يلعب الأعلام دورا كبيرا في التأثير على الفرد وبالتالي على المجتمع سلبا أو إيجابا من خلال ما يبث عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي من مواد مختلفة ومن لقاءات وبرامج وما يطرح عبر تلك البرامج من مناقشات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وما الى ذلك من قبل الضيوف ، وبالتالي فالأعلام له تأثير قوي وواسع في صناعة الفرد فكريا وثقافيا ومجتمعيا ودينيا وحتى رياضيا! ، عندما يكون موجهاً بشكل إيجابي للمجتمع ، ويهدف الى نشر مفاهيم المحبة والسلام والتآخي والتسامح والتماسك وزرع الروح الوطنية وكل المبادئ والقيم الفاضلة لدى الفرد ، حيث بإمكان الأعلام أن يشذب من الكثير من العادات والسلوكيات والممارسات المرفوضة اجتماعيا . ومن الطبيعي سيكون الأعلام على العكس من ذلك تماما ، عندما يوجه بأسلوب سلبي مقصود وممنهج! للمجتمع وهنا يكمن الخطر الكبير، فعندها سيكون تأثيره أقوى من تأثير القنبلة النووية وحتى الهيدروجينية!! . فالقنبلة تدمر الحجر والشجر وتقتل البشر ، نعم لا شك في ذلك ، ولكنها تدمر المكان الذي تسقط فيه فقط! وعلى مسافة أمتار للمناطق المحيط بالمكان الذي سقطت فيه ، في حين أن الأعلام السيء المنفلت والممنهج والذي يهدف الى تحطيم الأنسان فكريا وثقافيا وانسانيا ، من خلال نشر المواد التي تثير الغرائز وتشجع على الرذيلة والفسق والفجور والتخلف والأمية والجهل ونشر الخرافات بين الناس بأكثر من طريقة وطريقة ، وتحت أكثر من مسمى ، ويثير الفتن القومية والطائفية من خلال المنابر الخطابية وما يطرحه الضيوف التي تلتقي بهم الفضائيات ( دائما تنتهي لقاءات الضيوف ومناقشاتهم بالعراك والشتم والسب والزعل!) ، وكذلك يعمل الأعلام المغرض السيئ على زرع الخوف الدائم لدى المواطن من خلال ما يبثه من اخبار وتحليلات سياسية وتوقعات عن المشهد السياسي والأمني في البلاد ، فهنا يكون التأثير أقوى وأعم وأشمل ، وبالفعل يكون أقوى من القنبلة النووية والهيدروجينية! كما ذكرت آنفا ، لأنه سوف يؤثر على عموم المجتمع! ، صحيح أن تأثيره يكون بطيئاً ويمتد لسنوات ، ولكنه في النهاية يؤدي الى تحطيم البنية الاجتماعية وهدم القيم الأخلاقية والتربوية والنفسية للإنسان ، وبالتالي تحطيم المجتمع بأكمله ولعشرات الأجيال القادمة في حال استمراره وعدم القدرة على ضبطه والسيطرة على ايقاعه المنفلت . مثال على ذلك في قصة اليابان المعروفة ( في الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945 قصفت مدينة (هيروشيما) بقنبلة نووية ثم بعدها بأيام قصفت مدينة (ناغازاكي) بقنبلة نووية ثانية ولم تبق القنبلتين على بشر ولا شجر ولا حجر ، واستسلمت اليابان على اثر ذلك وخسرت الحرب ، ولكنها لم تخسر المعركة مع الحياة لأنها لم تخسر الأنسان الذي تعتبره رأس مالها الحقيقي ، فبعد أقل من عقدين من الزمن ، عادت اليابان لتنهض من جديد وتعيد بناء ما دمرته تلك القنبلتين وكل اثار تلك الحرب بفضل انسانها الذي حصنته وبنته بصورة صحيحة فكريا وثقافيا ووطنيا واجتماعيا من قبل أن تخوض الحرب ، من خلال وجود الحكومات الوطنية التي حرصت بشكل كبير على ذلك . ومما لا شك فيه كان للأعلام الدور الكبير في صناعة ذلك الأنسان وبالتالي نهضة المجتمع ، فوصلت الى ما وصلت أليه من تقدم حتى صار يطلق عليها وعلى إنسانها ومجتمعها بانهم شعب من ( كوكب آخر)!. في العراق ومع الأسف حققت سياسة المحتل الأجنبي نجاحا اعلاميا كبيرا من بعد 2003 في تحطيم الأنسان وتمزيق المجتمع من شماله الى جنوبه من خلال تدمير كل الأسس الأخلاقية والتربوية التي يرتكز عليها قيام وبناء أية مجتمع ، تحت يافطة الحرية والديمقراطية! التي تم تشويه المعاني الحقيقية لها وبعد أن تم تفريغها من محتواها الانساني واستغلت أسوء استغلال وهبطت بالإنسان العراقي الى الأسفل الى الحضيض ، بدلا من أن تبنيه اجتماعيا وفكريا وأخلاقيا وترفعه الى الأعلى ، فالأعلام من بعد 2003 كان منفلتا وبدون أية رقابة وهو أبعد ما يكون منه الى الحرية والديمقراطية! في غالبية ما يتم طرحه عبر وسائل الأعلام المختلفة من فضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي وما تبثه من أفكار ومواد مسمومة صفراء تثير الفتن وتحرك الغرائز وتزرع الفرقة بين مكونات المجتمع قوميا وطائفيا وحتى عشائريا ، فلم يكن الأعلام حريصا على بناء الأنسان والمجتمع! ، استثناءً من بعض الفضائيات والقنوات التلفزيونية التي حرصت أن يكون خطها الاعلامي وطنيا مستقلاً من أجل خدمة الوطن والشعب. وهنا لابد من أن نشكر الحكومة وكل الأجهزة الأمنية والاستخبارية والجهات المختصة ذات العلاقة التي تحاول ولا تزال تعمل للتصدي لموضوع الأعلام المنفلت!. ولكن العراقيين يشعرون وبأسف لا يخلوا من ألم بأن يد الحكومة مقيدة الى حدٍ كبير!! ، وأن تصديها لظواهر الدمار والخراب والانحراف الاجتماعي يذهب سدى ، ويأتي من باب ذر الرماد في العيون!! ، (كيف يبلغ البنيان أشده ، أذا كنت أنت تبني وغيرك يهدم!). اللهم أحفظ العراق وشعبه.