتطبيقي، يقول الدكتور الكروي في خاتمة كتابه ، لابد من الاعتراف بان جهود حزب الاستقلال هي السبب الأول في الحفاظ على عروبة المغرب العربي .