كثيرٌ منا يشعر بالسعادة فجأة، وتعلو وجهه الابتسامة عندما تصله بشارة مفرحة، أو يحضر مناسبة سعيدة تخصه أو تخص أحد أفراد عائلته. وتستمر نشوة الفرح هذه لساعات أو أيام قليلة، ثم تعود الأحاسيس البشرية إلى سابق عهدها، خاصة عند عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، فينتقل الإنسان من لحظات السعادة إلى هموم الحياة ومشكلاتها المتواصلة، رغم توفّر أغلب الحاجات الضرورية، خصوصًا بعد دخول التكنولوجيا الحديثة في معظم تفاصيل حياتنا اليومية.
وربما يتساءل البعض:
هل هناك سعادة حقيقية وأخرى مزيفة؟
وهل توجد سعادة دائمة أم أن كل سعادة وقتية؟
الجواب عن ذلك مرهون بطبيعة الإنسان نفسه. فبعض الناس يعيشون أوهامًا نسجتها خيالاتهم، وأحلامًا يصعب تحقيقها، لأنها ببساطة تحتاج إلى إعادة الزمن إلى الوراء لتعويض ما فاتهم وتصحيح أخطائهم. وهذا مستحيل؛ فالأمس مضى، واليوم يمر، والغد لم يأتِ بعد.
السعادة الحقيقية لا تتحقق بالخيال ولا بالأماني، بل تكمن في التخطيط السليم، وبناء الشخصية على أسس متينة، مع وجود إرادة حقيقية لتحقيق الأمل والطموح، بعيدًا عن الأوهام والخيالات التي تسرق من الإنسان وقته وتثقله بالهموم.
أنا لا أتحدث هنا بمنطق الفلاسفة، بل من واقع أعيشه وأشاركه مع أبناء مجتمعي. فكلّما احتاجت أرواحنا إلى السعادة، يجب أن نلجأ أولًا إلى القناعة قبل أن نطلب المستحيل، لأن القناعة تُشعر الإنسان بأن السعادة قريبة منه، بل ترافقه في كل وقت، حتى في الأوقات العصيبة. فكم من طموحات سعينا لتحقيقها، دون أن نعلم ما قد تخبئه لنا عواقبها.
الطموح مطلوب، لكن مع العمل الجاد، والأمل يحتاج إلى جهد كبير ليُثمر. أما في حال عدم تحقق ما نطمح إليه، فعلينا أن نتحلّى بالقناعة التامة، حتى لا نسقط في هاوية الفشل، ونتجنب الوقوع في أخطاء الماضي، التي قد تقودنا إلى الندم. فنحن بشر، وكلنا معرّضون للخطأ، سواء نتيجة تصرفات غير عقلانية، أو ظروف قاهرة، أو حتى مجاملات لواقع اجتماعي يفرض نفسه علينا.
إن الواقع الاجتماعي الذي نعيشه اليوم يختلف كثيرًا عمّا عاشه آباؤنا وأجدادنا قبل عقود. فقد أصبح الإنسان المعاصر يعيش في عالم من الأحلام المبالغ فيها، وأفكاره مشوشة بطابع الحسد أو الكراهية أو الأنانية، مع غياب القناعة بما يملك، رغم أنه لا يملك من أمره شيئًا. فهو يقارن نفسه بالآخرين الذين يظن أنهم حققوا كل طموحاتهم، وهو لا يعلم أن هؤلاء ربما يتمنون واقعه البسيط، المبني على الأمل والقناعة والرضا.
السعادة الحقيقية ليست في ما نملك، ولا فيما ننتظر، بل في نظرتنا إلى الحياة، ومدى قدرتنا على التوازن بين الطموح المشروع والقناعة الواقعية.